لا تزال تداعيات الاعتداء على دورية من قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، تتقدم على ما عداها من استحقاقات في لبنان. وسط المساعي المستمرة للملمة ذيول الحادثة. إلا أن تداعياتها ستبقى قائمة، وتضيء على جوانب مختلفة من الوقائع اللبنانية. من شأن هذا الاعتداء أن يرفع منسوب الاهتمام بالوضع في البلد، في ظل رهانات لبنانية متعددة على دور دولي موسع، لرعاية مؤتمر خاص بالأزمة اللبنانية، والسعي إلى حلّها. على وقع هذه الحادثة تزايد منسوب الكلام في الداخل، حول استعداد عدد من الدول للدخول في حوارات خاصة بالوصول إلى تسوية في لبنان. ولكن هل ذلك أمر قائم وواقعي؟
في تدويل الأزمة
لا جواب واضحاً حتى الآن، جلّ ما يجري إقليمياً ودولياً هو تواصل مستمر بشأن لبنان. ولكن كل المعلومات تفيد بأن هذه الاتصالات واللقاءات لا تزال في إطار المتابعة واستكشاف الوقائع، ولا يعني الشروع في الإعلان عن مبادرة رسمية ترعاها جهات إقليمية متعددة، تضع اللبنانيين على طاولة فوقها الملف اللبناني بكلية بنوده، من الاستحقاق الرئاسي، إلى تشكيل الحكومة وبرنامجها، بالإضافة إلى ملف الخطة الاقتصادية الإصلاحية، ربطاً بالملف المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وحتماً تكون إمكانية البحث في تطوير النظام أو إيجاد صيغة لتطبيق ما لم يطبق من الطائف مدرجة على جدول الأعمال، بالإضافة إلى الاستراتيجية الدفاعية.
عملياً تتضارب المعطيات اللبنانية حول الكلام عن اهتمام دولي حثيث بالملف اللبناني. فالبعض يعتبر أن ظروف عقد المؤتمر الدولي أو تدويل الأزمة مسألة ناضجة، وهي تحتاج إلى بعض الوقت لتتبلور وللإعلان عن موعد هذا الحوار. في المقابل، هناك جهات لبنانية أخرى تنفي هذا الأمر، وتشير إلى أن لا اهتمام دولياً مباشراً بلبنان، خصوصاً أن هذا البلد ليس في أولوية الاهتمامات الخارجية، في ظل كل الملفات الداهمة على الصعيد العالمي.
تعبئة الوقت والفراغ
بناء على هاتين النظرتين المتناقضتين، تتوسع التحليلات والسيناريوهات المتداولة، وهي جزء من عملية تعبئة الوقت والفراغ. ويعمل اللبنانيون على تجميع عدد من الأحداث والتطورات، لوضعها في سياق يظهر وكأنه متكامل يصب في اتجاه واحد، وهو العمل الخارجي لحل الأزمة الداخلية. فبعضهم يضع التحرك الفرنسي السعودي والذي أدى في النهاية إلى استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالإضافة إلى اجتماع اللجنة الفرنسية السعودية المشتركة لبحث الملف اللبناني، وربطاً بزيارات بعض المسؤولين اللبنانيين إلى دولة قطر، وما يشير إليه بعض اللبنانيين إلى استعداد دولة قطر للسعي إلى إنضاج تسوية لبنانية. لا تتوقف السيناريوهات عند هذا الحد، إنما ثمة من يربط حادثة الاعتداء على اليونفيل في سياق استدراج واقعي للاهتمام الخارجي من هذه البوابة أيضاً. وهناك من يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، بالقول إن ما جرى قد يحفز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على زيارة الجنود الفرنسيين العاملين في الجنوب، بينما آخرون يعتبرون العكس، وأن ما جرى قد يكون رسالة سلبية إلى ماكرون والفرنسيين.
من المرجح أن تتكاثر مثل هذه التحليلات والسيناريوهات على وقع استمرار محاولات تلمس الوضع، ومعرفة كيفية التحرك في فترة لاحقة، بناء على آلية تسمح بالخروج من المأزق السياسي. هذا الكلام يدفع بعض المسؤولين إلى التعليق على كل ما يجري بالقول إن أمام لبنان دفتر شروط واضحاً، يتمثل بالورقة الكويتية، والتي تم تسليمها إلى الدولة اللبنانية قبل أشهر. وهي التي تشكل مدخلاً جدياً وحقيقياً للخروج من الأزمة والاستحواذ على الاهتمامين العربي والدولي. وهذا يعني أن النظرة العربية والخليجية للتدخل أكثر في لبنان وتقديم المساعدة، تفترض أن ينطلق البحث الجدي في هذه الورقة بناء على تنسيق بين مختلف دول الخليج والدول العربية المهتمة.