ينطوي المشهد في لبنان على صورتين: الأولى تجمع حزب الله وحلفاءه بعد زيارة اسماعيل هنية بيروت. والثانية استقبال بيروت اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي تقاطعه كثرة منهم أو تتغيب بأعذار أو بلا أعذار. ومقاطعة وزيري خارجية السعودية والإمارات واضحة، فيما وزيرا خارجية مصر والعراق لم يحضرا بعذر.
الحضور القطري
برزت جولة وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في شطر كبير من المشهد، نظرًا لأهمية الزيارة، التي زامنت استضافة الدوحة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، ونظرًا للقاءات الوزير القطري التي لم تستثن أحدًا في بيروت.
وهناك مصادر تضعها في سياق الاهتمام بالوضع اللبناني، وأوضاع المنطقة كلها، والحاجة إلى تحضير أرضية ملائمة للقمة العربية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن ضمنها البحث في حل قضايا عالقة في المنطقة، منها المعضلتين اللبنانية واليمنية اللتين يشكلان أولوية فيها.
زيارة هنية
أما زيارة اسماعيل هنية التي قابلتها زيارة عزام الأحمد، فتشير إلى رغبة الطرفين في تثبيت حضورهما في لبنان، لما يشهده من تحشيد سياسي ومعنوي مناصر للقضية الفلسطينية، وتحسبًا لما قد يصدر عن زيارة الرئيس الأميركي إلى إسرائيل.
لكن مواقف هنية انطوت على تهديدات وتصعيد، ووضعت لبنان على سكة توحيد جبهات المحور الإيراني وقوى الممانعة. وانطوت أيضًا على تحضير الأرضية للذهاب إلى دمشق. وهذا مؤشر تصعيدي ضد أي محاولة لبنانية لتحسين العلاقات مع الدول العربية.
مواقف إقليمية ودولية
هذه الوقائع والتطورات، تلخص المواقف الإقليمية والدولية من الوضع اللبناني في مجموعة نقاط أساسية:
– الحفاظ على الاستقرار، لا سيما على الجبهة الجنوبية.
– السعي لإنهاء ملف ترسيم الحدود وتوقيع الاتفاق.
– توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ويستتبع بإقرار خطة التعافي المالي ورفع السرية المصرفية.
تهتم الولايات المتحدة الأميركية بالنقاط الأولى والثانية مباشرة. وتهتم فرنسا وأوروبا بالنقطة الثالثة وبنديها. أما العرب فيركزون على ضرورة إنجاز الإصلاحات اقتصاديًا وسياسيًا. وهذا يعني السعي إلى استعادة التوازن على الساحة اللبنانية، من دون غلبة طرف على آخر، ربطًا بتسوية اقليمية ودولية.
يبرز هنا دور قطر لاعبًا مؤثرًا كما حصل سنة 2008، أي في اتفاق الدوحة. وهذه حال قطر في مساعيها لحلّ أزمات كثيرة وتهدئة ساحات مشتعلة، من إفغانستان إلى اليمن. علمًا أن الملف اليمني يحضر في متابعات وزير الخارجية القطري، للوصول إلى حلّ نهائي واتفاق سياسي يتزامن مع زيارة بايدن.
الحكومة والترسيم
في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، لا يبدو أن هناك ثقة دولية وإقليمية تشير إلى سلاسة تشكيلها. ثمة من يعتبر أن لا حاجة لاستنزاف الوقت والجهد والمساعي للضغط في سبيل التشكيل. لأن المطلوب الاتفاق مع صندوق النقد، واقرار خطة التعافي المالي. وهذا يمكن حله بلا حاجة إلى حكومة جديدة. وقد يحتاج إلى تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال في حالات استثنائية.
وملف ترسيم الحدود، يمكن إنجازه أيضًا بلا حاجة إلى تشكيل حكومة، في حال توفرت إرادة صلبة وجادة للوصول إلى حلّ. وتصف مصادر متابعة العرض الإسرائيلي، في معرض الرد على المقترح اللبناني، بأنه مففخ، طالما أن إسرائيل تدعي أن لها حصة في حقل قانا، ومستعدة للتنازل عنها في مقابل حصولها على مبالغ مالية ثمنًا للغاز الذي يستخرج منه.
لكن هناك من يعتبر أن تقديم إسرائيل مثل هذه العروض، يعني أنها تتضمن سعيًا لديها للوصول إلى حلّ، ودخولًا جديًا في التفاوض، ساعية في تحقيق أكبر قدر من المكاسب.
هنا ثمة من يعتبر أن لحظة الاتفاق إذا حانت سياسيًا، يمكن الوصول إلى صيغة ما: تقوم الشركة الدولية التي تعمل على التنقيب والاستخراج من الحقول اللبنانية، بالدفع لإسرائيل، من دون تدخل لبنان. هذا كله يبقى قائمًا طالما الجميع يهتم بتكريس التهدئة والاستقرار، وفي انتظار ما ينجم من تداعيات في المنطقة عن زيارة بايدن.