مدح الشاعر الكبير محمود درويش في مقطع من قصيدته أوراق الزيتون قائلا: “لو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا”. يتزامن موسم الزيتون هذا العام مع عملية “طوفان الأقصى” في غزة التي أدت الى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل متسارع على الحدود الجنوبية اللبنانية. فطغى طنين الصواريخ وأزيز القذائف الفسفورية على أصوات حبات الزيتون التي يقوم المزارعون بقطفها يدويا والقائها على الارض ومن ثم تجميعها وتعبئتها في سلال او أكياس تمهيدا لنقلها الى الأسواق او المعاصر. إشارة الى ان الإنتاج لم يكن على قدر طموحات المزارعين هذا العام وذلك بسبب عوامل التغير المناخي وكمية الامطار المتساقطة التي تلعب دورا أساسيا في سقي الزيتون أكثر ليتمكن الفلاحون من قطافه.
ويبدأ جني المحصول في أواسط شهر تشرين الأولى واوائل تشرين الثاني ويعول أصحاب الأراضي على هذه الغلّة سنويا كونها تمثل مصدر رزق لهم ويعتبر الزيتون الوطني من بين اجود الأنواع في العالم حيث يتمايز بنكهته الغنية وعناصره الغذائية الصحية المفيدة لجسم الانسان.
محليا، يؤمن هذا الموسم فرص عمل للعديد من المواطنين وحتى للنازحين السوريين، ويشكل مردودا ممتازا على الاقتصاد اللبناني ومصدر مهم لزيادة الصادرات منه الى مختلف دول العالم. الى جانب كل ما تقدم يدخل في الصناعات اللبنانية مثل الصابون البلدي ومساحيق التجميل ومواد العناية بالبشرة. ومؤخرا ذاع استخدام “جفت الزيتون” وهو كناية عن بقايا النسيج النباتي وانوية ثمار الزيتون الصلبة في التدفئة خلال موسم الشتاء؛ ويعتبر تدويرا لهذه المادة بدلا من رميها، ووسيلة آمنة متدنية السعر مقارنة بأسعار المازوت والحطب التي أصبحت مرتفعة جدا في الآونة الاخيرة.
“إسرائيل” تحرق الاف الهيكتارات
في سياق متصل، قال وزير الزراعة عباس الحاج حسن لـ “الديار”، “بداية كل الإدانة للاعتداءات الإسرائيلية الصهيونية الهمجية التي تطال أهلنا في قطاع غزة وتقتل الأطفال والابرياء. اما فيما خص الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان فالجميع يعلم ان “إسرائيل” تستخدم الأسلحة المحرمة دوليا مثل الفوسفور الأبيض لتحرق أكبر كمية ممكنة من الهيكتارات المزروعة بأشجار الزيتون وغيرها من الأشجار المثمرة وأيضا الاف الهيكتارات الحرجية. أضاف، “حتى اللحظة التي اتحدث فيها معكم، ما لا يقل عن 40 ألف شجرة معمرة قضي عليها بالكامل جراء الانتهاكات الغاشمة. وهذا الزيتون مزروع في ارضنا وهو ضمن حدودنا و”إسرائيل” تعتدي بكل ما اوتيت من قوة وتقوم بعملية حرق ممنهجة لكل هذه المحاصيل والأشجار”.
وتابع، “اما فيما يتعلق بعدم إمكانية المواطنين والمزارعين واهلنا سواء في كفرشوبا وكل المناطق الحدودية، فتحية لهم ولصمودهم ولصلابتهم وهذا الامر ليس غريبا عنهم وهم لطالما وقفوا منذ 40 عاما بوجه إسرائيل وصمدوا ومجرد بقائهم في تلك الأرض كان عملا مقاوما بامتياز؛ فكان لشجرة الزيتون والتبغ المفصل والفيصل الأساسي في انتصارنا على إسرائيل من خلال العمل المقاوم الشعبي والوطني وصولا الى المقاومة اليوم التي تقف بالمرصاد للعدو”.
واستكمل، “نعم لن يتمكنوا من قطف الزيتون لأنه هناك تهديد لأرواحهم وارواح المدنيين وارواحنا جميعا من قبل قوات الاحتلال. لذلك ستتقدم وزارة الزراعة بشكوى لدى المنظمات الدولية المختصة في هذا الإطار وذلك بعد ان نجري إحصاء كاملا ودقيقا. وسنعكف على اجراء مسح للأضرار وإلزام أنفسنا على ان يكون هناك تعويضات على أهلنا في هذه المناطق”.
تدابير وخطة
اما بالنسبة للتدابير فأوضح قائلا: “وضعنا خطة مرحلية تواكب تطور الميدان ان كان في الإدارة العامة او الإقليم او المحافظات او في المراكز الزراعية، فيما يتعلق بموضوع الامن الغذائي وكيفية التعاطي وشراء المحاصيل اليوم من الداخل اللبناني لأنه قد يكون هناك عملية اضرار وضرر من قبل “إسرائيل” في موانئنا ومرافئنا ونحن نضع السيناريو الأسوأ ونتمنى الا يحدث ذلك. وحضّ العالم الى لجم “إسرائيل” على الا تتورط وتقوم بمغامرة ضد الأراضي اللبنانية لان كل لبنان يقف الى جانب مقاومته وشعبه في حقنا المقدس بالدفاع عن ارضنا برا وبحرا وجوا”.
وقال: “ادعوا أهلنا وفلاحينا ومزارعينا لأخذ الحيطة والحذر لان هذا العدو لا يعرف أي قانون او منطق او إنسانية وليس لديه وجدان وبالتالي نحن أولا وأخيرا في خدمة الانسان، وعلى الاخير ان يحافظ على روحه ونفسه التي هي أغلي ما يمكن ان يقدمه في سبيل الوطن عندما تدعو الحاجة”. وختم الحاج حسن مؤكدا على ان “ما يحدث اليوم هو اعتداء غاشم، وفي حال اعتدت إسرائيل علينا فسيكون الرد موجعا ونتوجه الى العالم اجمع ليكون هناك وقفة ضمير لإنهاء حمام الدم في قطاع غزة”.
صرخة بلا صدى!
في شأن متصل، اوضح رئيس بلدية كفرشوبا قاسم القادري لـ “الديار”: “ان كفرشوبا تضم 3 تجمعات هي: كفرشوبا الام ومزرعة حلتا “حارتين” ووادي خنسا، حيث يوجد حوالي 85 ألف شجرة زيتون موزعة بين خراج البلدة ومحيطها وفي حلتا ووادي خنسا؛ مشيرا الى ان التوتر الأمني في حلتا أخف مقارنة بما يحدث في كفرشوبا وجوارها. لافتا، الى ان المساحة الممتدة من كفرشوبا وحتى أعالي حلتا تضم حوالي 10 الاف شجرة”.
وناشد الجهات المعنية، “تأمين الهدوء في بقعة جغرافية محددة ليتمكن المزارعون من قطف الزيتون على ان يكون ذلك بمواكبة الجيش وقوات اليونيفيل لان اغلبية المواطنين يعتمدون اقتصاديا على هذا الموسم من خلال بيعه ليشتروا حاجاتهم الأساسية والضرورية الأخرى في ظل هذه الظروف المادية القاهرة. مشيرا الى ان المشكلة تكمن في الحصول على ضمانات من جانب “إسرائيل” بعدم التعرض للمزارعين اثناء قيامهم بعملهم وقوات اليونيفيل على استعداد للقيام بدوريات لتكون بجانبهم وعلى مقربة منهم”.
وأشار الى، “ان الدولة غائبة كليا عن المتابعة أو إيجاد الحلول الفعلية فبلدة كفرشوبا بلا مياه منذ أكثر من أسبوع تقريبا كما ان شركة الكهرباء في حاصبيا رفضت اصلاح خط الخدمات الذي يغذي البلدة من بئر حلتا بحجة الأوضاع الأمنية الحالية. وقال: “اتصلت شخصيا بالطوارئ الا ان خدمة الطوارئ خارجة عن العمل في الحالات الطارئة بحيث رفضوا المجيء لإصلاح الخط وكنت قد عرضت عليهم الذهاب معهم وتأمين مواكبة من الجيش لكن لم يتجاوبوا”.