الجمهورية
شهد المشهد الداخلي اخيراً ما يمكن اعتبارها فرصة دولية ثمينة جداً للبنان، تلقي على الشريكين في تأليف الحكومة مسؤولية التقاطها والاستفادة منها، باعتبارها تفتح ثغرة كبرى في افق الازمة.
هذه الفرصة الثمينة يتيحها البنك الدولي، عبر وفده الرفيع المستوى الموجود في لبنان منذ الاسبوع الماضي، وعقد سلسلة اتصالات ولقاءات مع سياسيين ووزراء واقتصاديين ورؤساء لجان نيابية، واستكملها بالامس بلقاء مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.
وعلمت “الجمهورية”، انّ الاتصالات التي اجراها وفد البنك الدولي كانت غاية في الأهمية، وخلصت الى ما يلي:
– أولاً، أكّد وفد البنك الدولي على انّ وضع لبنان اصبح محزناً، وعبّر مسؤول كبير في الوفد بقوله: “اشعر بأسى بالغ على لبنان، انا اعرف هذا البلد، لم أصدق ما رأيت، هل هذا هو لبنان؟! هل هذه هي بيروت التي نعرفها نابضة بالحياة. مؤسف جداً ان تصلوا الى هذا الوضع”.
– ثانياً، “ازاء هذا الوضع الذي يعاني منه لبنان، نحن لن نقبل بأن يسقط لبنان، كما لن نسمح بأن يجوع اللبنانيون. ولسنا نفهم لماذا لا يتمّ تشكيل حكومة. هناك مشاريع جاهزة للتنفيذ نفذوها، وهناك قرض الـ246 مليون دولار، فاستفيدوا منه وعجّلوا به، ونحن حاضرون أن نقدّم اكثر”.
– ثالثاً، قدّم الوفد التهاني للبنان بالنجاح الذي حققه في مجال التلقيح ضد فيروس كورونا. واكّد “انّ لدينا تقديراً عالياً للبنان حول كيفية تعامله مع هذا الامر”.
– رابعاً، عكس ما اكّد عليه وفد البنك الدولي، ان لا حصار على لبنان على الاطلاق. بل على العكس من ذلك، كل المناخ الدولي ومن دون استثناء متعاطف مع لبنان، وتتصدّره الولايات المتحدة الاميركية التي تشجع على تشكيل حكومة، وادارة جو بايدن متعاطفة مع هذا البلد خلافاً لكل ما يُقال. وبالتالي لا وجود لأي عامل ضاغط على لبنان في الملف الحكومي او غيره، بل ثمة استعداد لدى كل المجتمع الدولي لتقديم المساعدات الفورية للبنان، شرط تشكيل حكومة تباشر برنامج انقاذ واصلاحات للبنان.
– خامساً، الأزمة في لبنان بلغت حداً خطيراً جداً، الّا انّ امكانية علاج هذه الازمة ما زال ممكناً، عبر المسارعة الى تشكيل حكومة.
وفي هذا السياق، ينقل مشاركون في لقاء الوفد، انّ مسؤولي البنك الدولي، اكّدوا على ما حرفيته: “ساعدوا انفسكم نساعدكم فوراً”. وكرّر اكثر من مرة قوله ” help yourself”، والخطوة الاولى هي تشكيل الحكومة. لقد اوحوا لنا بكل صراحة بأنّ لبنان غارق في رمال متحرّكة، وانّ البنك الدولي يمدّ يده الى لبنان ليسحبه من هذه الرمال، وليس عليكم في لبنان سوى ان تتلقفوا هذه اليد، اي ان تستجيبوا وتشكّلوا حكومة.
– سادساً، اكّد الوفد على انّ السبب الجوهري للأزمة في لبنان هو مشكلة الكهرباء. وذكّروا بالنصائح التي أُسديت وبالتحذيرات التي سبق ان وجّهها البنك الدولي على مرّ السنوات الماضية، من تفاقم الازمة ما لم يتمّ اصلاح قطاع الكهرباء. وثمة لقاء عقده مسؤولو البنك الدولي في فندق الفينيسيا في بيروت في العام 2012، ووجّهوا خلاله تحذيراً مفاده انّ قطاع الكهرباء إن بقي من دون اصلاح وعلاج سيُفلس لبنان، ومع الاسف لم تتمّ اي معالجة جدّية، والنتيجة يلمسها اللبنانيون اليوم.
والأهم في ما اكّد عليه وفد البنك الدولي، انّه في الماضي قلنا للبنانيين اسرعوا في معالجة قطاع الكهرباء، ونحن على استعداد لكي نوفّر لكم ملياري دولار، واما اليوم فنكرّر هذه الدعوة ونشدّد على انّ على لبنان ان يشرع فوراً في اصلاح قطاع الكهرباء، والبنك الدولي على استعداد لأن يوفّر للبنان 3 مليارات دولار. وطبعاً هذه العملية تتطلب وجود حكومة تضع خطة وتطبّقها، ابتداء من تعيين فوري للهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
يُشار هنا، الى انّ ما اكّد عليه مسؤولو البنك الدولي حيال ملف الكهرباء، كان قد اكّد عليه سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان خلال اجتماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حيث قال ما حرفيته: “انا هنا لا اتحدث فقط بإسمي الشخصي ومن موقعي كسفير للاتحاد الاوروبي، بل اتحدث بإسم مجموعة الدعم الدولية للبنان، واقول انّ المطلوب من لبنان هو ثلاثة امور، الاول، معالجة جذرية لملف الكهرباء، ويجب ان يتمّ ذلك بسرعة، لأنّ هذا الامر سيغرقكم ويفلسكم. والثاني، انجاز قانون الشراء العام. والثالث انجاز قانون استقلالية القضاء”. وعُلم في هذا السياق، انّ رئيس المجلس يعطي اولوية كبرى لإقرار قانون الشراء سريعاً في مجلس النواب، وكذلك الامر بالنسبة الى استقلالية القضاء، الذي سيُطرح بعد ايام قليلة على لجنة الادارة والعدل تمهيداً لاحالته الى الهيئة العامة للمجلس واقراره.