الأردن وحماس قصة بدأت في العام 1987، وتأرجحت فصولها ما بين القطيعة السياسية والوصل الإنساني

Share to:

نضال العضايلة
في أعقاب تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية امس الخميس، بإن الجهود جارية لاستعادة العلاقات مع الأردن والسعودية، “لبنان بالمباشر” تضع بدها على القصة الكاملة للعلاقات الأردنية مع حماس في هذا التقرير.
البدايات منذ انطلاقتها عام 87 أدركت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أهمية وجود ممثلين لها خارج حدود فلسطين المحتلة وسعت لفتح قنوات وعلاقات لها مع مختلف دول العالم بما فيها الأردن الأقرب للقضية الفلسطينية سياسيا وجغرافيا.
البداية كانت عندما قامت الحركة بتسمية محمد نزال ممثلا لها في الأردن، وبشكل متسارع تطورت العلاقة وسمح للحركة بفتح مكتب لها في عمان برئاسة الدكتور موسى أبو مرزوق عام 1992.
ويعتقد مختصون أن هذا التطور جاء لقطع الطريق على سلطة ياسر عرفات التي ذهبت للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي بشكل منفرد بعيدا عن عمان.
خلال هذه السنوات مرت العلاقة بتوترات عدة بسبب عمليات نفذتها الحركة في العمق الإسرائيلي يعتقد أنها سببت ضغطا إسرائيليا ودوليا على الأردن خاصة في أعقاب اتفاقية وادي عربة في أكتوبر عام 94.
إتفاقية وادي عربة وإبعاد ابو مرزوق وبعد توقيع اتفاقية وادي عربة بشهرين رصدت حماس بعض الإجراءات الأمنية بحق قادتها، أبرزها استدعاء إبراهيم غوشة الناطق باسم الحركة لمحافظ العاصمة عمان، وإبلاغه بضرورة الكف عن إصدار التصريحات الاستفزازية ضد السلطة الفلسطينية.
وفي أيار من عام 95 قررت السلطات الأردنية إبعاد رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق عن الأردن الذي غادر إلى الولايات المتحدة حيث لديه إقامة دائمة، إلا أنه اعتقل هناك قرابة العامين قبل أن تفرج عنه السلطات الأمريكية ويسمح له الملك الحسين بالعودة إلى الأردن والإقامة فيه عام في 97.
محاولة إغتيال خالد مشعل وفي عام 1997 حاول جهاز الموساد الإسرائيلي اغتيال رئيس المكتب السياسي خالد مشعل بتسميمه، إلا أن المحاولة فشلت ووقع عملاء الموساد في قبضة السلطات الأردنية.
ووضع العاهل الأردني الراحل الملك الحسين، حينها حياة خالد مشعل شرطا لاستمرار اتفاقية وادي عربة، فرضخ الاحتلال وأرسل ترياق السم فأضاف الملك حسين شرط إطلاق سراح مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وعدد من الأسرى الفلسطينيين والأردنيين مقابل إطلاق سراح عملاء الموساد وفك الطوق الأمني عن سفارة الاحتلال في عمان وهو ما رضي به الاحتلال مرغما.
إنهاء وجود حماس في الأردن في العام 1999 توفي الملك حسين، فتسلم الملك عبد الله الحكم من بعده، وكان اول ما اقدم عليه الملك الجديد هو إنهاء الوجود الرسمي لحماس في الأردن حيث أغلقت السلطات الأردنية مكاتب الحركة في الأردن، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق ستة من قادتها بتهمة مخالفة الأنظمة والتعليمات وهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي، وموسى أبو مرزوق، وإبراهيم غوشة، وعزت الرشق، وسامي خاطر، ومحمد نزال، وكان ثلاثة منهم وهم خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإبراهيم غوشة في زيارة إلى إيران عندما أصدرت السلطات الأردنية مذكرة اعتقال بحقهم، وبعد أيام عادوا إلى الأردن فتم توقيف خالد مشعل وغوشة قبل أن يتم إبعادهم إلى قطر، ولم يستقبل الأردن علنا أي مسؤول من حماس منذ ذلك الوقت إلا لأغراض إنسانية، حيث سمح الأردن لخالد مشعل بالقدوم للأردن عام 2009 لتشييع جثمان والده.
ثورات الربيع العربي وصعود نجم حماس ومع صعود نجم التيار الإسلامي في الوطن العربي إبان ثورات الربيع العربي لاح بارق لعودة العلاقة، وفي العام 2011 صرح رئيس الوزراء آنذاك عون الخصاونة بأن قرار إبعاد قادة حماس كان خطأ دستوريا وسياسيا، ولحق بهذا التصريح زيارة خالد مشعل للأردن عام 2012 بوساطة قطرية التقى خلالها بالملك، لتعود العلاقات للجمود مجددًا مع أفول نجم الإسلاميين في دول الربيع العربي.
إتصالات سرية بين الأردن وحماس وبعد الحرب الأخيرة على غزة ردا على الانتهاكات الإسرائيلية للقدس الشريف، تأكدت معلومات عن اتصال هاتفي بين مدير المخابرات الأردنية وإسماعيل هنية، دون أن يتم الإعلان عنها رسميا.
مقياس العلاقات المباشرة إن مقياس العلاقة المباشرة بين الأردن وحماس يرتكز على الموقف السياسي ونظرة كل منهما لطبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني المحتل، فالأردن يعترف بإسرائيل، ويرى في القرارات الدولية ذات الصلة (242 و338 و194) والمبادرة العربية للسلام أرضية صالحة لحل الصراع القائم، وذلك عكس موقف حماس تماما.
أن الانتخابات الفلسطينية ومسار المصالحة؛ لا يمكن أن يغير من المعادلة القائمة بين الأردن وحماس، إلا إذا غيّرت الأخيرة موقفها السياسي من الاحتلال والصراع معه، وأن إجراء الانتخابات أو فشلها ليس قياسا وحيدا حاكما لطبيعة العلاقة بين عمّان والحركة.
الموقف الأردني من علاقة حماس بإيران وفي مطلع عام 2020، كان المزاج الأردني تجاه “حماس” وقيادتها لا يزال غير مقتنع بإعادة العلاقة مع الحركة بسبب قربها من طهران، إذ رفضت عمان طلباً تقدم به رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لزيارة المملكة، بعيد زيارته المثيرة للجدل إلى طهران، ومشاركته في تشييع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وأبدى الأردن انزعاجه آنذاك من خطوة هنية، ومن عموم الموقف الذي أبدته حركة “حماس” تجاه مقتل سليماني، بخاصة أن الأخير متهم أردنياً بالضلوع في مخططات إرهابية عدة على أراضي المملكة، وهو ما لمح إليه الملك عبد الله الثاني في المقابلة المتلفزة التي أجراها مع قناة “فرانس 24″، وقال فيها إن التهديدات الإيرانية للأردن تصاعدت عام 2019 على نحو غير مسبوق.
ويخشى الأردن من التسلل الإيراني لأراضيه، بخاصة وأن ميليشيات إيران موجودة على الحدود الشرقية للمملكة، من خلال نفوذها في العراق، وكذلك على الحدود الشمالية الأردنية من خلال وجودها في سوريا.
محاولات خجولة لإعادة العلاقات معروف أن المشهد الأردني معقَّد سياسياً واقتصادياً إلى حدّ كبير، لكنّ ثمة معطيات حدثت مؤخَّراً تشير إلى أن الأردن يحاول، بتردُّد، استعادة شيء من العلاقة بحركة “حماس”، بعيداً عن حسابات هذه الخطوة وانعكاساتها على صعيد الأردن الداخلي، وحتى فيما يتعلق بسياسته الخارجية. ويمكن تفسير الاتّصالات السالفة الذِّكْر بوجود رغبة أردنية في علاقة مباشِرة بحركة “حماس”، ودور في قطاع غزة يتجاوز دبلوماسية الإغاثة، طبياً وإنسانياً، والمستشفيات الميدانية التي يبنيها الأردن، من خلال إقامته مستشفىً ميدانياً أردنياً في قطاع غزة يعمل على تقديم الخدمة الطبية إلى المواطن الفلسطيني منذ سنوات.
المصالح المشتركة والمنطق يقول إن من مصلحة الأردن العليا إقامةَ علاقة قوية ومتينة بحركة “حماس”، والتراجعَ عن المواقف السابقة التي اتَّخذها تجاه الحركة، وخصوصاً أنه أكبر المستفيدين من هذه العلاقة، انطلاقاً من وصايته الهاشمية على المسجد الأقصى المبارك، والقيام بدور مماثل لما تقوم به القاهرة، من حلال الملف الفلسطيني والموقف الثابت من القضية الفلسطينية، حتى لو تباينت المواقف مع حركة “حماس”، أو اختلفت، هنا أو هناك، لكنها ستتوافق، بصورة كبيرة، على رفض أي مشروع يمكن الحديث فيه عن مشروع الوطن البديل وتوطين اللاجئ الفلسطيني في الأردن.
أمّا الواقع فيقول إن الموقف الأردني، وفق الحسابات الأردنية، ما زال ضبابياً، وغير واضح، ومتردداً بشأن القيام بمثل هذه الخطوة، وإن ثمة هواجس حاضرة، وربما هذا الأمر كان نتيجة التخوف من دفع ثمن استعادة العلاقة في ظل ظروف سياسية واقتصادية، في غاية التعقيد، يمرّ فيها الأردن. فمن المعروف أنه يعاني وضعاً اقتصادياً كارثياً، ومدى حاجته إلى المساعدات الإسرائيلية والأميركية كبير. فهذه المساعدات خفّفت حدةَ الأزمة بصورة ملموسة، ناهيك بالخشية من أن تكون هذه الخطوة مقلقة لحليفة الأردن، الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من أن الواقع مغاير ويقول إن “إسرائيل” وأميركا هما أول جهتين توجَّهتا إلى الأردن للتوسّط بهدف وقف إطلاق النار مع حركة “حماس”، على غرار الدول التي تقيم علاقات بالحركة، كجمهورية مصر العربية وقطر.
وتبدو “حماس” اليوم أكثر رغبة من الأردن بعودة العلاقات، بعد ما أرسل قادتها رسائل إيجابية عدة حول الدور الأردني، في حين تبدو عمان أقل حماساً وأكثر رغبة بالتماهي مع السياسة الأميركية في المنطقة.
حماس والدور الإقليمي للأردن أن قراءة الأردن لحجم الخسائر التي ترتبت على اختزال علاقته السياسية مع طرف واحد في الساحة الفلسطينية، سواء من جهة التعارض مع الموقف الشعبي المؤيد للانفتاح على “حماس”، أم لجهة الشعور بأن فتور العلاقة مع الحركة فوّت على الأردن فرصة تعزيز دوره الإقليمي وإمكانية لعبه دوراً سياسياً مؤثراً خلال مواجهات حماس مع إسرائيل.
الشارع الأردني وحماس وأمام هذا كله يمكن القول بحدوث تطوير جزئي لسقف العلاقة بين الاردن و”حماس”، بما يعني وجود نصف خطوة إلى الأمام تُلبّي بعض مطالب الشارع الأردني ونخبه السياسية والعشائرية، وتوفّر فرصة لتعزيز الحضور الإقليمي، وفي الوقت ذاته تُجنِّبه الحرج في العلاقة مع السلطة و”إسرائيل” وبعض الأطراف العربية والدولية”.
ويرى مراقبون بضرورة انفتاح الأردن على مختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد الفلسطيني، والوقوف على مسافة واحدة من فصائل العمل الوطني، وتعزيز التعاون معها، لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الأرض الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وللدفاع عن الأردن في مواجهة الأطماع الصهيونية وإفشال مؤامرات الترانسفير والتوطين ومشروع الوطن البديل.
Exit mobile version