الانشغال المحلي بالاستحقاق النيابي يقابله انشغال بالاستحقاق الرئاسي في بعض السفارات العربية والغربية في بيروت حيث بدات نقاشات جدية حيال كيفية مقاربة هوية الرئيس الجديد الذي تصر السعودية ان لا يكون تكرارا لتجربة ميشال عون في قصر بعبدا.
«الطبق» الرئاسي
في الوقت الذي لا تزال الاسئلة حائرة حيال اسباب العودة الدبلوماسية السعودية الى بيروت، والانفراجة المفترضة في العلاقات مع دول الخليج، دون ان يتلمس احد حتى الان رغبة للمملكة في التدخل في الانتخابات النيابية، تمويلا على الاقل، او دعما للوائح بعينها، برز خلال الساعات القليلة الماضية اهتمام سعودي-فرنسي بالاستحقاق الرئاسي في تشرين الاول المقبل من «بوابة» استشراف الخيارات المتاحة تحت عنوان عدم تكرار تجربة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا. ووفقا لمصادر دبلوماسية غربية تبدو الرياض مهتمة بالبحث عن مرشح يمكن تسويقه وتبنيه لدى الدول الغربية وخصوصا باريس وواشنطن، للدخول في هذا الاستحقاق بموقف موحد بحيث تخاض «معركة» الاسم الواحد في مواجهة الرئيس المفترض تبنيه من قبل حزب الله ومن خلفه ايران.
نقاش بين البخاري وغريو
وفي هذا السياق، علم ان السفير السعودي الوليد البخاري بحث مع السفيرة الفرنسية آن غريو الملف الرئاسي على هامش اللقاء الذي عقده معها للبحث في آلية تنفيذ الشراكة المالية لدعم العمل الإنساني وتحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان، عبر «الصندوق» المشترك المنوي اطلاقه قريبا. وفيما اكدت غريو ان بلادها ستعيد تزخيم عملها على الساحة اللبنانية بعد انتهاء المرحلة الثانية من السباق الرئاسي بعد نحو اسبوعين، حيث تملك بلادها افكارا عديدة ومنها طرح عقد مؤتمر»حواري» جديد يؤسس لانطلاقة جديدة، لفتت الى اهمية هوية الرئيس الجديد المفترض ان يكون «محايدا» وغير منحاز، خصوصا في علاقاته الخارجية. ووفقا لزوار السفارة الفرنسية لمست غريو رغبة سعودية بعدم تكرار تجربة الرئيس عون، وقد كان البخاري صريحا في الحديث عن العلاقة السيئة بين بلاده والرئاسة الاولى بعدما اختار الرئيس ان يكون في «المعسكر» الآخر المعادي للمملكة، واشار الى اهتمام بلاده بهذا الاستحقاق معربا عن امله في تنسيق المواقف للتوصل الى خلاصات مشتركة.
ما هو موقف واشنطن؟
هذا اللقاء بين غريو والبخاري سيستتبع بلقاء قريب بين البخاري والسفيرة الاميركية دروثي شيا، وعلم في هذا السياق، ان اجواء السفارة الاميركية في بيروت لا تزال حذرة في مقاربة هذا الملف مع الشركاء العرب والغربيين لانها لا تزال بانتظار تبلور المشهد الانتخابي في 15 أيار قبل الانطلاق جديا في مقاربة هذا الاستحقاق الذي تستعجل الرياض وضعه على «الطاولة».
لا اعادة لتجربة عون!
واذا كانت المملكة لا تملك اسما بعينه بعد، لكنها لا تخفي اعجابها بتجربة رئاسة العماد ميشال سليمان وتقترح ان يكون البديل مرشحا على «قياسه»، في المقابل تبدو الخيارات لدى كل من باريس وواشنطن ضيقة للغاية، واذا كان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع خارج «السباق» حتما، فالاقتراحات تنحصر بقائد الجيش العماد جان قهوجي القابل للتسويق كمرشح «تسوية»، بعدما احرقت «ورقة» حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نتيجة الانهيار المالي والنقدي، حيث يصعب تسويقه، لكن لا شيء نهائي ترشيحا، ولا تزال بعض الاسماء البعيدة عن الاضواء قيد»الدراسة».
لا معارضة فرنسية على فرنجية
لكن ثمة توجه لتنسيق «ثلاثي» في هذا الملف لبلورة موقف موحد، خصوصا العواصم الثلاث تتفق على ان «الاكثرية» التي سيملكها الفريق الاخر في المجلس لا تخوله التفرد بانتخاب رئيس مع احتفاظ حلفائهم «بالثلث» المعطل، علما ان الفرنسيين لا يبدون معارضة «شرسة» لاحتمال وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى بعبدا، وهم يعتقدون ان لا منافس له راهنا لدى الفريق الآخر، لانه من الصعب جدا نجاح حزب الله في تسويق النائب جبران باسيل للرئاسة بفعل ازماته الداخلية المتعددة مع مختلف الاطراف السياسية.
حزب الله «والعبور السلس»
ولم تنف مصادر مطلعة على هذه التطورات ان تكون رعاية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للقاء «المعاتبة» بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وزعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، محفزا لاطلاق عجلة البحث في مصير الاستحقاق الرئاسي عن خصوم الحزب في الداخل والخارج، فبعيدا عن الانتخابات النيابية التي يخوضها الرجلان من موقع «الخصومة»، الا ان السيد نصر الله نجح في وضع قواعد لهذا الاختلاف بينهما استعداداً لمواجهة مرحلة ما بعد إنجاز الانتخابات النيابية وصولا الى انتخاب رئيس جمهورية جديد في تشرين الاول المقبل، حيث يرغب حزب الله بان يكون عبور هذا الاستحقاق «سلسا» ودون عقبات تؤدي الى فراغ جديد في سدة الرئاسة.
اقفال «باب المناورة»
واذا كان السيد نصرالله قد تقصد عدم فتح باب النقاش حول هذا الاستحقاق، الى انه عبد الطريق امام طرحه عندما يحين الوقت المناسب بعد الانتخابات النيابية، وبعد تبلور المناخ الاقليمي والدولي خصوصا ان استحقاقات كبرى تنتظر المنطقة وستكون واضحة قبل الخريف، لكن ما يريده حزب الله هو الوصول الى الاستحقاق بمرشح واحد، لاقفال باب «المناورة» امام «خصومه»، وعدم تكرار تجربة المفاضلة بين الرئيس عون وفرنجية، ولهذا فان تبني اي اسم الان ليس في مكانه لانه سيؤدي الى «حرقه»، فيما لا يرى اي من المرشحيّن الطبيعين ضرورة اتخاذ اي قرار «بالانكفاء» في وقت مبكر، خصوصا النائب باسيل الذي يدرك تراجع حظوظه، لان «لعبة الوقت» قد تعيد «خلط الاوراق»!