الحكومة ترمي كرة نار حقوق المودعين بمشروع مُقنّع… وتغيب عن أول اجتماع

Share to:

الديار: محمد بلوط

رمت الحكومة أمس، كرة نار مصير الودائع والمودعين الى المجلس النيابي، من خلال اقتراح قانون تبّناه نائبان كواجهة لمشروعها، الذي أعدّ برعاية رئيس حكومة تصريف الاعمال وفريق عمله، ونائبه بالتعاون مع مصرف لبنان وجمعية المصارف.

«اقتراح قانون اطار لاعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان»، هو العنوان العريض الذي بدأت «لجنة المال» والموازنة درسه ، واقتصر النقاش على غياب ممثلي الحكومة، والنائبين اللذين قدما الاقتراح، وهما احمد رستم وجورج بوشكليان، وابداء ملاحظات عامة على الاقتراح الذي يعتبر القانون الاساسي الذي يمس ويتعاطى مع حقوق المودعين، الى جانب تحديد الخسائر المالية في لبنان وتوزيع وتحميل المسؤوليات.

هل هو بصيغته المطروحة امام اللجنة، وهو لحماية الودائع وحقوق المودعين؟ ام لتصفية هذه الحقوق؟ هذا هو السؤال الاساسي الذي تجيب عنه مواد اقتراح القانون الـ 15. وهناك اسئلة اخرى مطروحة ايضا حول العدالة في توزيع الخسائر، ومن يتحمل مسؤولية الوضع الذي وصلنا اليه، ومصير محاسبة الجهات التي تتحمل هذه المسؤولية الكبيرة.

في جلسة «لجنة المال» أمس، لم يباشر النواب مناقشة مواد اقتراح القانون لغياب ممثلي الحكومة، والنائبين اللذين وقعا وقدما الاقتراح المذكور.واجمع المشاركون في الجلسة على وجوب حضور الحكومة. واعلن رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان انه سيتصل بميقاتي لهذه الغاية، وسيحدد موعداً للجلسة المقبلة في غضون أيام.

واتفق النواب على ان اقتراح القانون المقدم، هو في الاصل مشروع الحكومة، وتحديداً مشروع ميقاتي ونائبه وفريق العمل، وانه جرى رميه الى المجلس بواسطة نائبين. لكن النواب اكدوا في الوقت نفسه انهم لن يتهربوا من المسؤولية ولن يتأخروا في مناقشته، واجمعوا في الجلسة وخارجها على الاعلان والتصريح بانهم يأخذون بعين الاعتبار اولا وأخيرا اعادة حقوق المودعين، واعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني.

ووفقا لمصدر بارز في «لجنة المال»، فان هناك سلبيات وافخاخ كثيرة في نص اقتراح القانون، لكن اخطرها ما وصفه ببدعة تقسيم الودائع بين ودائع مؤهلة، اي الودائع بالعملة الاجنبية قبل 17 تشرين الاول 2019، والودائع غير المؤهلة اي تلك التي حوّلت الى عملات اجنبية بعد هذا التاريخ. ويرى المصدر ان هذا افتراء على حقوق المودعين واموال الناس، الذين لا ذنب لهم في ما جرى، ثم انه لماذا تحديد هذا اليوم بالذات؟

والى جانب ذلك، يرى عضو آخر في «لجنة المال» ان هناك شطب اجزاء كبيرة من اموال المودعين، من خلال ما نصت عليه المادة السادسة باعطاء مئة الف دولار من الودائع التي توازي هذا الرقم او تفوقه، وترك المبلغ الآخر في مصير غير واضح لقرار الهيئة المصرفية العليا المختصة باعادة هيكلة المصارف، وصرفه بالليرة اللبنانية على «اساس سعر صيرفة الذي سيصبح سعر السوق عند توحيد أسعار الصرف. لكن في الفقرة التالية تنص المادة نفسها، على انه «يمكن للهيئة المصرفية العليا ان تحدد سقفا ضمن مبلغ اجمالي وسعر يقل عن سعر منصة صيرفة».

ويرى المصدر النيابي، ان هناك التباسا واضحاً في المادة نفسها، مع العلم ان المادة المذكورة تنص ايضا في الختام على «ان تراعي الهيئة في جميع الأحوال، السياسة النقدية التي يقررها المجلس المركزي لمصرف لبنان».

ومن البنود التي ستشهد نقاشا طويلا ايضا بند صندوق استرجاع الودائع وكيفية تمويله، خصوصا انه يحمّل الدولة جزءا مهما من هذا التمويل الى جانب مصرف لبنان والمصارف، ويربطها بمصير الدين العام والمحافظة على النفقات الاجتماعية واتمام برنامج الاصلاح وغيرها، ما يعني ان هناك صعوبات وشروطا تكاد تكون تعجيزية لتأمين الاموال للصندوق المذكور.

ويتطرق اقتراح القانون الى وجوب اجراء تدقيق محاسبي لميزانية مصرف لبنان بمعايير دولية، والى محاسبة مالية، وما يصفه ايضا باتخاذ ما يلزم في سبيل استعادة الاموال المتأتية عن جرائم الفساد، وفقا لقانون استعادة الاموال عن جرائم الفساد. وهذا الامر لم يحصل منذ بدء الازمة وحتى اليوم، الى جانب تعذر او عرقلة التدقيق الجنائي حتى الآن.

صحيح ان هناك ضرورة لدرس واقرار هذا القانون الى جانب القوانين الاخرى لخطة التعافي الشاملة، ومنها قانون «الكابيتال كونترول»، وقانون اعادة هيكلة المصارف الذي اعد اقتراح قانون بشأنه على طريقة اقتراح قانون التوازن المالي.

ويمكن القول، ان جلسة لجنة المال أمس، كانت جلسة تمهيدية للشروع في مناقشة ابرز القوانين المتعلقة بمصير حقوق المودعين، لكن اقراره بطبيعة الحال يحتاج الى نقاش طويل قد يستغرق جلسات مماثلة للتي استهلكها مشروع قانون «الكابيتال كونترول» حتى الآن.

ومع ان الحكومة هي التي أعدت وصاغت القانون المذكور، ورمته الى المجلس بصيغة اقتراح قانون وبايدي نائبين من اعضائه، الا انها لم تحضر في اول جلسة للجنة المال لأسباب غير مبررة، خصوصا أنها هي المسؤولة عن صياغة وتقديم مثل هذه المشاريع الحساسة، وهي التي اظهرت وتظهر على لسان رئيسها ونائبها رغبتها في الاسراع بمناقشة واقرار مثل هذه القوانين المتعلقة بالوضع المالي وبالمصارف والودائع والاصلاحات.

جلسة لجنة المال ومواقف الكتل

اجتمعت «لجنة المال والموازنة» ظهر امس برئاسة رئيسها ابراهيم كنعان ومشاركة عدد كبير من النواب اعضاء اللجنة وخارجها. ولم يحضر الجلسة ممثلون عن الحكومة او النائبان اللذان وقعا على اقتراح قانون التوازن المالي، ما اثار انزعاجا وتساؤلات شديدة عند النواب.

وتقول المعلومات ان عددا كبيرا من النواب تكلموا عن غياب الحكومة وعن القانون بشكل عام، وقدم بعضهم اكثر من مداخلة قصيرة عن الموضوع، دون الدخول في مناقشة مواد اقتراح القانون.

*النائب علي حسن خليل قال: ان هذا الامر يحتاج الى شرح تفاصيل تتعلق بالفجوة المالية، وهناك تفاصيل كثيرة يجب الاطلاع عليها اكانت تتعلق بالمواد او بالارقام وغيرها، مشددا على حقوق المودعين.

النائب جميل السيد سأل عن الحكومة، مقترحاً الاتصال برئيسها للاستفسار ما اذا كانت موافقة على الاقتراح ومضمونه.

النائب بلال عبدالله قال: يجب ان نتابع الجلسة، ولا يجوز التعذر بغياب مقدمي الاقتراح، لان الناس تنتظر اجوبة.

النائب جورج عدوان قال: اليوم هناك بين أيدينا مستند رسمي علني يظهر ما كان يضمر للمودعين ، حيث يتضمن كل شيء الا خطة التعافي.

ورأى النائب راجي السعد ان الاقتراح يناقض العمل التشريعي، وله تأثير كبير في الاقتصاد اللبناني. والحكومة هي المسؤولة عن كل ما يلزم للاضاءة على الخطة ومناقشتها بأدق تفاصيلها.

*ثم سأل عدوان هل ارسل هذا المشروع الى رئيس الجمهورية في أيامه ورفض توقيعه فاستبدل باقتراح قانون؟ فلنسأل الحكومة عن ذلك.

النائب غسان حاصباني قال: انه اول اقتراح قانون يطرح على المجلس من صميم خطة التعافي، فهل هذه نيّة الحكومة؟ وبرأينا ان يتضح ان القانون المذكور ينظر الى الازمة ومأنها ازمة عابرة.

النائب ميشال دويهي طالب بمعرفة المبادىء والخلفيات التي انطلق منها النائبان في اقتراحهما.

النائب غازي زعيتر طالب بحضور مقدمي الاقتراح، معتبرا ان غيابهما كتخلٍ عنه.

النائب فيصل الصايغ رفض رمي المسؤولية على لجنة المال، متسائلا عن كيفية مناقشة مثل هذا الاقتراح في غياب الحكومة ومقدمي الاقتراح.

وقدم النائب علي حسن خليل مداخلة اخرى قال فيها: اليوم نحن في ازمة عميقة على المستوى المالي والنقدي، ومن المفترض ان تأتي الحكومة بمشاريع متكاملة لنبحثها، وان تكون جاهزة لمواكبة النقاش الدقيق لاعادة عجلة الاقتصاد. وكان يجب انجاز مثل هذا القانون والقوانين الاخرى قبل سنتين واكثر.

]واوضح النائب ابراهيم كنعان عن مصرف لبنان انه «طلب رأي المصرف في الاقتراح وتقدمنا بافكار حوله، ولكن ليس لنا علاقة بالتفاصيل، وما لنا علاقة به هو قانون اعادة هيكلية المصارف.

النائب آلان عون شدد على حماية حقوق المودعين وقال: ان الناس تنتظر موقفنا لان هذا الاقتراح يتحدث عن اموال المودعين.

وقال النائب قاسم هاشم: على أهمية هذا الاقتراح، لكن خطورته انه يتعاطى مباشرة مع اموال المودعين، وطرح «صندوق الفرجة» لا يقدم ولا يؤخر. وان مسؤوليتنا هي حماية اموال المودعين، وان نتعاطى بمسؤولية وطنية مع هذا الموضوع، وهذا الاقتراح هو مسودة لمشروع الحكومة ويتكامل مع قانون الكابيتال كونترول.

كنعان

وبعد الجلسة لفت كنعان الى «اننا فوجئنا بغياب ممثل للحكومة ومقدمي الاقتراح، والنقاش لا يجب ان يدور بين النواب فقط بل مع الحكومة واصحاب الاقتراح. وقبل ان ندخل في مسألة الاموال المؤهلة وغير المؤهلة، وفي موضوع المئة ألف دولار، وصندوق استعادة الودائع وتغذيته نريد ان نتكلم مع احد من الحكومة، لذلك كانت مناسبة لعرض كل هذه المسائل ولتحديد موقف لجنة المال والموازنة».

واكد باسم اللجنة «اننا سنتعاطى مع هذه الاقتراحات والاقتراحات الاخرى بأعلى درجات المسؤولية التي تهم المودعين وحقوقهم واعادة الثقة بلبنان، وسنناقش من دون تأخير او تعجيز».

واعلن انه سيتصل برئيس الحكومة لابلاغه موقف اللجنة في هذا الامر، لافتا الى ان اقتراح القانون المذكور «تم اعداده من قبل رئيس الحكومة ونائبه وفريق رئيس الحكومة».

فياض

وقال النائب علي فياض: «ان كل النقاشات خلال الجلسة كانت مقدمات، وان النقاش الجدي المتعلق بالودائع بدأ مع هذا الاقتراح». واكد ان موقف كتلة الوفاء للمقاومة هو انه «لا مساومة في موضوع استعادة حقوق المودعين وتثبيتها، فالمودعون هم الضحية، والمسؤولية تقع على المصارف والمصرف المركزي والدولة بنسب متفاوتة. والمسؤولية يجب ان تطالب الاموال الشخصية لاصحاب المصارف، وليس فقط موازنات المصارف. وقد جرى تهريب هذه الاموال الى الخارج». ودعا الى عدم زج النقاش حول هذا الموضوع بالصراع السياسي في البلد.

عدوان

ورأى النائب جورج عدوان «ان القناع سقط اليوم لممارسة حكومة قضت سنتين بالتمويه، ومحاولة تهريب بعض القوانين التي لا تخدم المصلحة الوطنية، ومحاولة الباسها للمجلس النيابي ورمي الكرة الى ملعبه».

واعتبر «ان خطة الحكومة الحقيقية هي شطب اموال المودعين وعدم تحميل المنظومة التي اوصلتنا الى هذا الوضع المسؤولية. ان خطتهم واضحة وهي تقوم على عدم تحديد المسؤوليات على المصارف ومصرف لبنان والدولة».

معوض

ودعا النائب ميشال معوض الى «حل دستوري عادل وان يتحمل المسؤولية من اوصلنا الى ما وصلنا اليه». واذ ذكر بمطالبته بحل شامل وليس بقوانين متفرقة، وبمناقشة خطة التعافي الشاملة اتهم الحكومة «انه تم التعاطي بمنطق الهندسات السياسية». وشدد على توزيع عادل للمسؤوليات اولا للمسؤولين المجرمين ثم المصارف ثم مصرف لبنان والدولة.

خلاصة

وفي الخلاصة، فان مشروع الحكومة المقنع حول التوازن المالي ومصير اموال المودعين حضر امس بصيغة اقتراح قانون امام «لجنة المال». وسيكون المشوار مع هذا الموضوع طويلا وشاقا، على امل ان تحضر الحكومة الجلسة المقبلة للجنة وتتحمل مسؤولياتها. 

Exit mobile version