بعد تسع سنوات من الغياب القسري لصناديق الاقتراع، تعود الحياة إلى الاستحقاق الوطني في البقاع، وتحديداً في قضائي البقاع الأوسط والغربي، حيث تُجرى الانتخابات البلدية والاختيارية وسط مشهد انتخابي مشحون، لا يخلو من التململ الشعبي وفقدان الثقة بالطبقة السياسية، وتبدّلات عميقة في المزاج العام للناخبين. اذ لم يكن الأمس يوما عادياً في الروزنامة المحلية. إنه يوم اختبار مزدوج لقوة القوى التقليدية في إعادة تثبيت نفوذها.
معارك انتخابية متأرجحة: زحلة مشتعلة… ورياق باردة!
ففي زحلة، بدا المشهد أقرب إلى «معركة نيابية مصغّرة»، حيث تتصارع لوائح حزبية مدججة بالماكينات والرمزية مع لوائح تغييرية تحاول تحقيق خرق ولو معنوي. وقد شهدت المدينة منذ ساعات الصباح الأولى زخما ملحوظا عند صناديق الاقتراع، حيث توافد الناخبون بكثافة وسط منافسة حامية بين لائحة «قلب زحلة» برئاسة سليم غزالة والمدعومة بشكل أساسي من حزب القوات اللبنانية، وبين لائحة «رؤية وقرار» برئاسة أسعد زغيب، التي تحظى بدعم النائب ميشال ضاهر، حزب الكتائب، حزب الأحرار، والوزير السابق نقولا فتوش، إلى جانب شخصيات سياسية بارزة كسيزار معلوف، واللافت أيضا انضمام ميريام سكاف إلى داعمي هذه اللائحة بعد سقوط التحالف بينها وبين القوات اللبنانية.
في حين اختار التيار الوطني الحر في اللحظات الأخيرة الوقوف على الحياد، تاركا لمناصريه حرية التصويت وفق ما يرونه مناسباً. وقد وصفت مصادر مراقبة المعركة في زحلة بأنها سياسية بامتياز، وشهدت تقلبات حادة حتى الساعة الأخيرة من فتح الصناديق.ويقدّر عدد الناخبين في زحلة بنحو 68,722 ناخبا، حيث بلغت نسبة الاقتراع في انتخابات 2018 حوالي 42%. وتتوزّع التركيبة الطائفية للمدينة بين الكاثوليك، الموارنة، السريان، الأرثوذكس، وأقليات مسيحية أخرى، إضافة إلى نسبة شيعية تُقدّر بـ 12% وسنية بـ 8%.
وأشارت معلومات خاصة لـ«اللواء» إلى أنّ الكتلة الصامتة في زحلة، والمقدّرة بحوالي 5,000 صوت، قد تُحدث مفاجآت وتقلب موازين المعركة السياسية في «عروس البقاع»، خاصة أن هذا الاستحقاق يحمل طابعاً سياسياً وليس إنمائيا.وقد وصل الى «اللواء» صورة وفيديو يبيّنان ان المرشح أسعد زغيب قام بتصرف غير لائق ومهين من خلال حركة قام بها بيده لاستفزاز الزحلاويين.أما مجدل عنجر، فتبقى أسيرة القرار العائلي، رغم تراجع نفوذ تيار المستقبل، فيما تُسجّل مفارقة لافتة: إقبال شبابي على الترشح للمخترة، كمؤشر على محاولة اختراق للنفوذ التقليدي.
رياق وحوش حالا: غياب بلدي وانسحاب جماعي
على عكس الحماوة الانتخابية في زحلة، خيّم الهدوء على المشهد في رياق – حوش حالا، حيث غابت الانتخابات البلدية بفعل انسحاب 16 مرشحا نتيجة خلافات بين الموارنة في رياق الفوقا والكاثوليك في حوش حالا، حول التمثيل الطائفي في المجلس البلدي ويتكون من (8 شيعة و10 مسيحيين). هذا الخلاف أدّى إلى فوز البلدية بالتزكية وتتألف من 15 عضوا شيعيا و3 مسيحيين، وتضم البلدة حوالي 9,000 ناخب.
الفرزل: منافسة عائلية وسط هدوء انتخابي
في بلدة الفرزل، سجّل إقبال جيد منذ الصباح الباكر، ويبلغ عدد الناخبين نحو 4,000. وقد ساد الهدوء في مراكز الاقتراع رغم تذمّر بعض الناخبين من بطء العملية الانتخابية لأسباب لوجستية تتعلق بالحبر والتدقيق. وتتنافس لائحتان: «معاً للفرزل» برئاسة ملحم الغسان وجورج نصر الله، و«لائحة الكرامة» برئاسة غسان هيكل وإيلي شحادة، على أن يتقاسم الفائزون رئاسة البلدية ثلاث سنوات لكل منهما. ويُشار إلى أن المعركة ذات طابع عائلي، وكان هناك احتمال سابق بأن تُحسم الانتخابات بالتزكية. أما على صعيد المخاتير، فقد فاز أربعة بالتزكية: اثنان في الفرزل الفوقا واثنان في التحتا.
معارك متفاوتة في بلدات الوسط
من جهة أخرى، تبدو المنافسة محتدمة في بلدات مثل تربل وقوسايا، حيث تخوض «لائحة تربل أولاً» المدعومة من القوات اللبنانية معركة ضد «لائحة تربل بتجمعنا» المدعومة من التيار الوطني الحر، وسط مشهد انتخابي يغلب عليه الطابع السياسي لا العائلي.أما في بلدات أخرى مثل علي النهري وكفرزبد وعين كفرزبد، فيطغى الطابع العائلي على السباق، مع نسب إقبال مختلفة حسب المناطق.
البقاع الغربي وراشيا: حضور قوي للأحزاب وتبدّلات في المشهد الانتخابي
وشهدت قرى وبلدات البقاع الغربي ذات الغالبية السنية، ولا سيما القرعون، جب جنين، كامد اللوز، الرفيد، بعلول وغزة، مواجهات انتخابية حامية، أظهرت مستوىً عالٍ من التنظيم وفاعلية ماكينات انتخابية لدى الأطراف المتنافسة.في قضاء راشيا، كانت الأنظار متجهة إلى بلدة عين عطا حيث دارت معركة سياسية بين لائحة مدعومة من الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب التقدمي الاشتراكي، في مواجهة لائحة «التغييريين». وقد شهد القضاء تحالفات غير مألوفة، خصوصاً في مركز القضاء – بلدة راشيا – حيث اصطفت القوى التقليدية في صف واحد لمواجهة التغيير.من جهة أخرى، ضمّت لائحة «راشيا أحلى»، المدعومة من الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر والنائب السابق إيلي الفرزلي، 15 مرشحاً من خلفيات مهنية متنوّعة، ما ساعد في تعزيز حضورها. في المقابل، جاءت لائحة «راشيا تستحق» المدعومة من التغييريين منقوصة بعضوين مسيحيين بعد انسحابهما، ما قلّص عدد أعضائها إلى 13.أما تيار المستقبل، فرغم حضوره الشعبي الواسع في قرى راشيا والبقاع الغربي، فقد غاب عن المشهد الانتخابي كمكوّن حزبي ظاهر، واكتفى بدعم مرشحين ولوائح تحت عنوان «مواطنين»، بعيداً عن الاصطفاف السياسي المباشر.وهكذا، اتّسمت هذه الانتخابات بتحوّلات في التموضع السياسي، وتحالفات لافتة بين خصوم الأمس، ما رسم مشهداً انتخابياً جديداً يُنتظر أن ينعكس على النتائج النهائية.ويُقدّر عدد الناخبين في قضاء زحلة بحوالي 178,381 ناخبا، وفي البقاع الغربي نحو 101,202، في ما يبلغ عدد ناخبي قضاء راشيا 46,603.