تعد ظاهرة استفحال المخدرات بين اليافعين والأطفال من أشرس الظواهر المجتمعية على الاطلاق، وتتضاعف المؤشرات التي تدل على ارتفاع نسبة المدمنين والأرقام التي يتم الحديث عنها مقلقة ومرعبة. وتؤكد الدلالات ان لبنان شهد في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في استخدام وتجارة المخدرات لا سيما الكبتاغون. مما أثر بشكل سلبي في الأطفال الذين يعتبرون الأكثر عرضة للإدمان والاستغلال من قبل مافيا الممنوعات. وتعزى زيادة انتشار هذه الجائحة وظهورها للعلن الى عوامل عديدة.
تعددت الأسباب والوكر واحد!
يعتبر الوضع الاقتصادي الجاف في لبنان، انتشار البطالة، وانكماش فرص العمل، من الأسباب التي دفعت بالشباب الى البحث عن مصادر للراحة والهروب من الواقع المرير، الى جانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية ودولرتها. هذه الظروف مجتمعة جعلت هذه الفئة فريسة لتجار المخدرات الذين استغلوا ضعف هؤلاء وفقرهم ويأسهم وجذبهم الى هذا المستنقع بوعود فارغة.
الى جانب كل ما تقدم، يعاني لبنان من غياب الرقابة الأمنية والتشريعات المتعلقة بالمخدرات، مما يسهل عملية انتشارها. ويتم التهريب عبر الحدود اللبنانية وتوزيعها في الاحياء والمناطق المهمشة حيث يوجد الشباب والأطفال كهدف غبّ الطلب لاستمالتهم للتأثيرات السلبية.
وفي هذا السياق، اعتبرت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس في حديث لـ «الديار»، «ان تأثير تفشي المخدرات في الأطفال لا يقتصر على الإدمان فقط، بل يضاف اليه العديد من المشكلات الاجتماعية والصحية، كانخراط هؤلاء في أنشطة غير قانونية، وتراجعهم في الأداء التعليمي، واصابتهم بأمراض عقلية وجسدية وقد يواجهون خطرا متزايدا للتربية السيئة».
الترويج على عين الدولة!
على خطٍ موازٍ، علمت «الديار»، ان مجموعة عصابات منظمة تروج المخدرات في منطقة البقاع الاوسط، وان شريحة واسعة من الشباب والمراهقين أصبحوا أسرى للإدمان، واعمار هؤلاء تتراوح ما بين الـ 15 و29 عاما. وعلمت «الديار» ايضاً، ان شارعاً يطلق عليه اسم «طريق الحصن» تم اتخاذه كمركز للتعاطي والتسويق بالإشارة الى انه يقع على تلة بعيدة عن مداخل المدينة بالقرب من قلعة اثرية معروفة في تلك المنطقة. والأخطر من كل ذلك، يفترش المتعاطون الرصيف من شدة قوة «الجرعات» التي يأخذونها. وبحسب المعلومات، تم ادخال أكثر من 5 مراهقين الى العناية الفائقة بسبب تناولهم جرعات زائدة من المخدر والجدير ذكره في هذا الإطار، هو خدمة «الدليفري» المتمثلة بـ «التوك توك» كوسيلة لنقل وتوزيع المخدرات وحتى الأسلحة. وهذه الاشكالية كانت أثارتها «الديار» في تحقيق سابق، لان الترويج عبر «التكاتك» بات امرا سهلا وميسرا ولا يثير الريبة.
وفي سياق متصل، ذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها، ان نسبة المدمنين على المخدرات في لبنان تجاوزت الضعفين خلال السنتين الماضيتين مقارنة بالأعوام الفائتة، وتبيّن الاحصائيات والدراسات، ان ما يقارب 60 في المئة من المتعاطين هم من الفئة العمرية 16 الى 35 عاما.
روح المبادرة والتعاون
ان اول خطوة لمكافحة هذه الحالة المدمرة يجب ان تكون من جانب الحكومة اللبنانية وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية من خلال تشديد الرقابة الأمنية على الحدود والقضاء على معامل صنع المخدرات. كما ينبغي انشاء برامج توعية فعالة للشباب والأطفال حول المخاطر والاضرار الجسيمة الناتجة من التعاطي. ويكون ذلك بتقديم الدعم النفسي والعلاجي للأفراد المتأثرين وايجاد الحلول عن طريق تعزيز الفرص الاقتصادية كبوابة لتحسين الظروف المعيشية والحد من انخفاض الامل والإحباط. ومساعدة هؤلاء الشباب وخصوصا الأطفال، يكون بانتشالهم من مستنقع الانحلال والانهيار والا الخطر سيهدد جيلا بأكمله.
نسبة الإدمان
لا بد من الإشارة الى ان لبنان بعد العام 2021 يفتقر الى بيانات دقيقة محدثة حول نسبة الإدمان وأنواع المخدرات المستخدمة. الا ان المواد الشائعة بحسب بعض جمعيات إعادة التأهيل هي الاتية:
1- الحشيش (القنب) والماريجوانا: يعتبر هذا النوع الأكثر ذيوعا في لبنان، ومنتشر بشكل واسع بين الشباب.
2- الكوكايين: يستخدم هذا النوع بحسب المعلومات والابحاث في الأوساط الاجتماعية ذات الدخل المرتفع.
3- المخدرات المصنّعة مثل الاكستاسي والامفيتامينات: هذه الأصناف شائعة الاستخدام بين بعض الفئات الشابة.
4- المواد المخدرة الأخرى: وتشمل LSD والهيرويين والمخدرات الصناعية الأخرى، بالإشارة الى ان هناك بعض الادوية الطبية ويطلق عليها «المخدرات المهدئة»، تباع في الصيدليات مثل عقار «البينزكسول» ومتوافر بعيارات مختلفة ويتم وصفه للأشخاص الذين يعانون من رجفة قوية ووجع في العظام. ويتم «التحشيش» عليه اما بوضعه في المشروبات او عن طريق تذويبه في مياه النارجيلة وهذا امر خطر جدا. وعلى كل من يشرب النرجيلة في المقاهي العامة، الانتباه الى نظافة وشرعية المقهى والا سيكون ضحية للإدمان.
غيبوبة السلطة!
تقاعست الدولة عن القيام بواجباتها لجهة تقييد منافذ التهريب وملاحقة التجار والمروجين من جهة، وقصّرت في انشاء مراكز خاصة لإعادة تأهيل المدمنين من جهة أخرى. وقد تم انشاء حوالى 8 مراكز مستقلة ومسجلة في الدولة، لكن جميعها تعتمد على دعم الجمعيات والبعثات الأجنبية أو الدعم الفردي من خلال المتبرعين، وهذا بسبب قلة حيلة وزارة الشؤون الاجتماعية وتوفير الدعم المطلوب لها.
ولا بد من قول كلمة حق في هذا الإطار، حيث ان الجيش اللبناني يسعى جاهدا منذ أشهر الى تقييد انتشار شبكات مروجة للمخدرات، ويعمل على الحدّ من التمدد المحتمل لهذه العصابات. ويقوم برصد المحرّكين الأساسيين لعمليات التسويق وملاحقة الجهات التي تغذي بشكل رئيسي المروجين في كل المحلات والمناطق اللبنانية وتوقيف واعتقال مجموعات وافراد معظمهم غير لبنانيين.
حماية المجتمع
يعد دور الدولة اللبنانية في حماية المجتمع من ظاهرة تفشي المخدرات والعمل على إدارة تأثيرها أمرًا ملزماً وضرورياً. وهذه بعض الجوانب التي تشمل دور الدولة في هذا الصدد:
1. القوانين والتشريعات: يجب أن تسنّ الدولة التشريعات الصارمة لمكافحة تجارة المخدرات واستخدامها. كما ينبغي أن تحظر القوانين بشكل صارم التصنيع والتوزيع والاستهلاك غير المشروع، وتنزل اشد العقوبات بالمتورطين.
2. التطبيق والرقابة: يتعين على الحكومة تعزيز قدراتها على تنفيذ القوانين وتشديد الرقابة. وعمل السلطات الأمنية يكمن في حماية الحدود، وتتبّع واعتقال التجار، وتفكيك الشبكات الإجرامية المتورطة في تجارة المخدرات.
3. التوعية والتثقيف: يطلب من الوزارات المعنية بهذا الملف استحداث برامج للتوعية والتثقيف بشأن مخاطر المخدرات وتأثيراتها السلبية، من خلال تكثيف حملات إعلامية وتوعوية في المدارس والجامعات والمجتمعات لتوضيح المخاطر وتعزيز الوعي حول الصحة النفسية والجسدية.
4. العلاج والدعم: يجب أن توفر الدولة الخدمات الصحية والعلاجية اللازمة للأشخاص المتأثرين بمشكلة إدمان المخدرات. ويكون ذلك بتأمين المراكز العلاجية والدعم النفسي والإرشاد للمدمنين وعائلاتهم، وتسهم في تسهيل عمليات العلاج وإعادة التأهيل.
في الخلاصة، إن تحقيق النجاح في مقاتلة ظاهرة تفشي المخدرات يعتمد على تعاون جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التعليمية. لذا يجب أن يتم العمل بشكل شامل ومنسق لمواجهة هذه الظاهرة وحماية المجتمع والأفراد من أضرار المخدرات.