لا تزال المراوحة تتحكّم بالمشهد السياسي اللبناني، ولكن رغم الجمود الذي يسيطر على استحقاق رئاسة الجمهورية، إلا أن المساعي الخارجية ستعود في الأيام المقبلة، حيث تداولت معلومات صحافية أن اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان ستجتمع وتعيد البحث في الملف الرئاسي اللبناني. وفي هذا السياق يتحضّر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لزيارة جديدة إلى بيروت، ومن المرجّح ان تأتي على ضوء اجتماع “الخماسية” المذكور.
وفي هذا السياق، لا يبدو أن الربط بين الملفين الرئاسي والأمني، وتحديداً الحدودي، يصحّ في هذه الحالة. والمهمة التي يقوم بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين تأتي منفصلة تماماً، الامر الذي أعلنه بنفسه، مؤكداً أن جولته تأتي بحثاً عن حل دبلوماسي بين لبنان والكيان الإسرائيلي فقط.
في هذه الأثناء، يعود الوسط السياسي الداخلي لينشغل وإن صح التعبير يتلهّى بالسجالات العقيمة، حيث لم يمرّ موضوع رد الحكومة لثلاثة قوانين بسلام، وقد رافقه هرج ومرج وانقسام في الرأي، بعدما وصفه البعض بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية، في حين أن وجهة نظر ثانية تعتبر بهذا الإجراء تجنباً لإشكال كبير، وربما يفتح الباب، بحسب مصادر مطلعة، أمام إعادة النظر بهذه القوانين على قاعدة التسوية، فمن الممكن في قانون الإيجارات مثلا أن يتم تخفيض نسبة ال8 في المئة من قيمة المأجور الى نسبة معقولة وتمديد الفترة من 4 سنوات الى 6 أو 8 سنوات. والأمر نفسه ينطبق على القانون المتعلق بالمدارس الخاصة والذي لاقى معارضة كبيرة.
من هذه الناحية تجد المصادر مبرراً للحكومة، وان كان من المناسب أن يصار الى إصدار القوانين ومن ثم العمل على تعديلها باقتراحات قوانين تتجنّب حصول أي صدام في الشارع.
الخبير القانوني والدستوري البروفسور سعيد مالك من معارضي رد القوانين، حيث اعتبر في حديث الى جريدة “الأنباء” الالكترونية أن صلاحية الرد محفوظة ولصيقة برئيس الجمهورية، وان إقدام رئيس الحكومة ومجلس الوزراء على ردّ هذه القوانين يُعتبر تعدياً على صلاحيات رئيس الجمهورية كونه حامي الدستور ولقد أقسم اليمين على ذلك، ودوره واضح لجهة هذه الصلاحيات التي لا يمكن أن تُجيَّر لسواه، حتى ولو كان موقع الرئاسة في مرحلة الشغور. وأضاف مالك “عندما يكون هناك قوانين صادرة عن مجلس النواب لا يجوز إلا إصدارها قانوناً وأصولاً ونشراً وبعدها يصار الى الطعن بها او تقديم اقتراحات قوانين من أجل تعديل هذه النصوص”.
وتابع مالك “هذه القوانين ستعود الى مجلس النواب لإعادة درسها والتصويت عليها ويجب البحث في امكانية الطعن أمام مجلس شورى الدولة بالقرار الصادر عن الحكومة برد هذه القوانين. وبحال اعتباره عملاً حكومياً عندها يفقد مجلس الشورى البتّ بالطعن لعدم الاختصاص”، معتبراً أن الأمور انتهت عند هذه النقطة وستعود هذه القوانين الى مجلس النواب وكل ذلك بسبب الشغور الرئاسي.
إلا أن مصادر حكومية مواكبة لجلسة مجلس الوزراء أوضحت في اتصال مع “الأنباء” الالكترونية المبررات التي دفعت بالحكومة الى رد القوانين الثلاثة، لأنها رأت فيها نقطة خلافية لا يمكن للحكومة تحمّل تداعياتها بمعزل عن باقي القوى السياسية. ورأت في عملية رد هذه القوانين فسحة لإعادة درسها من جديد وإضافة التعديلات المطلوبة عليها وخاصة قانون الإيجارات الذي يشكّل نقطة خلافية بامتياز.
أما سياسياً، فرأى النائب السابق علي درويش في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن الحكومة ورئيسها ملتزمون بالدستور، متهماً البعض بتفسير الدستور على مزاجه، معللاً أسباب الرد الى مزيد من الدرس بسبب الاعتراض عليها من قبل الوزراء وخاصة قانون الايجارات الذي شهد اعتراضاً كبيراً في كل لبنان، لافتاً الى أن مسألة انتقال الايجارات من القديم الى الجديد تتطلب دراسة متأنية ولا بد من إعادتها الى مجلس النواب لاضافة التعديلات اللازمة عليها.
وعن الأسباب التي حالت دون إدراج التعيينات العسكرية على جدول الأعمال ومن بينها تعيين رئيس أركان، لفت درويش الى ما أشار اليه وزير الاعلام في هذا الصدد، ومفاده أن الرئيس ميقاتي لم يتسلّم بعد اقتراح وزير الدفاع بهذا الشأن وأن هناك مهلة لذلك تنتهي في الخامس عشر من الجاري ومن المفترض أن يكون وزير الدفاع قد سلّم رئيس الحكومة اقتراحه وبناء عليه يبنى على الشيء مقتضاه، فإذا لم يتم تقديم الاقتراح سيقوم مجلس الوزراء باتخاذ اللازم.
إذاً، ملف التعيينات بانتظار المهلة المذكورة، وسلوك وزير الدفاع، ومن بعدها ستكون الانظار متجهة الى مجلس الوزراء والخيارات التي سيتخذها بهذا الخصوص.