لن تنفع محاولات «إحياء العظام وهي رميم» ولن ينفع إلقاء المسؤوليات يمنة ويسرة، ولن تنفع محاولة استثارة العواطف كغبار من أجل تغطية السموات بالقبوات، ولن يصدق أحد أن من قاطع دعوة رئيس الجمهورية للحوار هو المسؤول عن الانهيار الذي نحن فيه منذ أكثر من سنتين.
الكل يدرك أن عوامل الانهيار تراكمت منذ عقود ولا أحد ينكر مسؤولية من سبق العهد الحالي، ولكن من تسلّم السلطة عليه أن يكون مدركاً لهذه التراكمات وأن يكون مدركاً للتحديات، وهو أتى إلى الحكم لا من أجل أن يذكّرنا بما تراكم بل من أجل أن يعالج هذه التراكمات وإلا فلماذا تقبّل هذه المهمة؟
في ممارسة السياسة يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود منذ البداية، ومن لديه فعلاً نية الإصلاح عليه أن يغيّر عدة الشغل التي كانت موجودة في السابق والتي ساهمت في إيصال البلد إلى ما هو عليه، وعليه ألا يعقد تحالفات وتسويات معها ليعود ويتحجج أن عدة الشغل القديمة هذه تعرقله ويبقى في الوقت ذاته مصراً على تقاسم السلطة معها؟
في الحياة السياسية هناك الفشل والنجاح وهناك المبادئ والبيع والشراء ومن يمارس السياسة عليه أن يختار، فإما أن يستمر بائعاً وشارياً في البازار، وإما أن يقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع ويعلن انسحابه من دوامة الخراب هذه لا أن يبقى متمسكاً بمنصب او بسلطة قضت على صورة مشرقة حاول أن يرسمها لأنصاره ولغيرهم من الشعب اللبناني.
التواجد في الحكم بأي منصب يرتّب على صاحب المنصب مسؤوليات لا يمكنه أن يتهرب منها بأي عذر أو بأي حجة، والحكم ليس وجاهة أو وسيلة للإنتقام من الخصوم والتخلي في سبيل ذلك عن كل المبادئ والشعارات والالتزامات، فهذا التوجه وإن أرضى الحلفاء لفترة فهو لن يشكل لديهم عامل ثقة تجاه من يمارسه لأن صاحبه مستعد للإنقلاب على أي كان في اللحظة التي يرى فيها أن مصلحته الشخصية تستلزم ذلك.
هذا المسار السياسي الانحداري يدفع صاحبه الثمن الأغلى في الحياة السياسية فليس أسوأ من أن تبدأ حياتك السياسية مُجلّياً وتنهيها مستجدياً.