رمى الثنائي الشيعي رميتين، ستكون تداعياتهما بعيدة المدى، وذات مسارات مفتوحة. الرمية الأولى، هي التأكيد المتكرر على رفض تغيير صيغة النظام، وعدم المس باتفاق الطائف بأي شكل من الأشكال. والرمية الثانية، القفز سريعاً إلى طرح ملف ترسيم الحدود البرية على وقع التوتر الحاصل في الجنوب، على خلفية تشييد حزب الله لخيمتين في تلال كفرشوبا، واعتراضه على الضم الإسرائيلي للجزء الشمالي من بلدة الغجر، وصولاً إلى التلويح باللجوء إلى التصعيد. في بداية التعاطي مع هاتين الرميتين، لا بد من الوقوف أمام نقطة أساسية، وهي أن الثنائي الشيعي يعلن للجميع عن حجم الأوراق التي يمتلكها بالداخل والخارج، ويمكن له استخدامها. في مقابل انعدام أي أوراق لدى الطرف الآخر، باستثناء رفض سليمان فرنجية، أو التلويح بالذهاب إلى تغيير الصيغة.
القطع مع حزب الله
تضج البلاد باقتراحات متعددة حول الواقع القائم في لبنان، ومنها من يريد القطع مع حزب الله. وهذا ما يتعزز داخل البيئة المسيحية. فقد أعلن النائب سامي الجميل مؤخراً عن وجود خطة للذهاب إلى عصيان مدني ودستوري بوجه “دولة حزب الله” وسيطرته على الواقع اللبناني. فيما تبرز مواقف مسيحية أخرى تعارض تمسك الحزب بتبني خيار سليمان فرنجية، ويلجأ هؤلاء إلى الاعتبار بأنه في حال نجح الحزب بإيصال رئيس تيار المردة، فلا بد لهم أن يذهبوا إلى البحث عن صيغة جديدة للنظام القائم، تفادياً للبقاء تحت سيطرة الحزب.
في مواجهة هذه المواقف، خرج حزب الله برسائل تطمينية حيال الطائف، وقد لاقاه رئيس المجلس نبيه برّي. كل ذلك كان رداً على نقطتين أساسيتين. الأولى، تتعلق بمواقف قوى رافضة للحوار على اعتبار أنه سيتحول إلى طرح إعادة النظر بالصيغة والنظام الدستور. والنقطة الثانية، تتعلق بتطمين الخارج وخصوصاً المملكة العربية السعودية، بأن الثنائي الشيعي لا يستهدف الطائف ويريد المحافظة عليه. وهذا ما يدفعه إلى التمسك بخيار سليمان فرنجية.
العودة إلى الترسيم.. فالرئاسة
إلى جانب هذه الورقة التي طرحت على الطاولة، طرح الحزب على الصعيد الداخلي والدولي مسألة ترسيم الحدود البرية، بعد البحرية، علماً أن عملية الترسيم البحري حصلت بشكل أو بآخر مع الحزب الذي كان صاحب اليد العليا في فرض شروط التفاوض. إثارة تلك الورقة حالياً، تتضمن إشارة إلى حجم الأوراق التي يمتلكها الثنائي، خصوصاً أن برّي هو الذي كان قد خاض مفاوضات الترسيم البحرية على مدى أكثر من عشر سنوات. وحزب الله صاحب القوة الفعلية على الأرض في الجنوب، سيكون صاحب القرار الفعلي في عملية الترسيم البرّي التي ستطرح لاحقاً. وهي بحد ذاتها استدراج للأميركيين للدخول إلى البوابة اللبنانية من هذا الملف.
لا يمكن فصل هذه الملفات المطروحة عن سياق الانتخابات الرئاسية، بانتظار زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، بعد زيارة سيجريها قطر حيث سيعقد في العاصمة القطرية الدوحة اجتماع اللجنة الخماسية المكلفة بمتابعة الملف اللبناني. وذلك لتنسيق المواقف، في ظل محاولات لعقد حوار لبناني لبناني سواءً خارج لبنان أم داخله، للبحث في إمكانية الوصول إلى اتفاق رئاسي. اتفاق لا بد له أن يكون شاملاً يتعلق بالرئاسة، ورئاسة الحكومة وآلية تشكيلها وتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي، وقائد للجيش، وفي مواقع أساسية أخرى بالدولة.
هنا لا بد من الإشارة إلى موقف حزب الله الرافض بشكل كامل لأي تعيين قد تتخذه الحكومة. وهو كان على اختلاف مع وجهة نظر رئيس المجلس. هذا يؤشر إلى أن الحزب لا يريد استفزاز المسيحيين، وخصوصاً التيار الوطني الحرّ، لأنه لا يزال يسعى لإقناع باسيل بالسير بخيار فرنجية، على قاعدة تعزيز حضوره بالدولة، عبر ضمانات تتعلق بالحصص في هذه المواقع.