بالإستناد إلى الاختصاصيين في القانون الدولي يُعتبر مفهوم مبدأ التدويل مخرجاً يعتمده العديد من الباحثين في شؤون الأزمات التي يُكلّفون إستشاريًا بوضع حلول لها، خصوصًا في الآونة الأخيرة التي تستعر فيها الحروب شرقًا وغربًا. ويُعد عامل التدويل لأزمة معينة من أهم الركائز لإيجاد حل مُستدام وهو فعليًا وقانونيًا الوسيلة القانونية لتثبيت مركز الدولة وتوضيح نظامها السياسي وكل ما هو متداخل في إقليمها.
عملاً بما ينشره بعض الباحثين عن مبدأ التدويل ومن حيث المبدأ قد تأخذ فكرة التدويل وقتًا طويلاً نظرًا لتشابك العوامل في الدول التي تعاني نظامًا هشًا، وكما أسلفنا يمكن أن ينتج التدويل بناءً على قرار دولي يُتخذ في الأمم المتحدة لمعالجة أزمة مستفحلة.
وللتدويل من حيث المبدأ خارطة طريق من المفترض أن يضعها خبراء في: العلوم السياسية – العلوم العسكرية العلوم الإقتصادية – العلوم المالية، بما ينسجم ووضع البلاد التي يُعالجون أمرها، لكن المهم والأهم أنْ يكون لهؤلاء الخبراء قدرة على التخطيط وقدرة على وضع آلية لتنفيذ خارطة الطريق بالأطر القانونية – الدستورية.
في لبنان قضية التدويل ليست سهلة ولا هي صعبة وعلى الذين سيتولّون مهمّة الإشراف على دراسة وضع كالوضع اللبناني، أن يتداركوا أنهم يتعاطون مع قضية وطن فاقد للسيادة وللشرعية الداخلية والعربية والدولية، وأنهم يتعاطون مع مجموعات سياسية تُعاني من جهل مقومات العمل السياسي وفقًا للأصول، لأنّ صراع المصالح بين هؤلاء السّاسة وأفعالهم لا ترتقي إلى المستوى الذي يجعل منهم أهلاً لممارسة العمل السياسي وهذه حقيقة يجب تداركها قبل كل شيء وإلاّ لا لزوم لأي دراسة أو القيام بأي خطوة…
قانونيًا من أجل إنجاح مبدأ التدويل على المُكلّفين بهذا الأمر التفتيش على من لديهم القدرة على التفاعل مع خارطة الطريق المنوي تطبيقها عمليًا، والذين يتحمّلون كامل المسؤولية في ظل صراع محلي – محلي وإقليمي – إقليمي ودولي – دولي على الساحة اللبنانية. وإنْ لم يُحْسِنْ المُكلّفون والمطالبون بمبدأ التدويل التخطيط الإستراتيجي فسيصلون إلى أزمة شديدة التعقيد وستُدخِل لبنان في أزمة جديدة من الفراغ على مستوى كل الرئاسات، وسيكون الوضع ضحية الفساد وعدم السيادة والضياع الذي لا ينتهي على الإطلاق.
لبنان، وفق منطق البطريركية المارونية ومجموعة من المناضلين الشرفاء برزوا بعد ثورة 17 تشرين، بحاجة إلى تقديم البديل في ممارسة العمل السياسي، والوضع اللبناني على ما يؤشِّرْ بحاجة إلى نقل إدارة الأزمة اللبنانية وبكل ملفاتها المتشعبة من دائرة السياسة التقليدية – الإرتهانية – الإستعلائية – اللاشرعية إلى دائرة خبراء من المجتمع الدولي في المواقع الذي أشرنا إليها سابقًا (سياسة – أمن – إقتصاد – مال)، والهدف إعادة ترميم المجتمع اللبناني بكل تكاوينه بما فيه الحياة السياسية التي هي الأساس لأي نهضة سياسية وتأسيس هيكلية نظام سياسي جديد.
لبنان يمر بمرحلة استثنائية دقيقة وخطرة، حيث هناك غياب تام لأجهزة الدولة والدولة عاجزة عن القيام بأبسط مهامها وسيادتها مُنتقصة وإداراتها في خبر كان والديمقراطية في الجمهورية اللبنانية مُغيّبة إنْ لم نقُل مُفتعل فيها. الفساد يحكم كل إدارات الدولة ومن دون إستثناء، والدولة غائبة عن القرار الرسمي أو بصريح العبارة مُغيبة عن مراكز القرار. فالقرار يُتخذ في الخارج ويُملى تنفيذه على أطراف داخليين لا قدرة لديهم حتى على تسجيل أي ملاحظة.
إستنادًا لعِظة سيّد صرح بكركي الذي أعطيَ له مجد لبنان تاريخيًا، وعلى ما يبدو إستشعر الصرح مبدئيًا أنّ كل منافذ الحلول على المستوى اللبناني قد أُقْفِلَت وحتى الحلول العربية غير متوفرة آنيًا بالرغم من بعض الإشارات التي تطفوا على بعض صفحات الجرائد، وما هي سوى سراب. وهذا الأمر يفتح الباب للمطالبة بالبحث عن حل دولي للأزمة اللبنانية، علمًا أنّ هذين الشرطين ليسا من الأسباب الموجبة لتدويل الأزمة اللبنانية. وعمليًا إذا نظرنا إلى خريطة المنطقة نُلاحظ أنّ مبدأ التدويل يعمّ المنطقة فعليًا والأمثلة كثيرة في هذا الإطار نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الملف النووي الإيراني – التسويات في اليمن – العراق – سوريا – فلسطين… لذلك من الواجب التفتيش عن الأسباب الموجبة لتدويل الأزمة اللبنانية إضافة إلى السببين اللذين ذكرتهما.
سياسيًا، في المنطقة حروب أملَتْ على المجتمع الدولي التحرُك لمعالجتها ولبنان من الدول التي تعاني ويلات الحروب، وإن لم تكُن في هذه المرحلة عسكرية لا بل هو مُعرّض لخطر الأعمال العسكرية بسبب فقدانه لسيادته على أراضيه ولعدم وجود قوى مُسلحة باستطاعتها القيام بمهامها والسبب التقصير السياسي المُمارس من قبل ساسة لبنان، ولبنان يُعاني عدم شرعية الإنتخابات النيابية التي قاطعها حوالى 59% من الناخبين وقوانينه مُغيّبة ونظامه السياسي مُستباح إضافة الى انّ ساسته مأجورون للخارج، وانّ موانئه وحدوده مطوقة ومستباحة وبعضها دُمِّرَ والشعب يُذّل لإخضاعه والنظام المصرفي والإقتصاد في خبر كان، وهوية لبنان على المحك لا بل نظامه السياسي يتهاوى، إضافةً إلى وضع ديمغرافي بلغ الحد الأقصى من الخطورة لناحية وجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، كلها أسباب موجبة للمطالبة بالتدويل.
لم يَعُد مقبولاً السكوت عن تدويل قضايا معينة لا بل التغاضي عن هذا الأمر بات مذلّة، قرافضو التدويل هدفهم الإستفراد بلبنان وهذا أمر لم يَعُدْ مقبولاً. إذاً التدويل بات خيارًا ممكنًا ومتاحًا، وبناء على ما هو عليه الوضع في لبنان وفضلاً عن النهج السياسي القائم والمخالف لأبسط قواعد الديمقراطية يجب تحديد الأولويات الأساسية لتحسين الوضع اللبناني عن طريق تطبيق خارطة طريق إنطلاقًا من اعتماد مبدأ التدويل الذي يرتكز مبدئيًا على:
1 – عقد مؤتمر دولي لمعالجة حثيثة وفعّالة للأزمة اللبنانية.
2 – تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان.
3 – قيام نظام إنتقالي محدد الصلاحية التنفيذية ولمدة زمنية محددة تجرى خلالها بعض الإصلاحات السياسية والمالية، ومنها على سبيل المثال الإنتخابات النيابية من أجل إعادة تكوين سلطة ديمقراطية تحوز على ثقة الشعب والمجتمع الدولي.
فيما يتعلق بالجهة الداعية لـ”التدويل”، عليها وعلينا أن نعطي الأولوية لحل الملف اللبناني فعليًا وعمليًا، علمًا أنّ الظروف قد تكون مؤاتية مرحليًا وعلينا الإستفادة منها خصوصًا بعد إعادة خلط بعض الأوراق في المنطقة. نعم، التدويل أحد مخارج الأزمة اللبنانية إنْ أحسنّا إعداده.