يواجه “حزب الله” أزمة مالية متفاقمة مع اقتراب موعد تجديد بدل الإيواء لآلاف العائلات التي تهدّمت منازلها جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة. فبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على توقّف المساعدات التي كانت تُصرف عبر مؤسسة «القرض الحسن»، تتصاعد حالة الغضب الشعبي المتصاعد داخل بيئته، وسط صمت رسمي من قيادة “الحزب” وتبريرات فضفاضة تُرجع التأخير إلى “أسباب تقنية”. لكن الواقع يعكس أزمة أعمق تتعلق بانهيار تدريجي في منظومة التمويل التي كانت العمود الفقري لـ “الحزب” على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
من الإيواء الطارئ إلى الانهيار المالي
بحسب مصادر جنوبية مطلعة، تحدثت إلى «نداء الوطن»، بادر “حزب الله” منذ اندلاع الحرب إلى تقديم الدعم اللازم لإيواء مئات العائلات التي نزحت من القرى الأمامية في الجنوب. وبعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، أطلق “الحزب” المرحلة الثانية من خطته التي تعتمد على توزيع بدل إيواء موَقت على آلاف العائلات التي تهدّمت منازلها، في انتظار بدء عمليات الإعمار التي لم ترَ النور حتى الآن.لكن مع مرور الوقت، طالت المهلة وتأخرت أعمال إعادة الإعمار، لتدخل الأزمة المالية على خط الأزمة الإنسانية، ما أدى إلى عرقلة استمرارية التعويضات التي كانت تشكل شريان حياة للعائلات المتضررة. اللافت أن مؤسسة «القرض الحسن»، المسؤولة عن إدارة الملف المالي، لم تصرف أي دفعة مالية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بحسب ما نُقل للعائلات.
الغضب يتزايد في بيئة “حزب الله”
هذا التوقف في صرف الدفعات المالية لم يؤدِّ فقط إلى معاناة العائلات، بل أثار أيضًا غضبًا متزايدًا داخل بيئة “الحزب”. وتشير المصادر إلى أن التململ بدأ ينتشر داخل البيوت المستأجرة، مع ارتفاع عدد العائلات المهددة بالإخلاء بعد توقف “الحزب” عن تسديد بدل الإيجار. وفي ظل استمرار تجميد الدفع من قبل «القرض الحسن»، تظهر مؤشرات واضحة على عمق الأزمة المالية التي يعانيها “الحزب”.كشف مصدر جنوبي، وهو مقاتل سابق في “حزب الله”، لـ «نداء الوطن»، أن الانكماش المالي لا يقتصر على تقليص الدعم للعائلات، بل طال بنية التنظيم الداخلي أيضًا، حيث تأخر صرف الرواتب والمخصصات للعناصر والقياديين، ما يشكّل مؤشراً خطيراً على تراجع القدرة المالية لـ “حزب الله”.ويشير المصدر إلى أن الأزمة المالية التي تعصف بـ “حزب الله” ليست آنية، بل نتاج تراكمات وضغوط خارجية، في مقدّمها العقوبات الاقتصادية الغربية التي استهدفت إيران، الداعم الرئيسي لـ “الحزب”. وقد أدّت هذه العقوبات، إلى جانب تداعيات حرب الإسناد لغزة والحرب الأخيرة على طهران، إلى إضعاف قدرة إيران على تمويل أذرعها الخارجية، وإغلاق معظم قنوات التحويل المالي إلى حلفائها.
اغتيال إيزيدي: ضربة لشبكة التمويل
أضاف المصدر الجنوبي أن الاغتيالات المتكررة للقادة الإيرانيين، وعلى رأسها مقتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني محمد سعيد إيزيدي، زادت من تعقيد الأزمة، إذ كان إيزيدي المشرف الأساسي على شبكة التحويلات المالية من طهران إلى بيروت.وكان قد زار لبنان قبل اغتياله بيومين، حيث أجرى اجتماعات مع مسؤولي “حزب الله” للاتفاق على آلية تمويل جديدة، إلا أن اغتياله أوقف هذه المحاولات وترك “الحزب” في مأزق مالي غير مسبوق، لا سيّما في ظل الاتفاق غير المعلن بين طهران وواشنطن على وقف الحرب، والذي يتضمّن، في أحد بنوده، التزام إيران بعدم تمويل الميليشيات التابعة لها في المنطقة.
غليان داخلي في بيئة “الحزب” والسخط يبلغ ذروته
وفي هذا السياق، تحدثت المحامية والناشطة السياسية ريتا بولس إلى «نداء الوطن»، مشيرة إلى أن الجمهور الذي طالما وُعِد بالحماية والرعاية من قبل “حزب الله”، يشعر اليوم بأنه تُرك لمصيره، بلا مسكن ولا ضمان اجتماعي. وأضافت أن الضغوط المعيشية المتزايدة تغذّي حالة من السخط الصامت داخل بيئة “الحزب”، وهو ما بدأ ينعكس على المزاج الداخلي في صفوفه .توضح بولس أن الاحتقان الاجتماعي تجاوز قدرة الخطاب الأيديولوجي والقبضة الأمنية على احتوائه. فهناك تصدع داخلي بدأ يظهر، وصورة “الحزب” كقوة راعية تتآكل تدريجياً. وتضيف: “الخوف لا يزال العامل الأساسي في كبت الأصوات، لكن حتى هذا الخوف بدأ يتلاشى أمام قسوة الواقع اليومي”.
تحولات سياسية محتملة في المشهد اللبناني
من الناحية السياسية، ترى بولس أن الأزمة المالية قد تُحدث تحوّلات في المشهد اللبناني، إذ إن تراجع “حزب الله” ماليًا من شأنه أن ينعكس على نفوذه السياسي داخل البيئة الشيعية وعلى الساحة اللبنانية عمومًا. ويعتقد البعض أن أي انهيار اجتماعي في بيئته الحاضنة قد يُضعف قدرته على الحشد والتأثير، ما يفسح المجال أمام المعارضة الشيعية لتوسيع حضورها في هذه الساحة الحسّاسة.
الالتزام الدولي والتعاون الحكومي هما طريق الإنقاذ
أصبح من الضروري على “حزب الله” أن يحوّل وعوده إلى خطوات فعلية وواقعية، عبر الالتزام بالقرارات الدولية، وخصوصًا القرار 1701، وتسليم سلاحه، فضلًا عن التعاون الجاد مع الحكومة اللبنانية لإنجاح ملف إعادة الإعمار المتوقفة. إن الفشل في تحقيق ذلك سيزيد من استياء بيئته ويهدد مستقبله بشكل كبير. والسؤال الملح الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيختار “الحزب” السير في طريق العودة إلى الدولة اللبنانية والتعاون لتنفيذ القرارات الدولية التي تفتح الباب أمام إعادة الإعمار، أم سيستمر في تجاهل الواقع، مما قد يقود إلى انهيار شامل لموقعه؟
طارق أبو زينب – نداء الوطن