بعدما استنفدت البنوك مفاعيل الاستنسابية في تطبيق “المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية”، من أجل تجميل ميزانياتها، ها هي تضع نفسها بخانة “ضحية المخاطر النظامية”. المصارف، “وإن أصابت بصعوبة تطبيق قواعد المحاسبة الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعيارين IAS 21 وIAS 29 المتعلقين بتوحيد سعر صرف، والتضخم المفرط”، بحسب رئيس لجنة السياسات المالية والضريبية في “الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين” (ALDIC) نديم ضاهر، فإن “لا شيء يبرر تجاوزها المعيار IFRS9 حتى قبل الأزمة، الذي يوجب عليها أخذ المؤونات اللازمة بالتوازي مع ارتفاع مخاطر الإقراض”.
وفي بيانها التضامني مع المصرفي طارق خليفة رمت كامل المسؤولية على الأوضاع الاقتصادية العامة في البلاد التي هي من مسؤولية الدولة، وأعلنت الإضراب العام مصوّبةً على عدم كفاءة القضاء، من خلال الإشارة إلى أن البتّ بالدعاوى المقامة ضدها تتطلب حدّاً أدنى من الإلمام بقوانين خاصة كالقوانين المصرفية والمحاسبية، وجزمت أن “الاعتماد المصرفي” لم يحقق أرباحاً ليوزّعها على المدعية عليه (ندى أبو سليمان) حاملة الأسهم التفضيلية. وهي القضية التي أدت إلى توقيف رئيس مجلس إدارته قبل إعادة إطلاق سراحه أمس. وبرأي الجمعية أن مفهوم “الرأي المخالف (محاسبياً) لا يعني أن المصرف المعني يحاول إخفاء الأرباح، بل على العكس، لو كان تطبيق معايير المحاسبة الدولية ممكناً، لكانت الخسائر زادت ولم تنقص”. وهذه النقطة تحديداً تحمل جدلاً واسعاً. فبرأي نديم ضاهر إن عدم تطبيق المعايير بغض النظر عن إمكانية ذلك من عدمه، هو حجة مناسبة للمدققين كي لا يعطوا تصوراً واضحاً أو قراءة جازمة لميزانيات المصارف. وعليه من الممكن للمصرف أن يدعي الخسارة فيما هو يحقق الأرباح. ومن الممكن أيضاً أن يدعي الربح وهو في الحقيقة خاسر”. وهذا يعود بحسب ضاهر إلى استراتيجية كل مصرف والقيود التي يعتمدها. من جهة المدققين في المصارف الذين عادة ما يكونون شركات دولية مرموقة، فإن صعوبة تطبيق المعايير تشكل عذراً لهم كي لا يعطوا رأياً عن حسابات البنوك. فهم لا يريدون سحب أنفسهم من مهامهم ولا يريدون توريط أنفسهم.
من المسلم به أن قراءة البيانات المالية أصبحت عملية معقدة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية بسبب تدهور سعر الصرف من جهة وتعدد أسعار الصرف مقابل الدولار من جهة أخرى. وعليه فإن المعيارين IAS 29 وIAS21 اللذين تناولهما بيان جمعية المصارف يحتملان أكثر من تفسير. فالمعيار الثاني يطلب تطبيق سعر الصرف الرسمي في الموازنات أي 1500 ليرة لعمليات البيع والشراء ولا سيما في الشركات التجارية، التي تتحجّج اليوم أن عدم تطبيق هذا المعيار يجعل الحسابات غير سليمة. بالنسبة إلى المصارف فإن عملياتها الاساسية ما زالت تتم بشكل عام على أساس سعر صرف 1500 ليرة أما تسديد الودائع على أسعار الصرف المختلفة فيتحمّلها المصرف المركزي. وفي المواضيع الاخرى اللافت أن البنوك تطلب من الموردين الفوترة بالليرة اللبنانية لعمليات الشراء، فيما تأخذ عمولاتها باللولار وبالدولار للحسابات الفريش. وفي ما خص المعيار IAS29 المتعلق بنفخ الميزانية توازياً مع التضخم فإن تطبيقه بشكل سليم يعوقه بحسب ضاهر عدم تحديد وزارة المالية المؤشر الذي يحتسب على أساسه المضاعف، واستمرار تعدد أسعار الصرف. فيصبح غير قابل للتطبيق في أعمال المحاسبة.
النتيجة، أنه مع توقف المصارف الاثنين والثلاثاء ستتوقف عمليات فتح الاعتمادات للتجار، وتتوقف منصة صيرفة، وستفرغ الصرافات الآلية من النقود؛ هذا إن لم تكن مقفلة أصلاً بخزنات حديدية، ولن يتلقى المواطنون التحويلات من الخارج. وعليه سيقع الاقتصاد ضحية الابتزاز الذي يظهر بالشكل على أنه للدفاع عن الكيدية التي تتعرض لها المصارف، فيما هو بالمضمون فرصة للتعطيل وتخفيض المصاريف آنياً و”هزة عصا” للضغط من أجل فرض شروطها في الخطة المالية المنوي اعتمادها، خصوصاً لجهة التساهل في التدقيق في ميزانياتها في المستقبل القريب، وتخفيف تحميلها الخسائر.