الرئيس الحسيني «أبو الوفاق الوطني» رحل هل ماتت أسرار «الطائف» معه؟

FILE - Legislator Hussein al-Husseini, a former parliament speaker waves his hand as he leaves the parliament building after he announced he was quitting his parliamentary seat to protest an Arab-brokered deal that produced a Cabinet of opposing factions, in Beirut, Lebanon, Tuesday, Aug. 12, 2008. Husseini died Wednesday, Jan. 11, 2023 after days of illness, he was the father of the 1989 Taif Agreement that ended the country's 15-year civil war. He was 85. (AP Photo/Hussein Malla, File)

Share to:

الديار: كمال ذبيان

يطلق على الرئيس حسين الحسيني «ابو الطائف»، والاصح انه «ابو الوفاق الوطني»، وما صدر عن اتفاق الطائف سمي «بوثيقة الوفاق الوطني». والطائف ينسب الى المكان الذي وضعت فيه الوثيقة في السعودية ، وهي نتاج اتفاق النواب اللبنانيين الذين بقوا على قيد الحياة في تلك المرحلة، واخرجت نقاشاتهم ومشاوراتهم الوثيقة التي هي حصيلة لحوارات وبرامج ومذكرات واتفاقات ووثائق، بدأت مع طاولة حوار في السراي الحكومي في شهر ايلول 1975 برئاسة الرئيس المرحوم رشيد كرامي، وظهرت في الوثيقة في مطلع عام 1976 ثم في جنيف ولوزان، عامي 1983 و1984 والاتفاق الثلاثي نهاية عام 1985 ، وصولا الى الطائف في ايلول من العام 1989.

لم يكن الرئيس الحسيني الذي غادرنا الى مثواه الاخير طرفا في الحروب الداخلية، فهو كان من مؤسسي «حركة امل» الى جانب الامام السيد موسى الصدر، الذي رفض الحرب الاهلية، واعتصم في مسجد العاملية في رأس النبع استنكارا لها، وذهب الى بلدة القاع ذات الكثافة السكانية المسيحية يمنع غزوها من المسلحين ، ووضع عمامته درعا لها.

شكل الامام الصدر ظاهرة «غاندية» ترفض العنف بين ابناء الشعب الواحد ورفع شعار «السلاح زينة الرجال» بوجه العدو الاسرائيلي، الذي كان يدخل البلدات والقرى في الجنوب يقتل اهلها ويمنع المزارعين من الوصول الى ارضهم وجني ما زرعوه، فأسس الامام الصدر «افواج المقاومة اللبنانية» (امل) للدفاع عن الارض، بعد ان رفع لواء الدفاع عن المحرومين في كل لبنان.

هذا النهج للامام الصدر هو ما اعتمده الرئيس الحسيني، الذي ترأس «حركة امل» بعد حادثة غياب او تغييب الامام الصدر في ليبيا عام 1978 ، فكان من الداعين الى الحوار بين اللبنانيين والى وقف الاقتتال بينهم، ولم يرغب في ان تكون الحركة اداة في الصراع المذهبي او الطائفي او السياسي الفارغ من المضمون، كما اعترض على ممارسات «الفصائل الفلسطينية» لانها تنحرف عن القضية المركزية الام، وهي تحرير فلسطين ومقاومة العدو الصهيوني وحق العودة.

لذلك خرج الرئيس الحسيني باكرا من المسؤولية في «حركة امل»، بعد ان اراد لها البعض ان تكون في خدمة اهداف غير التي انطلقت منها، فخاضت معارك انظمة ودخلت في قتال زواريب التنظيمات واحزاب لم يرغب الرئيس الحسيني ان يكون عاملا في وظيفة لا يرغبها، فانشغل بالعمل على اخراج لبنان من حربه المدمرة، فخاض حوارات، واسس تجمعات تضم من يشبهه في السعي الى السلم الاهلي وتطوير النظام السياسي ، فمد خطوط تواصل مع البطريرك الماروني نصرالله صفير، ولم ينقطع عن اللقاءات والاتصالات مع كل النواب الذين لبوه بالتوجه الى الطائف، بعد ان مهد الطريق باتصالات مع الفاتيكان وفرنسا واميركا، وتفاهم مع دمشق، وانفتح على مبادرات ايجابية عربية، من جامعة الدول العربية الى السعودية والكويت والجزائر والمغرب وتونس، حيث اثمرت كل هذه المساعي الى صدور اتفاق الطائف، الذي امّنت ظروف نجاحه ازمات وحروب اقليمية ودولية، اخرجت لبنان من ساحة صراع، وبدأت مع الحرب الباردة بين القطبين العالميين اميركا والاتحاد السوفياتي، الذي ادى انهياره، الى اخراج لبنان من حرب المشاريع عليه.

رسم اتفاق الطائف خارطة طريق لعبور لبنان نحو نظام لا طائفي، وهذا ما كان يأمله الرئيس الحسيني، وفي ابرز بنوده قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، والغاء طائفية الوظيفة وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، لكن الخروج عن الطائف، بدأ مع تمكن الميليشيات من السلطة، وهو ما كان يؤكده لي الرئيس الحسيني، الذي كان يتحدث عن تحكم ميليشيا المال والسلطة، بلبنان.

ساهم الرئيس الحسيني، في اثناء ترؤسه لمجلس النواب باصدار قوانين، من ابرزها حماية الذهب، كاحتياط في مصرف لبنان. وبعد اتفاق الطائف، كان لا يزال رئيساً لمجلس النواب، حيث بدأ العمل على تكوين السلطة من خلال قانون انتخاب يعتمد المحافظات الخمس، وانجز ما تمكن من بنود اتفاق الطائف، لكن بعد خروجه من رئاسة مجلس النواب، ثم من مجلس النواب، جرى تعطيل العمل بالبنود الاصلاحية الاخرى. كما كانت له مواقف سلبية، من اداء الرئيس رفيق الحريري الذي كان داعماً لاتفاق الطائف، لانه اوقع نفسه بالمحاصصة، وسار بنهج مالي، حمّل لبنان ديوناً، كان الحسيني معارضاً له.

رحل الرئيس الحسيني، الذي تعرفت عليه في السبعينات واقمت صداقة معه، وكنت اجالسه من وقت الى آخر، مستفيداً من معلوماته وذاكرته التاريخية، كما من سلوكه السياسي، الذي فيه من القيم والمناقب، فكان رجل دولة بكل ما للكلمة من معنى.

وعندما نفتقد رجال الدولة، فان الدولة تنهار، وهذا ما اصاب لبنان.

فهل في وفاة السيد الحسيني تموت اسرار الطائف معه، او تولد مذكراته، لا سيما ما جرى في اتفاق الطائف قبله وبعده، فيتم الكشف عن مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان، تأسست فيه «الجمهورية الثانية»، ولكنها لم تولد، وهي مع كل استحقاق لرئاستها تفتش ليس عمن يرأسها، بل من يدير اسهم الشركة ويوزع الحصص، وتطالب الطوائف بحقوقها.

واخيراً، اتصلت بمكتبه قبل اسابيع طالباً موعداً للقائه، فكان الجواب ان صحته ليست بخير، ثم اتانا الخبر المفجع. 

Exit mobile version