على وقع تداعي القطاعات الإقتصادية والمالية في لبنان جرّاء «الضيقة» الناجمة عن شحّ السيولة نتيجة تقييد السحوبات النقدية من المصارف لا سيما على رواتب الأطباء والعاملين في المستشفيات، بالتوازي مع تفاقم الكلفة المعيشية، أطلت نقابة المستشفيات لتذكّر بالواقع المزري الذي تعيشه ولتدق ناقوس الخطر الكبير لـ»الأمن الصحّي» الذي ندور في دائرته، والتصعيد في حال عدم التوصّل إلى حلول ايجابية.
تتقاذف المصارف والبنك المركزي المسؤوليات لتبرير سبب خفض قيمة السحوبات وفرض بعض المصارف رسوماً أو بمعنى آخر «هيركات» على السحوبات حتى على الليرة اللبنانية. فالمصارف تتحجّج بأن مصرف لبنان لا يسلّمها السيولة التي تحتاجها بالليرة في حين أكّد «المركزي» في بيان أنه يمكنها بيع ما تشاء من الدولارات للحصول على الليرة اللبنانية.
هذا التدبير والذي بدأ بعض البنوك يعتمده، انعكس سلباً على الرواتب الموطنة لدى المصارف التي تمنع أصحاب هذه الرواتب من سحبها مرة واحدة بل قيّدتها بضوابط من خلال سقف السحوبات الشهرية المحدّد على إجمالي حسابات الزبون في المصرف الواحد.
وأكثر من ذلك، أوضح رئيس نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون لـ»نداء الوطن» أن «غالبية المصارف طلبت من أصحاب المستشفيات ايداع قيمة الأجور نقداً في المصرف، بكاملها أو جزء منها لتسديدها للموظفين، رافضة تحويل الأموال من حساب المستشفيات المحوّلة بدورها إليهم إلى حساب المستخدم».
وحول تسديد الرواتب مباشرة إلى الموظفين بدل وضعها في المصرف، قال هارون إن «المشكلة ليست هنا بل في الضيقة التي نواجهها في السيولة، إذ إن المستحقات المترتبة على المستشفيات باتت بغالبيتها تدفع نقداً وأولها المازوت والأدوية والمستلزمات الطبية وحتى المأكولات يتمّ تسديد ثمنها نقداً في ظل رفض وسيلة الشيكات في عمليات الدفع. فجاءت «قضية» عدم قبول المصارف بتحويل أموال الجهات الضامنة الواردة إلى حسابات أصحاب المستشفيات والموجودة في البنوك لتسديد الرواتب، وهي عبارة عن مستحقات المستشفيات من وزارة المالية أو الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أو شركات التأمين، لـ»تكبّ الزيت على النار».
“هيركات” على السحوبات
أما إذا لجأ أصحاب المستشفيات إلى سحب الأموال المحوّلة إلى حساباتهم، فيقتطع منها نسبة 35 % من المبالع المسحوبة بالليرة اللبنانية. وقد أعطى هارون مثالاً، إذا أقدمت إدارة المستشفى على سحب نحو 100 مليون ليرة من المصرف يتمّ اقتطاع 35 مليون ليرة منها وتكون الحصيلة 65 مليون ليرة لبنانية».
في ظلّ ذلك الوضع، بات الموظف في المستشفى يحصل على راتبه بالتجزئة، قسم من المصرف وقسم بالدولار النقدي يتقاضاه نقداً من المستشفى. وفي ظلّ تلك «المعمعة» أوضح هارون أن المستشفيات القادرة على تسديد الرواتب نقداً للمستخدمين باتت تودع الأموال نقداً في البنك لتسديد رواتب المستخدمين، وغير القادرة يعاني موظفوها من عدم تقاضي رواتبهم كاملة في نهاية الشهر.
وحول آلية التحرّك التي ستلجأ إليها نقابة أصحاب المستشفيات، في حال انتهت مهلة الأسبوع التي منحتها للحكومة لحلّ أزمتهم، ستلجأ النقابة إلى التصعيد من خلال إعلان الإضراب.
وسط ذلك، سبق أن لوحّت نقابة الأطباء بدورها بالتصعيد، إذ حذّر نقيب أطباء بيروت البروفسور شرف أبو شرف في بيان، من استمرار المصارف في فرض قيود غير قانونية على الحسابات المالية للأطباء واللجان الطبية في المستشفيات، ووضع شروط تعجيزية على حساباتهم، واقتطاع نسبة مرتفعة من التحويلات التي تصلهم من الجهات الضامنة الرسمية والخاصة»، وقال: «هذه المعاملة التعسفية ستضطرّ نقابة الأطباء إلى اتخاذ خطوات تصعيدية». محذّراً أيضاً من خطورة استمرار النزف في القطاع الطبي إلى الخارج.
بوالص التأمين
أما بالنسبة إلى بوالص التأمين الإستشفائية وكما بات معلوماً باتت بالدولار النقدي حصراً بدءاً من تشرين. ونقابات المهن الحرة مثل نقابة المهندسين لم تعد تلتزم بفرق الضمان… بل باتت التغطية التأمينية من قبل شركة التأمين 100% من دون فرق ضمان وبالتالي يترتب على المضمون تسديد أقساطه التأمينية كاملة من دون فارق، المهندس وعائلته بالليرة اللبنانية تحتسب على أساس فريش دولار، أما أفراد العائلة والداخلون تحت مظلته فتسدّد بالدولار النقدي.
وتسهيلاً لآلية التعامل مع المريض، يتم دمغ بطاقة التأمين التي تصدر حديثاً عبارة «فريش» على سبيل المثال للذي يسدّد بالدولار نقداً،… ولا يقتصر الأمر على بطاقة التأمين فحسب بل الداخل إلى المستشفى بات له كنية مضافة تدوّن على السوار الذي يلفّ حول يد المريض وهو «فريش» أو شيك أو لبناني ليصار على أساسه التعامل معه وإجراء الفحوصات». ووفقاً لذلك يتم تحديد المبلغ الذي يترتب على الداخل إلى المستشفى توفيره على «الباب» قبل أن يطأ عتبتها.
ويشرح هارون «أن حامل بوليصة الـ»فريش دولار»، لا يسدّد أية فروقات، وهو «مغطى» مبدئياً بنسبة 100%، أما البوالص القديمة والتي تمّ تجديدها قبل تشرين الثاني أي قبل فرض تسديد الـ»فريش» حصراً، فهي «لا تزال سارية المفعول كما أكّد هارون ولكن المريض المضمون يسدّد نسبة 15% من قيمة الفاتورة الإستشفائية التي تصدر بالفريش دولار، إذا وافقت شركة التأمين فتسدّد قيمة الفاتورة بـ»الشيك دولار».
بوالص الـ3900 ليرة للدولار، يسدّد 15% من قيمة الفاتورة إذا وافقت شركة التأمين أن تغطي فاتورته بالشيك دولار. ماتوسيان
من جهته أكد رئيس مجلس إدارة شركة «المشرق» للتأمين النائب ألكسندر ماتوسيان، أنه «لا تسديد بالليرة اللبنانية في المجال الطبي، إما تدفع الأقساط التأمينية عن طريق الشيكات أو نقداً. وأوضح أن «المشرق» تعتمد الخيارات التالية: إما يسدّد طالب التأمين القسط التأميني بأكمله بالشيك دولار، عندها تترتب عليه فروقات في الحالات الإستشفائية، أو «نصف كاش» ونصف شيك بالدولار عندها لا يتوجّب عليه أية مدفوعات في المستشفى أو التسديد بالدولار النقدي عندها تكون قيمة القسط التأميني أقلّ مقابل تغطية شاملة وعدم إلزام المريض بأية فروقات.
إذا تتعدّد المشكلات وتتمدّد رقعتها تمهيداً للفوضى الشاملة في كل القطاعات الإقتصادية وأهمها الإستشفائية والصحية، إذا لم تجرِ الإنتخابات النيابية ويتم تدارك موضوع الإصلاحات وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإقرار الموازنة، والشروع في خطة الكهرباء، وتوحيد سعر صرف الدولار… وهي مطالب أساسية من صندوق النقد الدولي وقد أعلن عنها أمس في بيان حيث أشار إلى حصول اتفاق تفاهم مع لبنان تُقدَّم على أساسه 3 مليارات دولار تسدّد خلال 4 سنوات على دفعات حسب تقدّم الإصلاحات من الحكومة.
الداخل إلى المستشفى تتمّ تسميته كالتالي: «فريش» (لا يسدّد فروقات) أو «شيك» (يسدد فروقات فاتورة الدولار بنسبة 15%) أو لبناني (بوليصة الـ3900 ليرة حيث يلزم المريض بنسبة 15% من الفاتورة إذا وافقت شركة التأمين على تغطيته بالشيك دولار)