المدن – منير الربيع
تخبّط لا مثيل له تعيشه إسرائيل حول كيفية التعاطي مع الملف اللبناني، والمواجهة مع حزب الله. سلسلة مواقف وقرارات متضاربة، بين الجهات السياسية والأمنية والعسكرية، لا تسمح لها بتكوين تصور واضح.
تسريبات متناقضة
التخبط الإسرائيلي الذي ينعكس ضعفاً وتردداً، يقابله تردد أميركي، من خلال تمرير مواقف متناقضة بين رفض الحرب وممارسة الضغوط لمنعها، من ناحية، وتمرير تهديدات للبنان حول عدم القدرة على منع الإسرائيليين من شن الحرب، والسعي إلى إنتاج حل ديبلوماسي، من ناحية ثانية. هو تضارب في المواقف ينتج المزيد من الارتياح لدى حزب الله، الذي يعتمد تكتيكات التخويف للإسرائيليين حول قدرته على إذيتهم بشكل كبير، بالإضافة إلى تخويف الأوروبيين والأميركيين بإشعال المنطقة ككل في حال توسيع الصراع.
وأبرز ما يظهر هذا التضارب هو التسريبات المتناقضة بين إشارة أميركية إلى دعم إسرائيل في أي حرب، والتحذير بأن فترة السماح قابلة لأن تنتهي، وبين الكلام عن تفاؤل في قرب الوصول إلى اتفاق ديبلوماسي. وفي هذا السياق، برز ما سربه موقع “أكسيوس” عن أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، غير مهتم بحرب مع حزب الله ويفضل الحل الدبلوماسي. وأشار الموقع إلى أن “الولايات المتحدة تؤكد أنها لن تكون قادرة على كبح جماح إسرائيل إذا استمر الوضع على الحدود في التصاعد”. كما نقل “أكسيوس” عن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين تأكيده أن “حزب الله بحاجة إلى التفاوض بشكل غير مباشر مع إسرائيل بدلاً من تصعيد التوترات”.
معركة ليكودية
حسب ما تشير المعطيات، فقد جرى على الصعيد الأميركي الانتقال من مرحلة الضغط لتحويل مسار المعركة من التصعيد إلى القتال المحدود والموضعي، إلى مرحلة جديدة، وهي محاولة تمرير اتفاق وقف إطلاق النار وإسقاط نتنياهو، كمقدمة لوقف الحرب. وفي ذلك ستكون المعركة ليكودية بامتياز. أي داخل حزب الليكود. إذ تتزايد المساعي الأميركية لإحداث انشقاقات داخل الليكود وإضعاف نتنياهو. وهو ما سيحاول الإسرائيليون استثماره خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إلى واشنطن. وهو على خلاف كبير مع نتنياهو.
المعلومات في أميركا تشير إلى أن البحث يتركز على إنتاج حلّ ديبلوماسي في لبنان ومنع التصعيد، بالإضافة إلى التخطيط لكيفية إسقاط حكومة نتنياهو. على المستوى السياسي، فإن نتنياهو غير قادر على اتخاذ قرار بالدخول في حرب ضد حزب الله ولبنان. بل هو يريد إطالة أمد الواقع القائم مع زيادة وتيرة الضربات. وهذا يفتح باباً من أبواب الاستنزاف الواسع للإسرائيليين، ولن تكون إسرائيل قادرة على تحمله، لا على المستوى العسكري ولا على المستوى السياسي، ولا اقتصادياً واجتماعياً، بالإضافة إلى استمرار تهجير السكان. ما يشكل ضغوطاً شعبية كبيرة، وسط تفاوت لتقديرات مواقف الجمهور بين من يؤيد الحرب وشنها بطريقة خاطفة، ومن يرفضها. فيما الخلاصة أن الجو الشعبي الحقيقي يريد الانتهاء من الواقع القائم وإعادة الاستقرار مع ضمانات، سواء حصل ذلك بعملية عسكرية أم باتفاق ديبلوماسي.
أما على المستوى العسكري، فأيضاً هناك تضارب وتناقض، بين الإعلان عن استكمال الإجراءات لشن عملية عسكرية ضد لبنان، وبين التردد في ذلك، وسط بيانات متتالية يصدرها الجيش الإسرائيلي عن إجرائه مناورات عسكرية تحاكي اجتياحاً للبنان، واتخاذ الوضعية اللازمة لذلك، بينما بعض المصادر الديبلوماسية تقول إنه لا يمكن نقل الجيش الإسرائيلي من غزة إلى جبهة لبنان، وسط ضربات معنوية وعسكرية تلقاها، وفي ظل انقسام سياسي وخلافات مستمرة. فهذا من شأنه إضعاف هذا الجيش.