ليس مستغرباً أن يخصص الاجتماع السياسي للتيار الوطني الحر القسم الأكبر من مناقشاته لملف الشغور في قيادة الجيش, طالما أنه يعتبر نفسه «المستهدف» من حملة تطاله في السياسة كما قال لوقوفه بوجه التمديد لقائد الجيش الحالي العماد جوزف عون، فهو لا يزال يكرر التأكيد هذا الإجراء غير دستوري وفي الإمكان اللجوء إلى خيارات أخرى.
وجَّه التيار رسالة تحذيرية إلى رئيس الحكومة ومجلس الوزراء مفادها: لا تخالفوا القانون ولا تعتمدوا أي إجراء يضرب الدستور في الصميم كاستبدال صلاحيات الوزير بقرار لرئيس الحكومة وبمجلس الوزراء خاصة بوجود الوزير.
ما ذكره التيار في بيانه يجعل من احتمال وجود خطة لمواجهة أي قرار للتمديد قائما بنسبة كبيرة. ولعل تسلحه بمواد من قانون الدفاع الوطني لجهة أهمية رأي الوزير بموضوع التمديد.جعل من الصعوبة بمكان تقديم أي دراسة قانونية في الحكومة تجيز تمرير تأجيل التسريح. فإذا كان عدم طرح الملف لسبب يتصل بإرساء التهدئة فإن ثمة ما يتجاوز هذا السبب ألا وهو القانون, ولذلك فإن إعداد دراسة من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء يعتبرها التيار باطلة.
بحسب التوقعات فإن الملف لن يُبحث قريباً ورُحِّل إلى بداية الشهر الجاري إلا إذا برز توجه واضح. وفي هذه الأثناء لن يترك التيار البرتقالي الساحة فارغة ولن يتخلى عن خياراته البديلة للفراغ في قيادة الجيش أي تكليف الضابط الأعلى أو التعيين،وربما الخيار الأول يجنبه الدخول في معمعة تتصل بصلاحيات الرئاسة وقبوله التعيين في حين كان يستشرس في الدفاع عن حق رئيس البلاد في أن تكون له كلمة في هذا المجال.
ولوحظ أن هناك ممن أخذ بنصيحة البعض لجهة التوقف عن استنزاف قيادة الجيش, فتراجع بحثه إلا أنه لم يُلغَ، واذا كان لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي مع وفد من كتلة الجمهورية القوية تركز على المحافظة على قيادة الجيش الحالية وعدم المساس بها أي عدم تعيين قائد جديد فإن النائب جبران باسيل بعث برسالة على الأرجح إلى بكركي عبر وفد من التيار عنوانها الجيش خط أحمر لكن من غير المقبول التلاعب به وبقوانينه واقحامه في السياسة.
وفي هذا السياق, تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن ما من علاقة متوترة بين البطريرك الراعي والتيار والدليل على ذلك لقاء صريح عقد بينهما مؤخرا، لكن لا يعني ذلك أن القراءة بين الفريقين واحدة لجهة موضوع التمديد لقائد الجيش فهو بالنسبة إلى التيار مرفوض كليا، وبالنسبة إلى بكركي مرحب به بشكل كبير، وعلى الرغم من ذلك لم يصل الأمر بينهما إلى أية مقاطعة، ويزور رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل البطريرك الماروني عندما يقتضي الأمر, مشيرة إلى أنه في الوقت نفسه تكتل الجمهورية القوية هو الأقرب إلى ما يرغب به الراعي وهذا التقارب يمنح صلابة وقوة لموقف القوات اللبنانية لأنه نابع من رأس الكنيسة المارونية, على أنه ليس بالضرورة أن يكون المقصود من هذا التلاقي تشكيل جبهة للوقوف بوجه التيار ولا بد هنا من فهم إشارات خارجية حول دعم العماد عون.
وتوضح المصادر نفسها أن التيار قد يجد نفسه أمام الإقرار بأنه وحيد في موضوع رفض تأجيل التسريح للعماد جوزف عون, وهو أمام احد الخيارين إما الذهاب إلى النهاية في الموقف أو الإعتراض على أي خطوة تصب في سياق التمديد، ولكن ماذا لو ظفر التيار بطرحه؟
تجيب المصادر: المؤكد أن التعيين الذي يعود إلى الحكومة اتخاذه لن يصدر, اما تكليف ضابط وفق الأقدمية كما هي الحال عليه بالنسبة إلى الأمن العام فليس واضحا لاسيما بالنسبة إلى المعايير، وله محاذير في ما خص الخشية من بلبلة بين صفوف الجيش, وهل يكون رئيس الأركان الذي يعين؟ معتبرة أن هذا الخيار يعتمد على القانون وما ينص في هذا السياق وبالتالي لن يسكت التيار عما يعتبره مسارا تصحيحيا، وكذلك عن مواصلة المعركة ضد قائد الجيش في جميع المبررات التي قدمها.
وتفيد أنه في هذا التوقيت بالذات لاسيما أن التطورات على الجبهة الجنوبية غير مستقرة ليس مستبعدا أن يركن الملف أو يستريح لفترة وجيزة قبل أن يتفاعل مجددا مع قرب إحالة قائد الجيش إلى التقاعد، وهنا ثمة نظريتان إحداهما تدعو إلى الحسم المبكر منذ الآن عبر خيار الجلسة التشريعية أو الحكومة, والأخرى تقول أن الظروف تتطلب تهيئة ويمكن أن يتم ذلك في منتصف الشهر المقبل, أو قبل الدخول في فلك الأعياد، مؤكدة أن هاتين النظريتين قيد البحث فكيف يخرج ارنب الحل, هل من جعبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يميل إلى التمديد للعماد عون وفقا للاجماع الذي لمسه حول دوره في المؤسسة العسكرية في هذا الصدد.
في المحصلة لا بد من أن يتخذ قرار ما في هذا الملف سواء أعجب فريق أو خيب آمال فريق آخر، ففي النهاية هناك مصلحة وطنية عليا ستكون المحرك وستزيل بالتالي التوقيع على هذا القرار, لكن الأمر يحصل في جو غير ملبد أو متشنج.