يبعث الأداء الذي تنطوي عليه الإدارة الداخلية والخارجية لملف قيادة الجيش والتمديد لقائده جوزاف عون، الكثير من المخاوف حول الوضع في المرحلة المقبلة لا سيما إذا ما اقترن ذلك بتطورات الوضع في جنوب لبنان. تشير القوى الخارجية الداعمة للتمديد لقائد الجيش، إلى أهمية الحفاظ على الموقع في ظل المواجهات الحدودية بين حزب الله وقوات الإحتلال الإسرائيلي، وانه لا يمكن ترك الجيش بلا قيادة في هذه الظروف. ما قبل الدخول الدولي على خطّ التمديد، كان هناك جهات متعددة في الداخل تؤيده وتسعى إلى إنجازه. فلم يكن هذا الضغط الخارجي مبرراً، لا سيما أنه في حال فشلت المساعي فإن المعارضين سيعلنون انتصاراً مزدوجاً على القوى الداخلية والإرادة الخارجية معاً، بالإضافة إلى الإنعكاسات السلبية معنوياً وسياسياً وأمنياً.
وقد أصبحت التفسيرات المتناقضة المعطاة لمسألة التمديد أو معارضته لها ارتباطاتها المتعددة، بملف رئاسة الجمهورية، وضع المؤسسة العسكرية، وإعادة الإستقرار إلى جنوب لبنان. كل ذلك يندرج في سياق تفاوض إقليمي دولي للوصول إلى حلول شاملة أو جزئية لهذه الملفات العالقة. والعنوان الأساسي الذي تنطلق منه الدول في طروحاتها هو أهمية تجنب الحرب أو التصعيد العسكري، ولذلك لا بد من البحث عن حل سياسي يثبت الإستقرار، ويطبق القرار 1701 “نظرياً” ويعيد تشكيل السلطة في لبنان.
خياران : تسوية او قلاقل
يطرح ذلك خياران، الأول بسيط وسهل هو القدرة على إنجاز تسوية سياسية شاملة، سيكون الأساس فيها حزب الله مع ما سيعرض عليه من الخارج لقاء عدم الإنخراط في الحرب الواسعة. وهذه لا بد أن يكون لها ثمن سياسي وربما رئاسي.
أما الخيار الثاني، فسيكون قائماً في حال لم يتم الوصول إلى مثل هذه التسوية الكبرى، واستمرار المناوشات في الجنوب على إيقاع غزة، بدون قدرة الغرب على ردع حزب الله عن الإستمرار بعملياته العسكرية ضد مواقع الجيش الإسرائيلي. هنا لا بد من العودة إلى مواقف معلنة لدى الإسرائيليين والأميركيين بأنهم لا يريدون الذهاب إلى حرب مع الحزب وتوسيعها في لبنان. أما بعد مطالبة الأميركيين والإسرائيليين للحزب بعدم الإستمرار في شن العمليات، ورفضه لذلك، فلا بد أن تبحث هذه القوى عن خيار بديل لإلهاء الحزب، وهو قد يكون بافتعال المزيد من المشاكل السياسية وربما الأمنية في المرحلة المقبلة داخلياً، على قاعدة، إذكاء الفتن وإشغال الحزب في معارك داخلية، للضغط عليه وجعل “ظهره” غير آمن في الداخل على قاعدة الانقسامات والرفض لأي نشاط يقوم به.
تهديد “الخيار الثالث”
مثل هذا المسار، إذا ما أضيف على الآلية السيئة لإدارة “معركة” الحفاظ على موقع قيادة الجيش، وحماية المؤسسة العسكرية، سيؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصاً في ظل الكلام عن أنه في حال لجأت الحكومة إلى التمديد لقائد الجيش بدون موافقة وزير الدفاع فإن الوزير سيتخذ قراراً بنفسه يقضي بتكليف الضابط الأعلى رتبة وصاحب الأقدمية للقيادة الجيش وهو ما سيخلق ازدواجية وسيسهم في تشققات كثيرة تطال المؤسسة العسكرية. والأكيد أن ما سينجم عن ذلك هو الكثير من المشاكل الداخلية بمعانيها الأمنية والسياسية، ما سيدفع الحزب إلى التشدد أكثر، وسيقضي مجدداً على فرصة “الخيار الثالث” المطروح دولياً، لصالح التمسك بمرشحه بحثاً عن “حماية للظهر” وعدم الطعن فيه، وفق المعادلة التي رفعها سابقاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.