“الديار” أحصت بعض الأضرار التي لحقت بالمنشآت العامة
حيث تغيّرت معالمها بشكل كلّي جراء انفصال الإسفلت عن الأرض
لا يختلف اثنان على ان الشتاء نعمة، لا بل هو رزق بكل ما للكلمة من معنى، كونه يوفر للحياة البيئية حاجاتها من مياه الامطار. وغالبا ما يتفق الناس على حب هذا الفصل المعطاء، الذي يتميز بخيراته الغزيرة التي يخبئها للحصادين والمزارعين، الذين ينتظرون الغيث لري مزروعاتهم، وهو سبب البهجة والسرور والتفاؤل لمحبي الثلج والتزلج، وللمستثمرين الذين يعولون على هذا القطاع من عام الى عام.
بالمقابل، يظن آخرون ان الشتاء نقمة، خاصة بالنسبة للعائلات التي لم تستطع تأمين متطلبات ومستلزمات التدفئة من الوقود والاخشاب والمؤن، لا سيما في المناطق الريفية والقرى النائية حيث يسيطر البرد القارس ويصل الثلج الى أمتار. وهناك من ينتظر هذا الوقت من العام لتُخرج الأرض من باطنها الحشائش والنباتات المجانية دون مقابل، والتي تعتبر غنية بالفيتامينات والعناصر الغذائية ومفيدة للصحة ولذيذة، لا سيما بعد ان ارتفعت أسعار السلع والخضراوات بشكل هستيري.
فصل النعم يتحول الى فصل النقم!
الامطار في كل دول العالم هي مصدر مهم للمياه ومخزون سنوي للزراعة والشرب، الا في لبنان، الامطار اصبحت متصلة بالمصائب والأزمات والخسائر البشرية والمادية، لان الطرقات ببساطة تغرق بقطرة من الماء لا بشبر، والانكى ان البالوعات اما مسدودة بالنفايات والاتربة والاخشاب والاحجار، او تمت ازالتها من قبل مافيا الحديد والخردة، كما ان اعمال الصيانة شبه منعدمة.
الوجع يتكرر!
وفي سياق يتصل بمعاناة اللبنانيين، لم ننسَ العائلة التي توفيت في العام 2022 في منطقة الذوق بسبب الفيضانات والسيول، التي جرفت سيارتها أمتارا ، كما توفي في العام نفسه 4 أطفال جراء سقوط سقف غرفة كانوا بداخلها في منطقة مزيارة، أيضا انهار منذ فترة قصيرة مبنى مؤلف من 5 طبقات في منطقة المنصورية وتوفي 3 اشخاص، وكل ذلك حدث ويحدث بسبب الغش في اعمال البناء والترميم والاساسات المهتزة التي تتصدّع من البرق والرعد.
الى جانب كل ذلك، فاض نهر بيروت بتاريخ 23/12/2023، كما طافت منطقة الكرنتينا، وبالرغم من ان هذا المشهد بات يتكرر سنويا، الا ان الجهات المسؤولة لا تجري الإصلاحات المطلوبة، او على الأقل تقوم بوضع خطة طارئة لمثل هذه الأيام، فعلى العكس لا تصليحات ولا اعمال صيانة ولا من يحزنون، وما كان ينقص المواطن سوى فذلكة المسؤولين البارعين في تقاذف المسؤوليات وإطلاق الوعود الرنانة.
طريق ضهر البيدر ينفَلِق!
وفي الإطار، كشف وزير الصناعة جورج بوشكيان في حديث اعلامي عن وجود تشقق ثالث على طريق ضهر البيدر، وشدد على “أولوية صيانة هذا الطريق بصفته الشريان الحيوي للمنطقة”، مشيرا إلى “أن هذه المشكلة مزمنة، وقد تمت إحالة الملف إلى النيابة العامة”. ووصف الوضع “بالكارثي”، وحذّر من مشكلة الإهمال في صيانة الطرقات. وأوضح “أن الورش التابعة لوزارة الاشغال تمكنت من فتح طريق ترشيش كتحويل موقت في ظل ما يجري”.
المقبل أردأ ولا يبشّر بالخير!
مصدر مسؤول في وزارة النقل والاشغال العامة أوضح لـ “الديار” ان “اجراء الإصلاحات هو من واجب الوزارة المعنية مباشرة بهذا القطاع أي “الاشغال”، لذلك المطلوب من الوزارة القيام بأعمال الصيانة والابتعاد عن الترقيع والتسكيج، ولا اعتقد ان عامل التمويل هو فقط العائق الوحيد حاليا لتنفيذ الوقاية المطلوبة، وانما بسبب الفساد الذي يتغلل في الإدارة العامة، بدءا من المديرين العامين وصولا الى المسؤولين، ومرورا بالمتعهدين وانتهاء بالمشرفين على سير التصليحات، الذين يغضون النظر عن كل التجاوزات التي كانت تجري طوال الأعوام الماضية ولا تزال مستمرة على النحو ذاته. ولذلك تعد طرقات واتوسترادات لبنان هي الاقبح والأكثر خطرا، فإلى جانب تكوّن البحيرات وسط الشوارع، أيضا البؤر الضخمة تلحق الضرر بالمواطنين وتشكل خطورة على مركباتهم، كما وتحصد أرواح المئات”.
التلكؤ كما في شتى القطاعات
وأضاف المصدر ان “البنية التحتية باتت غير صالحة، ويجب إعادة تأهيل كافة الطرقات، والتلكؤ او الإهمال سيلحق الضرر بالسلامة العامة ، ويرى الوزير أن موازنة “الاشغال” في العام 2024 يجب ان تفوق الـ 350 مليون دولار لإعادة هيكلة جميع شوارع لبنان دون استثناء، والا انهارت كون لا قدرة للوزارة على صيانتها”.
وتابع “الانفاق الاستثماري معطّل منذ سنوات طويلة في لبنان، والوزارة أكدت من خلال دراسة أجرتها ان كلفة انشاءات الطرق لـ 6700 كلم تصل الى 3 مليارات و500 مليون دولارا، اما اعمال الصيانة الإلزامية فتقدّر بنسبة 3% من كلفة الانشاء، ما يعني 105 ملايين دولارا سنويا، فيما مشروع موازنة الوزارة للعام الفائت بلغ حوالى 40 مليار”.
وفي هذا السياق كان أوضح الوزير علي حمية في تصريح اعلامي “اننا بحاجة الى حوالى 220 مليون دولار مقسمة الى 105 ملايين للقيام بالصيانة الدورية و120 مليونا لإجراء صيانة وتأهيل الاتوسترادات”.
وبعد صرف مليارات الدولارات على هذا القطاع، يسأل المواطنون عن الإصلاحات التي أجرتها الوزارة المعنية ، وأين وكيف صرفت او هُدرت الأموال المتعلقة بأعمال الترميم؟
مؤتمر “سيدر” بات من الماضي!
وفي هذا الخصوص، أوضحت المهندسة المدنية ريم “ان مؤتمر سيدر حثّ على انجاز إصلاحات عاجلة في المالية العامة للدولة بما يتعلق بجهة الاستثمار في البنى التحتية، وذلك وفق الشروط التي وضعتها الدول والجهات الدولية المانحة والمقرضة”.
وقالت: “ان إعادة تخطيط وبناء الشوارع المتضررة، سواء بسبب العواصف والامطار او بحكم الإهمال، وعدم تنفيذ اعمال الترميم المحددة بشكل دوري تحتاج الى أكثر من 350 مليار دولار، كما تتطلب معاودة رصف وصب الطرق بالإسفلت من جديد”.
وخلال جولة ميدانية، احصت “الديار” أكثر من 20 شارعا مُنشَرِما ومهترئا بشكل كلي والاضرار بالغة: في منطقة الذوق تم قطع الطريق البحرية محلة الذوق، بحيث انفصل الزفت عن باطن الأرض ما أدى الى ظهور حفرة عميقة عمقها حوالى 6 أمتار، والمشهد تكرر على طريق ضهر البيدر، الكرنتينا، جسر جل الديب وانطلياس، وفي الجاهلية والشوف وشتورا بالإضافة الى مناطق لبنانية أخرى.