مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي، يعود الجدل حول قانون الانتخاب إلى الواجهة، وسط جدليات حادة، بين من يسعى لتعديله ومن يصر على إبقائه. هذه اللحظة ليست مجرد استحقاق انتخابي تقليدي، بل إنها نقطة مفصلية تكشف مدى التحوّل في ساحات النفوذ السياسي.
في المقابل، لم يعد الإعلام الرقمي مجرد أداة تكميلية اليوم، فقد أصبح منصة أساسية ومؤثرة، حيث يُعيد رسم خارطة التواصل مع الناخبين، ويمتلك القدرة على توجيه الرأي العام بطريقة لم يعد بالإمكان تجاهلها.
في هذا السياق، تكشف دراسة أجراها مركز بيروت للدراسات الإعلامية، أن 65% من الناخبين اللبنانيين تأثروا جزئيا بالحملات الانتخابية على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا المعدل يضع الإعلام الرقمي في قلب المعركة الانتخابية، ويبيّن أن معركة النفوذ لم تعد تُحسم في الصالونات السياسية، أو عبر وسائل الإعلام التقليدية وحدها، بل على شاشات الهواتف وصفحات الإنترنت.
من زاوية أخرى، الاستقصاء حول هذا الرقم لا يقتصر على مجرد الإشارة إلى النسبة، بل يتطلب الغوص في طبيعة الحملات الرقمية، أساليب الاستهداف، ومن يقف وراء المحتوى الذي يشكل خيارات الناخبين.من هنا، وسائل التواصل اليوم أصبحت محرّكا لا يستهان به للقرار الانتخابي، ومعرفة آليات عملها شرط أساسي لأي تحليل موضوعي للمعركة السياسية المقبلة.
تعامل الهيئة مع وسائل الإعلام الإلكترونية
استنادا الى ما تقدم، يقول مدير عام الداخلية سابقا وأمين سر هيئة الإشراف على الانتخابات عطا الله غشام لـ “الديار”: “عرفت المادة 68 من القانون رقم 2017/44 (قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب) وسائل الإعلام المعنية بأنها كل وسيلة إعلامية رسمية أو خاصة، مرئية أو مسموعة أو مطبوعة أو مقروءة أو إلكترونية مهما كانت تقنيتها. علما بأنها كانت هذه هي المرة الأولى التي أُضيفت فيها الوسائل الإلكترونية إلى وسائل الإعلام”.
ويضيف: “تنفيذًا لذلك، طلبت الهيئة من جميع وسائل الإعلام التي ترغب في المشاركة في الدعاية والإعلان الانتخابي، أن تتقدم بطلباتها ضمن المهلة المحددة. ولذلك، تقدّم عدد من وسائل الإعلام لهذه الغاية، وكان من ضمن المتقدمين عشرون موقعا إلكترونيا فقط من المواقع الرسمية المرخّص لها قانونا. وفي نطاق آخر، أعطت الهيئة عددا من التصاريح لمندوبي بعض المواقع الإلكترونية الأجنبية، لمراقبة عمليات الاقتراع والفرز أثناء العملية الانتخابية”، مشيرا إلى “أن الهيئة قامت بمراقبة ممارسات هذه المواقع، حيث توافرت لها الإمكانات والمعلومات الإحصائية من خلال مراكز المراقبة المستحدثة من قبلها”.
عوائق في مراقبة الاعلام الرقمي والاستحقاق الوطني!
ويؤكد: “نتيجة لذلك أحالت عددا منها إلى محاكم المطبوعات، بسبب مخالفتها للأحكام القانونية المرعية الإجراء، بما في ذلك تلك التي تمادت في بث خطابات العنف والكراهية. وقد اعترضت الهيئة عراقيل كبيرة في ضبط ومراقبة وسائل الإعلام الرقمي، ومنصات التواصل الاجتماعي والاتصالات الرقمية (SMS) وغيرها، نظرا لعدم توافر الإمكانات اللوجستية والتقنية لديها، للإحاطة بالأعداد الهائلة وغير المحددة أو المعروفة من هذه الوسائل، والفوضى التي تسود طريقة إنشائها، وسهولة توافر ذلك لجميع الجهات حتى الأفراد العاديين منهم”.
المواقع الإلكترونية تتنامى “كالفطر”
ويقول: “لقد باتت المواقع الشرعية والقانونية، هي تلك التي تمكنت الهيئة من التعامل معها، بالإضافة إلى ضبط أعداد غير مرخّصة، من خلال مراكز المراقبة المستحدثة لديها. ونظرا إلى عدم كفاية النص الوارد في المادة 68 بشأن المواقع الإلكترونية، أوصت الهيئة بوضع النصوص التطبيقية والتنظيمية، التي من شأنها المساواة بين هذه المواقع وسائر وسائل الإعلام الأخرى”.
ويفصّل: “كما أوصت بتحديد قواعد بث الإعلانات والدعايات الانتخابية، وإلزامها بالتقيد بالموجبات القانونية، ومنع اتباع أي طريقة أخرى، مثل بث الإعلانات ضمن الرسائل المتحركة في أسفل الشاشة (Scroll). ومن هذا المنطلق، فقد عقدت الهيئة عدة اجتماعات عمل مع المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبدعم من الاتحاد الأوروبي في لبنان ووكالة التنمية الأميركية، في محاولة للتغلب على هذه الصعوبات، والتي أثمرت عن عدد من القرارات والتوصيات، لم تلقَ اهتماما من ذوي الشأن”.
ويوضح: “استكمالا لمحاولة ضبط التعامل مع باقي وسائل الإعلام الإلكترونية المتفلتة من أي رقابة، عمدت الهيئة إلى اعتبار اللوحات الإعلانية المخصصة للإعلانات المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية من وسائل الإعلام، التي يجب أن تخضع للمراقبة، بسبب استعمالها على نطاق واسع وفعال، كوسيلة إعلانية خلال فترة الحملة الانتخابية وقبلها”.
يتابع: “وطلبت من جميع الشركات والمؤسسات والأشخاص، الذين يستثمرون لوحات مخصصة للإعلانات، والراغبة في المشاركة في الإعلان الانتخابي، تقديم طلباتها لهذه الغاية، وأن تعلن عن لائحة أسعارها المعتمدة، وفقًا لما هو مطلوب من سائر وسائل الإعلام، وأن تودع الهيئة معلومات كافية تتعلق باسم الجهات التي يتم تنظيم عقود معها، مع التأكيد على أن إشغال هذه اللوحات بصورة مخالفة، يعرض مستثمرها للعقوبات القانونية المنصوص عليها في المرسوم رقم 302 تاريخ 10/1/2010”.
انعدام التجاوب “مقصود”!
ويستكمل: “نظرا إلى عدم وجود نص صريح في قانون الانتخاب للتعامل مع هذه اللوحات، أوصت الهيئة بإدراج نص صريح في القانون، يقضي باعتبارها من ضمن وسائل الإعلام، والتعامل معها وفق الأصول المرعية الإجراء. ولتفعيل ذلك، عمدت الهيئة إلى محاولة وضع بنك معلومات لها، من خلال وزارة الداخلية والبلديات والمحافظين والبلديات والقوى الأمنية المختصة، دون أن تلقى التجاوب المطلوب”.
قانونية استمرار عمل هيئة الإشراف على الانتخابات
ويشير غشام إلى “أن القانون رقم 25 تاريخ 08/10/2008 أنشأ ولأول مرة هيئة تسمى هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية، وكانت هذه الهيئة قد عينت بشكل مؤقت، ولدورة انتخابية واحدة تنتهي بعد ستة أشهر من تاريخ إتمام الانتخابات العامة. ولم يلحظ هذا القانون أي آلية أو مهلة لإنشاء هيئة مماثلة، أو قيام هذه الهيئة بالإشراف على أي انتخابات يمكن أن تحصل في ظل هذا القانون”.
خسارة مادية ومعلوماتية
ويكشف: “لقد أدى ذلك إلى ضياع وفقدان محفوظات الهيئة وتجهيزاتها المكتبية واللوجستية، التي تتسم بقيمة مادية وتوثيقية وتاريخية لأول تجربة لهيئة الإشراف على الانتخابات في لبنان. أما القانون 44/2017 فقد نص صراحة على إنشاء هيئة دائمة تسمى هيئة الإشراف على الانتخابات. كما تبدأ ولاية أعضائها من تاريخ صدور مرسوم تعيينهم وتنتهي بعد ستة أشهر من تاريخ إتمام الانتخابات النيابية العامة. إلا أن المادة 11 من نفس القانون، وتداركاً لحصول أي فراغ، نصت في فقرتها الأخيرة على أن تستمر الهيئة القائمة بمتابعة مهامها إلى حين تعيين هيئة جديدة، إذا لم يقم مجلس الوزراء بتعيين أعضاء هيئة جديدة قبل شهر من انتهاء ولاية القائمة”.
الهيئة قائمة “معنوياً” ام “قانونيا”!
ويضيف: “وبما أن مجلس الوزراء لم يقم بهذه المهمة خلال الفترة المذكورة، استمر أعضاء الهيئة الحالية بمتابعة مهامهم (مع تعديل بعض الأعضاء) حتى تاريخه، حيث تولت الإشراف على الانتخابات النيابية العامة التي جرت في العام 2018 وتلك التي جرت في العام 2022، بما في ذلك الانتخابات الفرعية التي جرت في دائرتي طرابلس وصور”.
ويشير: “في النتيجة، فإن وجود هيئة للإشراف على الانتخابات العامة المقبلة، أمر لا يقبل الجدال وفق النصوص القانونية المرعية، لأن إجراء أي انتخابات بدون وجود الهيئة يعرض هذه الانتخابات للإبطال. وبذلك أصبح وجود الهيئة أمرا واقعا، ولكن تبقى الحاجة ملحة إلى تعزيز وضع الهيئة، بإعطائها صلاحيات تقريرية وتنفيذية واسعة في جميع الأمور المتعلقة بمهامها، وفقًا للتوصيات المتكررة التي وردت في جميع تقارير الهيئة”.