لعلها المرة الاولى في تاريخ الجيش اللبناني، الذي تصل فيه الامور الى هذا الدرك من سوء الاوضاع، وتراجع المستوى المعيشي والاقتصادي للعسكريين بمختلف رتبهم، اسوة بزملائهم في باقي الاجهزة الامنية اللبنانية، نتيجة الاوضاع التي وصلت اليها البلاد مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وبعد الادعاءات التي ساقها البعض ذات يوم عن ان سلسلة الرتب والرواتب بجزئها العسكري كان لها حصتها في ما بلغته الحالة.
بعيدا عن هذه الادعاءات والانقسامات، لا يختلف اثنان على ان اوضاع المؤسسات العسكرية والامنية باتت تلامس الخطوط الحمر، في ظل عجز الدولة اللبنانية عن تامين حاجاتها وتمويل متطلباتها من غذاء وطبابة، ما دفع بقياداتها الى البحث عن مصادر بديلة، فكانت جولات القادة على الدول الصديقة طلبا للمساعدة، وفي طليعة هؤلاء العماد جوزاف عون قائد الجيش الذي لم يترك بلدا الا وزاره، متعاليا عن كل الكلام الذي قيل بحقه، كمرشح مستور لرئاسة الجمهورية”، او”هت” الجيش بان قائده “داير عالشحادة”، حيث كان له ردود كافية اسكتت من قام بتلك الحملات.
وفي هذا الاطار كان الهم الاساسي لليرزة تامين مبالغ مالية شهرية تدفع للعسكريين للتعويض ولو جزئيا عن تراجع القيمة الشرائية لمرتباتهم، فضلا عن وضع خطط طوارئ شملت تعزيز قطاع “النقل العسكري”، من جهة، وتأمين المساعدات الغذائية للعسكريين ودعم الطبابة العسكرية، من جهة ثانية، وحتى تامين حصص غذائية بكلف رمزية ترك للعسكريين حرية الخيار بشانها،علما ان ثمنها بلغ حوالى 15% من كلفتها الحقيقية.
في كل الاحوال ، لبى العديد من الدول الصديقة، النداء فكانت طائرات الشحن العسكري تنقل المساعدات الغذائية والطبية التي وزعت على العسكريين، فضلا عن مبلغ “كاش” هدية من الدولة العراقية استخدم بغالبيته لصالح تمويل متطلبات الطبابة العسكرية في ظل ما تراكم نتيجة انتشار فيروس كورونا، وحاليا تجري عملية وضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق مع دولة قطر التي اعلنت عن هبة مالية قدرها 67 مليون دولار لصالح الجيش اللبناني.
غير ان هذه الهبة التي بات من المعروف ان جزءا اساسيا منها سيوزع كمساعدة نقدية شهرية للعسكريين، كان سبقه منذ اشهر قليلة توزيع مبلغ 100 دولار لكل العاملين في الجيش تم تامينه من الاموال الخاصة، بعدما تعثر تامين ذلك من الخارج، في ظل الوعود والمفاوضات المستمرة.
وفي هذا الاطار تكشف المعطيات ان عوائق قانونية تحول دون الحصول على مساعدات مالية “كاش” من بعض الدول بسبب انظمتها وقوانينها، كالولايات المتحدة الاميركية، التي سبق لقائد الجيش ان فاتح المسؤولين فيها من سياسيين وعسكريين خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن بمدى اهمية الحصول على تلك المساعدة للحفاظ على تماسك الجيش وضمان قيامه بالحد الادنى من المهمات الموكلة اليه. وقد علم ان حلا تمت دراسته يقضي بانشاء صندوق تابع للامم المتحدة يتولى هذه العملية وتموله دول صديقة، الا ان هذا الاقتراح الذي يعمل عليه يواجه بعض العقبات نتيجة بعض المحظورات الامنية القانونية، ويجري البحث لتفكيكها.
هذا الوضع العام ، حاول اكثر من جهة متضررة الدخول على خطه وبث الشائعات للنيل من معنويات العسكريين وخلق حالة من التململ والتضعضع في صفوفهم، لاهداف سياسية ما عادت خافية على احد، هدفها النيل من قائد الجيش بوصفه احد اهم المرشحين لرئاسة الجمهورية، وهو الامر الذي ينكره امام جميع سائليه مؤكدا ان همه الاول والاخير تمرير هذه المرحلة بأقل اضرار على صعيد المؤسسة وابقاء الجيش على جهوزيته للقيام بمهامه خلال الفترة المقبلة.
وتكشف مصادر واسعة الاطلاع الى ان عمليات الفرار من المؤسسة العسكرية لا زالت ضمن الحدود المعقولة والمقبولة، علما ان القيادة اتخذت قرارات جريئة على هذا الصعيد، من رفع نسبة الماذونيات، و”التغطية” على عمل العسكريين، دون المس طبعا بالحد الادنى المطلوب لقيام الجيش بمهماته، والتي نجح فيها، وليس اخرها مهمة تأمين سلامة الانتخابات النيابية.