في اقل من أسبوع، ثلاثة اشخاص انهوا حياتهم بسبب الازمة الاقتصادية والاجتماعية والتوتر اليومي، الذي ما انفك يلاحق المواطن في شتى مناحي الحياة، لتصبح الازمات متعددة الابعاد ان كان على صعيد الادوية، او ارتفاع تكلفة الاستشفاء، وأسعار السلع الهستيرية، والمدارس والبطالة ، وجميعها عوامل فجرت الجوانب النفسية، وبثّت الأفكار السوداوية التي زادت من حالات الانتحار.
الانتحار لغوياً، يعني قتل النفس عمدا، والدافع لهذا الفعل يشمل المصابين بالاضطراب العقلي والعصبي. وبحسب الاحصائيات يموت كل عام ما يقرب مليون شخص انتحاراً.
بالتوازي، ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 700 ألف شخص حول العالم يقدمون على فعل الانتحار سنويا، منها 86% تحدث في الدول المتدنية ومتوسطة الدخل.
لبنانيا، الأرقام والإحصاءات اظهرت، ان كل يومين او كل 48 ساعة يقدم شخص على الأقل على الانتحار. ويُذكر ان البيانات متفاوتة من الجهات الرسمية، التي تشيرالى ارتفاع مقلق في نسب الانتحار، واساسه الظروف المعيشية والاجتماعية التي يرزح تحتها اللبنانيون.
يؤكد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين ان الأرقام الجديدة لحالات الانتحار في لبنان خلال الأشهر السبع الأولى من العام 2022، تشير الى ارتفاع ملحوظ نسبته 7.8%، وذلك بتسجيل 83 حالة، وهي تعد نسبة مقلقة مقارنة بعدد سكان لبنان الأصليين.
ان هذه العوامل تزيد من خطر محاولة الاقدام على الانتحار، والاكتئاب يُعدّ الشرارة الرئيسية، الى جانب العديد من المخاطر التي تسهم بذلك منها الاضطراب الثنائي القطب والشيزوفرينيا، واللافت ان الأسلحة النارية أكثر الأدوات شيوعا في انهاء الحياة.
اضطراب الشيزوفرنيا
اضطراب الشيزوفرنيا، هو اضطراب عقلي مزمن وشديد، يؤثر في أسلوب تفكير الشخص وسلوكه وحتى شعوره، والمصابون به يشعرون انهم يسمعون أصواتا غير موجودة. وابعد من ذلك يظنون ان أشخاصا يريدون الحاق الأذى بهم. ويصفه الاختصاصيون بانه نوع من الهذيان، يعني ان المصاب به قد لا يكون قادرا على تمييز أفكاره الخاصة عن تلك التي تحدث في الحقيقة.
“الثنائي القطب”
“الثنائي القطب”، هو كناية عن اختلالات تصيب الدماغ، تحدث تغييرات في مزاج الشخص وطاقته وقدرته على الإنتاجية، وهي حالة من حالات الصحة العقلية، حيث يتأرجح المزاج بين المفرط جدا أي الهوس، والمنخفض أي الاكتئاب، ويعرف أيضا بالاكتئاب “الهوسي”.
تعددت الأسباب والانتحار واحد
ان العوامل الجوهرية التي تقف وراء ارتفاع عدد المنتحرين، هو ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية، بحيث توجد نسبة تفوق 80% هبطت قيمة رواتبهم بالليرة مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وتغير أسلوب حياتهم من الرفاهية المتوسطة الى قعر الهاوية، ما أثر في نفسيتهم ودفع بهم الى غياهب الاضطراب- الاكتئاب ومنه نحو الانتحار.
عامل مهم جدا، ويجب ان يؤخذ على محمل الجد من قبل المعنيين، هو فقدان ادوية الاعصاب من الصيدليات وغلاء سعرها، او بيعها في السوق السوداء، ما دفع شريحة كبيرة مما يتلقون علاجا نفسيا الى توقيفه بشكل مفاجئ، الامر الذي أدى الى مزيد من التدهور النفسي لهؤلاء، بعد توقف الدماغ عن فرز هرمون “الاوكسيتوسين”.
بالتوازي، تؤدي العوامل النفسية والاجتماعية دورا دراماتيكيا بارزا في زيادة اهتياج القلق، وبالتالي الانتحار او محاولات الاقدام عليه مثل: فصام الشخصية، تقلبات الشخصية، وفي حال تعاطي المخدرات، إساءة معاملة الطفولة، وجود عوامل وراثية في العائلة للانتحار او المعاناة من مرض.
الأسباب البيئية
أعباء الحياة المكلفة مثل الازمات المتواليات اقتصاديا، اجتماعيا ومعيشيا، نتج منها 4 حالات انتحار لشباب في الأسبوع الأول من هذا الشهر، كما ان هناك حالة خامسة لمودع لم يستطع الحصول على أمواله وخسر قيمتها في المصرف فأنهى حياته. اما عدد الافراد الذين أقدموا على هذه الخطوة المريعة خلال كانون الثاني 2023، فقد وصل الى 11 شخصا.
القهر يفعل كل شيء
الواقع الاقتصادي الذي يرزح لبنان تحت جمره يضع المواطن في خطر، وتكرار هذا المشهد دليل على وجع الناس، فلا الدولة تعي الشر الذي أوقعت مواطنيها فيه، ولا تعمل على إيجاد مخارج من خلال حلول بناءة ، لتتسع بؤرة جهنم ، ما دفع كل من موسى الشامي وعلي بو حمدان وحسين مروة ليكونوا ضحايا الوضع المعيشي المتأزم والقاسي. هذه العينات تعكس واقع البلد الذي بات يغرق في فقر مدقع والجميع لم يعد لديه ترف الانتظار من اجل إصلاحات واهية . الجميع يعيش في المجهول.
الاختصاصية النفسية والاجتماعية لانا قصقص تقول لـ “الديار”: “الأفكار الانتحارية هي عارض من عوارض الاكتئاب، جراء الانفعال النفسي الذي تتحكم به ظروف اجتماعية واقتصادية ومعيشية، ليظهر على فئة من الأشخاص ومنها الفيزيولوجية والبيولوجية والنفسية، الى جانب الوراثية ، خاصة عندما نتطرق الى موضوع الاكتئاب، حيث تتوارث في معظم الأحيان الاضطرابات النفسية والتي تعتبر عوامل مباشرة”.
اما بالنسبة للأسباب غير المباشرة، فتربطها لانا بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويطلق عليه تسمية “عوامل خطر”، أي ان الشخص يصبح لديه ميولا لاكتساب الاضطراب النفسي، فيشعر انه غير قادر على التعامل مع محيطه الخارجي وداخله، ومستعد لهذا الاهتزاز النفسي لينتج منه تطابقا بكل ما تقدم”.
العوارض
ما هي العوارض؟ تفصّل قصقص هذا الجانب الذي يظهر لدى الشخص من خلال التغير الذي يشمل الطعام والمزاج والعزلة الاجتماعية وتجنب الاختلاط بالآخرين، او القيام بمهمات يومية وحياتية بالشكل الطبيعي المتعارف عليه ويمارسها بأسلوب شاق جدا وبجهد كبير او يبتعد عنها ويتركها بشكل كلي، الامر الذي يؤدي الى اضمحلال القدرة الجسدية والذهنية للقيام بكل ما تقدم، الى جانب مشاعر الإحباط والغضب والحزن العميق، ليصبح الفرد “مخدّراً” عاطفيا، وتسيطر عليه النزعة التشاؤمية والنظرة الضبابية للمستقبل والأفكار الانتحارية، التي تصل به الى منزلق خطر يتجسد بمحاولات انتحار قد تصيب وقد تخيب”.
الأسباب ترتبط بالواقع
تربط قصقص هذه الأسباب بالأوضاع الراهنة التي يعاني منها البلد، وتتطرق الى دراسات في هذا المجال تبين انه عندما تكون الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية متدنية، فان حالات الاكتئاب تتضاعف، وبالتالي يزيد التوجه نحو فعل الانتحار، لان البيئة مهيأة بالوصول الى هذه النتيجة السلبية. وتشير الى الأشخاص الذين لديهم تجاوب للانصهار او المضي به ، كيلا نعمم هذه الحالة، فالوضع مرتبط بالأفراد الأكثر عرضة له، يترجم بدوافع تحفيزية يتبلور باضطراب الاكتئاب”.
تقديم المساعدة
وتنصح الاختصاصية النفسية “بضرورة الانتباه الى لأشخاص المقربين منا في حال ظهور أي من هذه العوارض عليهم، مثلا تغيير في التصرفات، هنا علينا تقديم المساعدة والدعم الى جانب الاستماع دون اصدار الاحكام، وفي حال تعثر الوضع، فان اللجوء لاختصائي نفسي هو أفضل الخيارات، حيث ان الكثير من الحالات تستدعي اعطاء دواء للفرد، حيث لا ينفع مع البعض الكلام والانصات لانه يصبح بلا فائدة”.