نضال العضايلة
يشير مصطلح “الدولة العميقة” إلى نسيجٍ من التحالفات والشبكات تمتد داخل الحكومة، ويشمل هذا النسيج بعض المسؤولين كأعضاء مجلس النواب والسياسيين ومستشاري الأعمال وغيرهم.
ويشكل الأعضاء شبكة معقدة ومترابطة من المصالح المشتركة فيما بينهم.ومعظم هؤلاء لا يعرفون بعضهم البعض لكنهم يعملون لتحقيق غاية واحدة مشتركة، وهي تطوير مصالحهم وامتيازاتهم الشخصية التي حصلوا عليها وحمايتها.
ويقوم أصحاب النفوذ بأعمالهم حتى ولو عارضت هذه الأعمال الأنظمة والقوانين السائدة في المجتمع، فيمهدون الطريق لعمل “الدولة العميقة” إن لم نقل إنها تتخطى الدولة.
في الأردن يستفيد عدد كبير من المسؤولين الأردنيين من علاقاتهم القوية مع رجال أعمال آخرين ومسؤولين حكوميين من أجل الحصول على مناصب قيادية لخدمة عائلاتهم بشكل أفضل.
وتربط بعضهم علاقات قوية بالسفارات وكبار الشخصيات الأجنبية أيضا، وقد ساعد هذا النسيج من رجال الأعمال والسياسيين مسؤولي “الدولة العميقة” على تأمين امتيازات وهبات، ليس للبلاد، إنما لأنفسهم.والسؤال هو من يمثل الدولة العميقة في الأردن؟
وهل تتجسد الدولة العميقة بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حسب منطوق الدستور الذي يؤكد على الولاية العامة للحكومة ممثلة برئيسها مع خضوع هذه الحكومة أو السلطة التنفيذية لرقابة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب؟
الأردنيين يعتقدون بأن الدولة العميقة لا تتمثل بالأجهزة التشريعية والتنفيذية وأن دائرة المخابرات العامة والقوى الأمنية والديوان الملكي تشكل قطب الرحى في الدولة العميقة في الأردن، وهي التي توجه معظم النشاطات الرئيسية في الدولة.
استخدمت بعض الشخصيات السياسية الأردنية، التي خدمت في الحكومة على مدى سنوات عديدة، مصطلح “الدولة العميقة” لوصف الوضع في الأردن لأن اللوم يُلقى على أصحاب النفوذ من ناحية عدم كفاءة الحكومة الحالية وفشلها في تنفيذ وعودها بتحسين الخطط السياسية والاقتصادية الأردنية.
وبالنسبة إلى عدد كبير من الأردنيين، “الدولة العميقة” غير مهمة طالما أن بلدهم آمنٌة، إلا أن المصاعب التي يواجهها الأردنيون والقوانين المفروضة عليهم حوّلت ظروف معيشتهم المستقرة إلى غير آمنة، كما يدرك الأردنيون الآن أن بعض مسؤولي “الدولة العميقة” لديهم روابط جيدة مع الدول الإقليمية ويتصرفون بشكلٍ فردي، وقد أدّى هؤلاء النافذون دورًا هامًّا من خلال ممارسة الضغط على الحكومة لإصدار مشاريع قوانين جديدة تخدم مصالحهم.
يسوق البعض الدولة العميقة تبريرا لنهجها المحافظ مبررات عدة منها؛ الوضع الديمغرافي الأردني في ضوء الصراع العربي “الإسرائيلي” ومشروع “إسرائيل” القديم الجديد بحل قضية فلسطين على حساب الأردن، أو الوضع الاقتصادي من زاوية حاجة الأردن لتسيير سياسة غير صدامية مع الداعمين العرب والأجانب، وأيضا الإنحياز لمعادلة الأمن في ضوء خطر الإرهاب الداخلي والخارجي الذي يحيق بالأردن.
الدولة العميقة في الأردن ليست مدخلاً للانتقاد، ولا يوجد ما يدعو لإنكارها، فهي تقوم على عقد اجتماعي متصل، ولا تشتمل على تناقض بين الدولة والمجتمع كما كان الأمر في تركيا، ويجب الاعتزاز بمنسوب عمق الدولة الأردنية الذي يؤشر إلى نضجها ويكاد يفسر نموذجها الخاص في المنطقة العربية.
الدولة العميقة في الأردن، دولة الظل، حكومة الظل، جماعات نفوذ، جماعات ضغط، كلها مصطلحات تدل على وجود تكتل داخل الدولة الواحدة، غير ظاهر للعيان بشكل مباشر، يضغط ويناور بمختلف السبل والوسائل للحفاظ على مصالحه داخل الدولة الواحدة، وتمتاز هذه التكتلات بأنها غير خاضعة للمحاسبة المباشرة سواء الرسمية أو الشعبية، وإنما تتستر وتتمترس خلف المؤسسات الحكومية التنفيذية.
وفي الاردن، تتميز “الدولة العميقة ” بإمتلاكها مجموعة أذرع ” متعاونة ” متناسقة : الذراع السياسي والذراع المالي والذراع التشريعي والذراع القضائي والذراع الاعلامي، ولا يمكن لها التخلي عن اي من تلك الاذرع وخاصة منها الأمني والتشريعي والإعلامي.