المؤسسة العسكرية، ومعها القوى الامنية الاخرى، ما زالت، متماسكة حتى الآن، وتحافظ على الهيكل العسكري والامني للدولة التي اصاب مؤسساتها الانحلال والفراغ، فرئاسة الجمهورية في شغور منذ عشرة اشهر، ولا حل قريبا لحصول الاستحقاق الرئاسي، كما ان الحكومة اصبحت لتصريف اعمال محدود، ويقاطعها وزراء فيها، ولا انتاجية في عملها، كما انها لم تتقدم في تحقيق اصلاحات، ولا انجزت في اي موضوع، لا سيما الخدمات الاساسية، وتعزو الاسباب، الى شح المال، الذي انعكس على توقف العمل في المؤسسات الادارية، واضراب في القضاء، وتخفيض للعاملين في السلك الديبلوماسي، واقفال سفارات، في وقت يجري تعطيل الجلسات التشريعية لمجلس النواب، التي يقاطعها نواب، لان مجلس النواب، هو هيئة ناخبة، حتى انتخاب رئيس للجمهورية، الذي انعقدت 12 جلسة له فلم يحصل اي مرشح على ثلثي اصوات المجلس، ولم تعقد جلسات ثانية، بل كانت تُرفع.
هذا الوضع المأساوي، لدولة انهارت، ووصلت الى الهاوية، وارسلها من تداولوا السلطة منذ عقود الى جهنم، فان الجيش يبقى الركيزة الامنية الاولى، مع قوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة، حيث يقوم كل جهاز بدوره، وبالامكانات المتوفرة له، حيث تمكن قادة هذه المؤسسات من الحفاظ على استمرارها ووحدتها، والحد من الفرار منها، او عدم الالتحاق بالخدمة، وفق ما يؤكد مصدر عسكري، الذي يصف ما تمر به هذه المؤسسات، بالصعب جداً، مما اضطرها الى الاستعانة بهبات ومكرمات ومساعدات، لتتمكن من الاستمرار في اداء دورها الامني، ولولا الامن الممسوك الى حد كبير، لكانت القطاعات الاخرى اصيبت بالشلل، فالامن هو الذي اتى باكثر من مليون سائح الى لبنان هذا الصيف، وهو الذي يسمح للمواطنين والاجانب والعرب من التجول بامان في الربوع اللبنانية، بالرغم من وقوع احداث امنية خطيرة، كمثل اشتباكات مخيم عين الحلوة، وحادثة الشاحنة عند كوع الكحالة، وما جرى من خلاف عقاري بين بشري وبقاعصفرين، الى حوادث فردية، تعطى احياناً اسباباً سياسية او حزبية وطائفية، حيث مر بلبنان، في كل هذه القطوعات بخير، بالرغم من دعوة سفارات دول خليجية لمغادرة رعاياها لبنان، او عدم السفر اليه، لكن هذا التحذير كان من باب الحيطة وبقي ابن ساعته.
لذلك فان الامن هو الاساس، ومن دونه يدخل لبنان في احتراب اهلي، وهو قرار غير موجود حالياً لا من قبل جهات حزبية او سياسية، اوحتى خارجية، وستبقى الساحة اللبنانية عُرضة للتوترات كما يقول مرجع حزبي، دون توسعها الى الاقتتال، الذي تجري التعبئة من جهات سياسية وطائفية له لكن اللبنانيين، لا سيما من عاش منهم ويلات الحرب الداخلية، وما يشاهدوه، من حروب اخرى في سوريا ودول عربية اخرى، كما في اوكرانيا ودول افريقية، فانهم يقفون حذرين من الوقوع في حرب اهلية، وان “حزب الله” سيكون اكثر المتضررين منها، باغراقه في وحل المستنقع اللبناني، لذلك رعى مؤتمراً اعلامياً وطنياً لمنع الفتنة والتصدي لها، ومثله الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وسلفه ابنه تيمور، اللذين يغلبّان الحوار على الصدام، وكذلك مؤسس “التيار الوطني الحر” الرئيس السابق ميشال عون الذي لعب دوراً اساسياً، في منع تطور حادثة الكحالة الى حرب، حذر من ويلاتها، فكان لمرجعيات روحية من كل الطوائف دور في بث الوعي والتنبيه من مخاطر الفتنة.
وارتكزت كل الاطراف الحزبية والسياسية والروحية على ان في لبنان جيشا لم ينقسم، كما في حالات سابقة، وان قائده العماد جوزاف عون، وضعه على مسافة واحدة من الجميع، ولم ينزلق الى مناصرة فريق لبناني على آخر، بالرغم من انه تلقى سهاماً جارحة لا سيما من حزب الكتائب اثناء حادثة الكحالة، التي كان رئيسه سامي الجميل، يريده ان يصطدم مع “حزب الله” الذي اعلن امتلاكه للشاحنة، لكن حكمة العماد عون منعت حصول ذلك، كما في مناطق اخرى، اذ ما زال التناغم قائماً بين الجيش والمقاومة، وهذا ما اثبتته وقائع لاحداث حصلت في اكثر من منطقة، مما يعزز الثقة بالمؤسسة العسكرية، التي هي ضمانة الامن ووحدة اللبنانيين.
وامام كل ذلك، فان الجيش كما مؤسسات اخرى في الدولة، تأثر بالازمة المالية على كل الصعد، حيث حاول قائده تسيير الوضع المادي بطرق شتى، الى ان رفع الصوت مؤخراً، وحذر من ان الجيش قد يصل الى حد عدم تسيير دوريات، بسبب نقص كبير في الوقود، ومعنى ذلك، ان الامن سيهتز، لان الجيش لن يتحرك لفض اشتباك، او اقامة حواجز والانتشار في اماكن قد تشتعل فيها الفتنة في اية لحظة، لا سيما ما كانت تسمى خطوط التماس اثناء الحرب الاهلية.
ومع تحذير قائد الجيش الى ما آل اليه الوضع المالي للجيش المرصودة له موازنة على سعر صرف الدولار بـ 15 الف ليرة، وتقليص في النفقات، دعا رئيس لجنة الدفاع والامن النيابية النائب جهاد الصمد اعضاء اللجنة للاجتماع فعقدوه، لبحث وضع خطير وهو الامن الذي اعتبره الصمد خطاً احمر، وقال لـ”الديار”، لا مغامرة في الامن، وصحيح ان كل المؤسسات تمر بأزمة مالية، لكن لا يجب ان يُبخل على الجيش كما القوى الامنية الاخرى، بل لا بد من تعزيز صموده في الحد الادنى، اذ المسألة ليست محروقات فقط، بل هي صيانة ايضاً كما الطبابة والغذاء وقضايا حياتية اخرى.
وابدى النائب الصمد تفاؤله، ان تحل هذه الازمة ويتم تأمين الاعتمادات للجيش، لا سيما وان موارد الخزينة زادت من خلال رفع الرسوم والضرائب، واذا ما تم اعادة العمل في الدوائر العقارية والميكانيك، وتفعيل جباية الرسوم والضرائب، فان الاوضاع ستتحسن.
ويكشف النائب الصمد، بأن الاوضاع تسير باتجاه صحيح، لتعزيز صمود الجيش في هذه المرحلة، لانه صمام الامان، وان الايجابية التي نلمسها، هي ان الانقسامات السياسية حول مسائل عديدة، ليست موجودة حول الجيش وحتى القوى الامنية الاخرى، وهذا ما يساعد على تعويض النقص الذي اصاب الموازنة.
وبرز تطور ايجابي مهم، وهو ان صندوق قطر للتنمية اعلن عن هبة للجيش بقيمة 30 مليون دولار تصرف ثمن وقود لمدة ستة أشهر، وهو استمرار للدعم القطري للمؤسسة العسكرية، كما لمؤسسات اخرى، اذ قدمت الدوحة دعماً نفطياً لوزارة الصحة ايضاً، حيث اتت المكرمة القطرية للجيش ليقف بوجه المصاعب المالية التي تواجهه، وهو استند ايضاً الى مساعدة اميركية بدفع 100 دولار شهرياً لكل عسكري في الخدمة.
للمرة الاولى في تاريخ الازمات في لبنان، لم ينقسم اللبنانيون حول الجيش الذي بات واضح العقيدة القتالية ضد العدو الاسرائيلي، ولم يقصر، اضافة الى عدم انغماسه بالسياسة.