فشل مجلس النوّاب في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية الخميس الفائت، وجرت الدعوة الى جلسة سادسة لانتخاب الرئيس الخميس المقبل. فأن يفصل أسبوع بين كلّ جلسة وأخرى، إنّما الهدف منه الإفساح في المجال الى المزيد من التشاور بين الكتل النيابية، ولا سيما بين الكتل الكبيرة وبعض الكتل الجديدة والصغيرة التي تتألّف من نائبين أو أربعة أو 13 نائباً، فضلاً عن النوّاب المستقلّين. فالحوار مع هؤلاء النوّاب من شأنه تأمين بين 16 و17 صوتاً إضافياً لأي مرشّح يتنافس على منصب رئاسة الجمهورية.
وتقول مصادر سياسية مطّلعة انّ أيا من الفريقين المتنازعين في مجلس النوّاب غير قادر اليوم، على ما أثبتت الجلسات الإنتخابية الخمس التي شهدها مجلس النوّاب حتى الآن، على تأمين وصول مرشّحه الى رئاسة الجمهورية بمفرده، أي من دون الحوار مع الفريق الآخر لتأمين النصاب القانوني لجلسة الإنتخاب، وهو غالبية ثلثي الأعضاء اي 86 نائباً من أصل 128. أمّا النوّاب التغييريون غير المتفقين على اسم مرشّح واحد، الى جانب النوّاب السنّة والمستقلّين، فيُمكن بالتالي أن يُشكّلوا بيضة القبّان في انتخاب الرئيس الجديد، في حال توافقوا معاً على اسم مرشّح جدّي واحد، بدلاً من تشتيت أصواتهم، على مرشّحين غير جديين، أو على عبارات مثل “لبنان الجديد”، أو “من أجل لبنان” أو سواهما، لا تُفضي الى انتخاب رئيس.
فيما الورقة البيضاء التي يتمسّك بها كلّ من كتلتي “الوفاء للمقاومة”، و”التنمية والتحرير”، فضلاً عن تكتّل “لبنان القوي”، والتي لم يلتزم بها نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب واقترع للوزير السابق زياد بارود الذي لم يعلن ترشيحه حتى الآن، تبقى خيار هذا الفريق، على ما أضافت، كونه لا يريد التسرّع في تسمية مرشّح ما لا توافق عليه من قبل الغالبية النيابية. علماً أنّ بو صعب سمّى بارود للفت النظر أنّه لا يمكن البقاء على سياسة “الورقة البيضاء” طويلاً، إنّما لا بدّ من الذهاب سريعاً الى تسمية اسماء جدّية للرئاسة.
وترى المصادر نفسها أنّ هذا الفريق هو اليوم في مرحلة الانتظار، ما يدلّ على أنّه لن يبدّل موقفه قريباً، ما يجعله يتمسّك بالورقة البيضاء في جلسة الإنتخاب المقبلة، والجلسات اللاحقة، إلّا في حال حصل توافق وتفاهم ما، أي نوع من الخرق مع بعض الكتل النيابية في الفريق الآخر. وتحدّثت عن إمكانية انتظار نتائج دخول الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية على خط التسوية الداخلية، ليس من باب تقاسم الحصص، إنّما التقريب في وجهات النظر، ليُبنى على الشيء مقتضاه. وتجري حالياً مناقشة إمكان المجيء برئيس “تيّار المردة” الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، مقابل تسمية السفير نوّاف سلام كرئيس للحكومة الجديدة.
أمّا الاختلاف القائم حالياً، فيتمحور حول تحديد مواصفات المرشّح لرئاسة الجمهورية، قبل الخلاف على اسم المرشّح للرئاسة، على ما عقّبت، كما على العناوين التي سيُحقّقها في عهده. فالرئيس مدعو، بحسب ورقة أولويات “التيّار الوطني الحرّ” للإستحقاق الرئاسي، الى تحديد مواقفه من القضايا الوطنية بغضّ النظر عن حدود صلاحياته التي نزعها “اتفاق الطائف” من يده، ليضعها في يدّ مجلس الوزراء مجتمعاً. فضلاً عن ضرورة الحفاظ على السيادة وحماية الحدود والحقوق كاملة ووضع استراتيجية دفاعية تكون الدولة المرجع الأساس فيها، والحفاظ على علاقات لبنان مع الخارج وتطويرها، وتحييده عن النزاعات، وتحقيق سريع لعودة آمنة للنازحين السوريين والتمسّك بعودة اللاجئين الفلسطينيين. فضلاً عن التوازن الوطني والشراكة واحترام الميثاقية الوطنية، ووضع خطّة متكاملة للتعافي المالي، وعقد طاولة حوار وطني لتطوير النظام إستناداً الى تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني ومعالجة الثغرات والإختلالات في الدستور، وإقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة، وإلغاء الطائفية وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، وصولاً الى الدولة المدنية.
كلّ هذه العناوين، تُوافق الكتل النيابية على بعض منها، فيما تعترض على بعضها الآخر، على ما أكّدت المصادر عينها، وإلّا لكانت لبّت دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الحوار منذ نحو 8 أشهر لمناقشة بعض منها، ولا سيما الاستراتيجية الدفاعية، واللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وخطّة التعافي الإقتصادي والمالي التي وضعها على جدول أعمال طاولة الحوار. والكتل ذاتها التي رفضت دعوة عون للحوار آنذاك، تواصل اليوم رفضها الى هذه العناوين، رغم أنّها ضرورية وبنّاءة لبناء دولة سيّدة وحرّة ومستقلّة وقادرة على تحسين وضعها الإقتصادي والمالي وإعادة الإزدهار للبلاد.
ولهذا فإن الخلاف الحقيقي بين الكتل النيابية ليس على إسم المرشّح للرئاسة، على ما أوضحت، بل على مواصفات رئيس الجمهورية الجديد، التي يُحدّدها كلّ فريق من وجهة نظره، كما على برنامج عمله أو العناوين العريضة التي سيقوم بتنفيذها في عهده. وهنا الإختلاف الكبير في وجهات النظر لانّ كلّ فريق يطمح الى إيصال رئيس للجمهورية يُنفّذ له سياساته، ووجهة نظره في بناء الدولة.
وأشارت المصادر الى أنّ كلّ فريق يُطالب في الوقت نفسه، بضمانات تحمي وجوده، وتحيّده عن سياسة الإلغاء التي تسعى دول الخارج الى تطبيقها في لبنان، وقد حاولت مرّات عدّة خلال العقود الأخيرة، غير أنّها لم تُفلح في ذلك. وعلى هذه الضمانات أن تُعطى من قبل كلّ فريق الى الفريق الآخر، وإلّا فإنّ انتخاب الرئيس لن يحصل من دون وصول الضوء الأخضر من بعض دول الخارج.