نضال العضايلة
بعد معاناة الوطن العربي، وعلى مدار سنتين كاملتين، من تفشي وانتشار فيروس “كوفيد-19″، تتعرض المنطقة العربية لأزمة ترتبط بتعطل سلاسل الإمداد الغذائي، والارتفاع الجنوني للأسعار، على أعتاب شهر رمضان المبارك، الأمر الذي شكل تبعات اقتصادية تختلف من دولة لأخرى.
ومع الإرتفاع الجنوني في أسعار القمح والذرة والشعير ، ظهرت الكثير من المشكلات للدول المستوردة للغذاء مثل مصر ولبنان وتونس وغيرها، وفي هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز الدول العربية المتضررة جراء هذه الأزمة:
لبنان قرر لبنان رسميا منع تصدير لائحة طويلة من السلع الغذائية المصنعة في لبنان، وذلك في إطار محاولات من جانب السلطات اللبنانية لاحتواء تداعيات العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على الأمن الغذائي للبنانيين، في أكثر أوضاعهم المعيشية ترديا. يقول خبراء إن لبنان استورد خلال العام 2020 من أوكرانيا أكثر من 630 ألف طن من القمح، ما يمثل 80 بالمائة من حاجاته الاستهلاكية. رفعت وزارة الاقتصاد والتجارة بالفعل أسعار الخبز، قائلة إن الزيادة مردها الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات عالميا والتي تؤثر مباشرة في سعر الطحين وفي كلفة إنتاج ربطة الخبز، إلى جانب ارتفاع سعر القمح والسكر والزيت في الأسواق العالمية.
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، باتت مصاريف الأسرة اللبنانية لتأمين الغذاء فقط تساوي خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور، في وقت تواصل معدلات التضخم ارتفاعها بالتوازي مع تدهور العملة المحلية. وفي دراسة نشرت مؤخراً، أورد مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أنه “وفقاً لمحاكاة أسعار المواد الغذائية في النصف الأول من تموز/يوليو، فإنّ كلفة الغذاء بالحد الأدنى لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد أصبحت تقدر شهرياً بأكثر من 3,500,000 ليرة لبنانيّة”، وذلك دون احتساب تكاليف المياه والكهرباء والغاز. وارتفعت، أسعار المواد الغذائية الأساسية وحدها بأكثر من 50% في أقل من شهر، بعدما كانت ارتفعت كلفة 10 سلع غذائية أساسية، مثل الخضار والحبوب والألبان ولحم البقر والزيت، أكثر من 700% خلال عامين.
الأردن شهدت الأسواق الأردنية ارتفاع فلكي لأسعار الزيوت النباتية بنسب تراوحت ما بين 20% إلى 38%، بحسب دراسة أعدتها جمعية “حماية المستهلك”، بينما كشف موزع مواد غذائية أن “شركات غذائية تستورد الزيوت النباتية طلبت من مندوبيها عدم توزيع زيت القلي رغم توفره في المستودعات”. وارتفعت أسعار زيوت القلي ارتفعت بشكل كبير جدا إذ قفز سعر عبوة الزيت سعة 18 لترا التي كانت تباع بـ 21 دينارا (29 دولارا) إلى 32 دينارا (45 دولارا) لتقوم وزارة الصناعة والتجارة بتثبيت سقوف سعرية لمادة الزيت. ولم يقتصر ارتفاع الأسعار على الزيوت النباتية، وشمل كذلك الأرز والسكر وحليب البودرة، وقال هشام أبو صفية، موزع مواد في شركة مواد غذائية معروفة: “ارتفع الحليب البودرة من 57 دولارا للكرتونة إلى 67 دولارا، بينما تباع العبوة الواحدة بـ 18 دولارا بينما كانت قبل أيام بـ10 دولارات للمستهلك”. كما ارتفعت الأجبان بنسبة 25%، إلى جانب السكر الذي كان سعره قبل الحرب بأوكرانيا 6.84 دولارات للعبوة سعة 9 كيلو لتصبح بـ7.40 دولارات، كما ارتفعت أسعار البقوليات بنسب مختلفة.
مصر وفي مصر، تم حظر تصدير “الفول الحصى والمدشوش، والعدس، والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، فضلا عن المعكرونة بأنواعها”، وذلك لمدة 3 أشهر، اعتبارا من 11 مارس الجاري. وشهدت الأسعار بالأسواق ارتفاعا كبيرا، حيث زاد سعر طن القمح في السوق المصري نحو ألف جنيه، ليتراوح بين 6 آلاف إلى 6500 جنيها، بينما ارتفع طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه مقابل نحو 8 آلاف جنيه قبيل الأزمة الأوكرانية. وارتفعت أسعار السلع في مصر ما بين 20 -50%، فقد زادت أسعار اللحوم نحو 50 جنيها (3.2 دولار) منذ نهاية فبراير الماضي، بحسب شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة. كما رفعت مخابز العيش السياحي أسعار الخبز بنسبة 50%، فالرغيف الذي يباع بـ50 قرشًا أصبح سعره 75قرشًا، والكبير من جنيه لجنيه ونصف، إذ ارتفع سعر طن الدقيق السياحي من 9 آلاف جنيه (573 دولار) إلى 12 ألف جنيه (764 دولار). وينشغل المصريون بموجة الغلاء في أسعار السلع الغذائية التي تجتاح الأسواق على خلفية أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي دفعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتدخل بتوجيه الحكومة بتسعير الخبز غير المدعوم للمرة الأولى منذ توليه السلطة.
أن ارتفاع الأسعار كان سريعا ومفاجئا، إذ كان مبلغ 1500 جنيه (حوالى 95,4 دولارا) يكفي لشراء قائمة سلع غذائية تكفي لمدة شهر، اليوم لم يعد المبلغ كافيا لشراء حتى نصف القائمة. والأسبوع الماضي، أعلن جهاز الإحصاء المصري ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 10 في المئة لشهر شباط/فبراير، مسجلا النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، مرجعا الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20,1 في المئة، وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.
تونس تعيش العائلات التونسية منذ أسابيع، على وقع فقدان لافت لعدد من المواد الأساسية على غرار الزيت والسكر والأرز والطحين والدقيق، فيما تعزو السلطات السبب إلى ظاهرة الاحتكار بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، أهم بلدين موردين للحبوب والزيوت.
مؤخراً تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لتدافع المواطنين في المساحات التجارية، وحتى في الطرقات ومسارات التوزيع من أجل الحصول على حاجياتهم، فيما أغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب النقص في مادة الدقيق. وتعود أسباب ارتفاع الأسعار السلع التموينية لعدد من العوامل منها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير على السوق العالمية، حيث ارتفعت أسعار الطاقة والحبوب، وخاصة على اقتصاد البلدان الموردة على غرار تونس. وفي السياق ذاته، أعلن المعهد الوطني للإحصاء الحكومي، السبت، أن نسبة التضخم في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بلغت 6،7%، ليتواصل الارتفاع للشهر الرابع على التوالي. وقال المعهد الوطني للإحصاء، في بيان له، إنه سجل تسارعا في نسق ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 7,6%.
وأوضح بيان المعهد أن سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يعود بالأساس إلى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 24,2% وأسعار الدواجن بنسبة 21,5% وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21,7% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 17,9% وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 9,2%.
المغرب بلغت أسعار المواد الغذائية في المغرب أعلى مستوياتها منذ يوليو 2011، وفقا لمؤشر أسعار الغذاء الذي تتبعه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. ولم تغب الأسعار عن تصريحات الحكومة المغربية منذ تنصيبها، حيث تسعى لتبرير الزيادات التي تعرفها بتداعيات الأزمة الصحية التي أثرت بأسعار العديد من المواد الأولية.
وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليزيد من مخاوف الأسر من موجة جديدة لارتفاع الأسعار. وأضحت الأسعار مستحوذة على اهتمامات الأسر في الأشهر الأخيرة، وهو ما تعكسه وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم يتردد البعض فيها بمطالبة رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالرحيل. وفي الأسبوع الماضي حضرت الأسعار بقوة في اجتماع قادة الأغلبية الحكومية حيث طغت على ما سواها من مواضيع، إذ أكد رئيس التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن هناك ضغطاً كبيراً على الموازنة. جاء ذلك في معرض تأكيده أن الحكومة تبذل جهداً كبيراً بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر عبر دعم سلع وخدمات أساسية سجلت أسعارها ارتفاعاً في السوق الدولية.
وأوضح أن الحكومة خصصت دعماً بحدود 1.7 مليار دولار لغاز الطهو، و1.4 مليار دولار لدعم الكهرباء، و60 مليون دولار شهرياً لدعم دقيق القمح اللين، و300 مليون دولار لدعم السكر، في سياق ارتفاع الأسعار في السوق الدولية. واشتد الضغط على الحكومة في الفترة الأخيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، بما كان له من تأثير في أسعار البنزين والسولار. وصرّح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بأن الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي المغرب تظل مرتبطة بالظرفية الدولية الحالية والتوترات الجيوسياسية. وتعاظمت مخاوف الأسر في الفترة الأخيرة في ظل ارتفاع أسعار القمح والدقيق، وتأججت أكثر في سياق متسم بانحباس التساقطات المطرية، بما في ذلك من تداعيات على محاصيل الحبوب في الموسم الحالي.
العراق ومن أوضح الأمثلة القفزة التي شهدها العراق في الأسعار، فقد سجلت الأسواق ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية، من أبرزها زيت الطبخ والحبوب، التي تعدّ أوكرانيا وروسيا مصدرا رئيسا لها. وارتفع ارتفع سعر لتر الزيت إلى أكثر من أربعة آلاف دينار مقابل 2500 دينار قبل الأزمة، في حين أصبح سعر كيس الطحين، 50 كيلوغراما، 50 ألف دينار عراقي بعدما كان أقل من النصف.