قد لا نغالي إذا قلنا ان مئات آلاف العائلات امست غير قادرة على شراء ثيابا شتوية سميكة تحميها من برد الشتاء.
في العام المنصرم الشتاء كان قاسيا وطويلا في كل أرجاء لبنان حتى في داخل بيروت التي لطالما كنا نقول ان الشتاء فيها ارحم او على الأقل يقتضي الامر بثياب الفرو او الجوخ السميك الذي يقي من موجات الصقيع.
هذه المعالم تغيرت الا انها بطبيعة الحال تبقى ارحم من المناطق البقاعية والشمالية او تلك التي يشتد فيها هطول الامطار وتساقط الثلوج لساعات متواصلة. بالإشارة الى ان بيروت شهدت تساقطا للثلوج في العام المنصرم وقد قيل لا تثق بشمس الشتاء فحرارتها قد لا تعطيك الدفء المطلوب كبديل عن ثياب ثخينة.
وفي البقاع يرتدون “الدشداشة” المصنوعة من صوف الغنم ما يدلّ على ان البرد لا يقتله الا الغليظ من الثياب وحتى المدفأة قد لا تكفي بدون تلك الملابس واليوم غلاء المحروقات ومستلزمات التدفئة ونعني “المدفأة، الحطب، المازوت، والثياب السميكة التي بات يعتبرها البعض حلا للاستعاضة عن كل ما تقدم الا ان حتى هذا الخلَف اضحى غير متوفرا فتكلفته قد تستهلك نحو أكثر من ثلاثة رواتب لشراء ثياب شتوية دافئة.
الأسعار بالدولار
جميع المحلات بضاعتها مسعّرة بالدولار المتحرّك يومياً مرات صعوداً ليقابله مرة هبوطاً طفيفاً، هذا إذا أراد الزبون الدفع بالعملة الوطنية بحسب سعر صرف دولار سوق السوداء اليومي، وحتى المتاجر الالكترونية التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي فهي تضع الأسعار بشكل عشوائي كما انها لا تمتلك إذاعة تجارية للقيام في هكذا عمل رسمي او منظم من قبل جمعية التجار بحسب المناطق.
بالإشارة الى ان العديد من الأشخاص باتوا يعرضون البضاعة على خاصية الستوري او عبر تطبيق الواتس اب الشخصي لهم وهلمّ جر.
ليست طقساً من طقوس الاحتفال
ثياب الشتاء ليست طقسا من طقوس عيد ما بل هي ضرورة، وحاجة ملحّة خاصة إذا كانت لأطفال. الا ان هذا العام أولويات الانفاق انحسرت بالضروريات كالمأكل او المشرب او مستلزمات التدفئة وبات الجميع يعتمد استراتيجية “التسكيج” او الرثي معتمدين على نظام معيشي تقشفي حتى على الأولاد فاليد قصيرة والعين بصيرة.
الجولات التي قمنا بها طالت ثلاث فئات وتناولنا التركيز بطبيعة الحال الثياب الشتوية في كل من الأماكن التالية، البقاع الأوسط “زحلة وبرالياس”، بيروت “فرن الشباك والجميزة وبرج حمود والزلقا” بحسب جولة لـ “الديار” على محلات الألبسة الأسعار خيالية بالمقارنة مع الرواتب المتدنية فكانت على الشكل الآتي:
ثياب الأطفال: بيجاما شتوي بدءا من 30$ والسعر يرتفع بحسب الجودة، المعاطف بدءاً من 55$، أسعار الأحذية الأحذية الشتوية بحسب القالب إذا كانت من الداخل فرو فالأسعار بدءاُ من 120$ ويقول زافي صاحب محلات في برج حمود ان الطلب اليوم على القطعة أي “الفرداوي” بحيث ان الام تأتي لأخذ ما يحتاجه طفلها من بنطال او جاكيت وأشار الى عدم قدرة الزبائن على شراء طقم كامل بسبب انعدام القدرة الشرائية لهم.
ثياب الرجال: المعاطف بدءا من 130$ صعودا، كنزة صوف 40$ بنطال ستوك 70$ وبوط شتوي الأسعار متفاوتة ومتضاربة بين محل وآخر بدءا من 100$ وبحسب الجودة والنوعية وما إذا كان داخله مبطناً بصوف ام لا.
ثياب النساء: المعاطف بدءا من 100$ البناطل 70$ “الجوب او التنورة” 40$ البوط بدءا من 130$ وبعض المحلات حذاء رياضي عادي 300$.
اما الأسعار في المتاجر الالكترونية فبعضها يضع الأسعار بالعملة اللبنانية لكن بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية والمعاطف تبدأ من 4000,000 ل.ل وكنزات الصوف بدءاً من 700000 ل.ل البيجامات بدءا من 1000,000 ل.ل.
محاولات الاهل “نتحمّل المر الى ان يحْلَى”
تسعى مريم جاهدة ان توفّق ما بين ميزانية مدخولها ومتطلبات اطفالها، تقول لـ “الديار” حاولت نبش ثياب الشتوية علّي أجد ما يمكن لأطفالي التسكيج به الا انني ووجدت معاطفهم مهترئة وما سأفعله حاليا هو الرثي لعدم قدرتي على شراء أي ثياب جديدة في ظل الميزانية المحدودة والتي هي اقل من 2000,000 ليرة لبنانية والتي لا تكفي لشيء نحاول الصمود بما تبقّى لنا من عزم وإرادة.
السيدة ميرنا وهي ام لطفلتين تتجه نحو شراء الثياب لطفلتيها عن طريق تمرير احتياجاتهما شهرا بعد آخر، لكيلا تفلس فهي المعيل لعائلتها بعد ان فَقَد زوجها العمل بسبب الازمة الاقتصادية. وتقول أحيانا يتبدّد الامل لدي الا انني لا البث ان اعود واوجّه نفسي ان هذه المرحلة ستمرّ فأنا لا اريد ان اهاجر واربّي بناتي في دولة اجنبية لذا سأتحمل “المر ليحلى” بحسب تعبير ميرنا.
الدولار الجمركي
لوحظ ان معظم المحلات لم تجدد في بضاعتها أي ان الموجود هو عبارة عن موضة السنوات الفائتة بحكم التخزين الذي كان يعمد اليه التجار.
وفي معلومات خاصة لـ “الديار” فإن عدداً منهم عمد الى استيراد الثياب من تركيا وبعض الدول الأوروبية والصين وتم تخزينها عن قصد لسببين:
أولهما: ليتخلصوا من الموضة التي باتت ستوك قديم لديهم بسبب الموجودة في مخازنهم.
ثانيهما: البعض يريد الاستفادة من إقرار وبدأ العمل برفع الدولار الجمركي بهدف زيادة أرباحه لا سيما وأننا على مسافة ليست بعيدة من عيدي الميلاد ورأس السنة.
تكلفة لباس واحد
في عملية حسابية بسيطة فإن تكلفة لباس ولد واحد حوالي الـ 150 دولاراً أي ما يقارب 5,850,000 ل.ل وهو ما يفوق راتبين او ثلاث ويعد مبلغا كبيرا بالإشارة الى ان رواتب شريحة كبيرة من المواطنين لا زالت بالعملة الوطنية وبعضها تحت سقف الـ 2000,000 ل.ل.
الروماتيزم “مرض البرد”
الروماتيزم كلمة مشتقة من روما وهي لاتينية وتعني “الشيء الذي يتحرك ويجري”
ما بين التقشف والتطنيش بهدف التوفير، الواقع يفرض نفسه ولهيب الأسعار قد تجعلنا لا نتجاهل برد الشتاء القارس والذي ينتج عنه امراضاً مزمنة.
عن الروماتيزم وسمّي “مرض البرد” او التهاب المفاصل او “الحمى الروماتيزمية” يقول دكتور محمد أبو هيكل وهو اختصاصي في جراحة العظم والمفاصل لـ “الديار”: “ان الروماتيزم من أبرز امراض فصل الشتاء واجوائه الباردة والتي تزيد من حدة المرض بالإشارة الى ان اعراضه قد تبدأ في سن مبكرة وقد ارجع العلماء ان سبب الإصابة به يعود الى خلل في الجهاز المناعي والتي تتمثل في تورم المفاصل وارتفاع حرارتها وما تجدر الإشارة اليه في هذا السياق ان المصاب به قد يشعر بالوجع عند القيام بأي مجهود”.
ويضيف: “ان اعراض هذا المرض تبدأ بارتفاع درجة حرارة الجسم وقد يرافقه جفاف إضافة الى اعراض أخرى كفقدان الشهية واختلال في شكل المفاصل خاصة في منطقة اليدين والقدمين”.
ويتابع د. أبو هيكل: “إضافة الى علاج المصاب عن طريق طبيب متخصص يجب ان يحافظ المريض على الدفء والابتعاد عن الأماكن الباردة قدر المستطاع”.
ولفت بالقول: “الى ان الفئات الأكثر تأثرا بهذا المرض هم النساء”.
وحتى بعض الأطباء يجدون ان هناك ارتباطاً وثيقاً ما بين برودة الطقس وخطر الإصابة بالأزمات القلبية.
ويكمل: “هناك امراض أخرى سببها التعرض للبرد الشديد منها ما يسمّى “عضة البرد” وهو ناتج عن تعرّض أجزاء من الجسم لدرجات حرارة شديدة البرودة وأكثر الأجزاء تأثرا هي: الرأس، الوجه، اليدان، القدمان، والتي يمكن ان تسبب تلفاً دائما للأنسجة والتي قد تؤدي الى بتر الأطراف زيادة على كل ما تقدم فإن تخثر الدم الموجود في الشرايين يعرّض الانسان أكثر للإصابة بالجلطات والجرحات القلبية بالإضافة الى السكتات الدماغية بالإشارة الى ان امراض القلب تتفاقم مع انخفاض درجات الحرارة ودائما بحسب العلم”.
ويردف: “هناك امراض عسر الهضم ونزلات البرد والتهاب القفص الصدري وظهور امراض جلدية كالأكزيما والوردية والصدفية”.
وما يجدر التحذير منه يقول دكتور أبو هيكل: “ان البرد قد يؤدي الى الموت نتيجة الانخفاض الكبير في درجة الحرارة وهناك اوجاع الظهر والرقبة وسببه تقلص في العضلات والاربطة وتلف الجلد وتتضرر الشعر وأسباب أخرى كثيرة سببها البرد.
مهما صعبت الخيارات او انعدمت يجب الا ننسى ان التقشف او التسكيج قد يؤذي أكثر وما تم توفيره قد نضعه على مستشفى او دواء.