منذُ شهرين تقريبًا وأنا أقضي عطل نهاية الأسبوع في الصّيدليّات، علّني أتمكّن من الحصول على الأدوية التي أنا بحاجةٍ إليها. وفي كلّ مرّةٍ أحاول فيها البحث عن الدّواء، ألاحظ أنّه مقطوع من السّوق.
المُستفزّ جدًّا، أنّ الصّيدليّ أو الصّيدلانيّة، لا تقول لي بشكلٍ مباشرٍ وواضحٍ بأنّ الدّواء غير موجود، بل تنظر قليلًا إلى الحاسوب، مضيعةً للوقت، ومن ثَمّ تقول لي:» غير موجود».
الأدوية التي أنا بحاجةٍ إليها، هي أقلّ أهميّةٍ من أدوية أبي، وإذا استغنيتُ عن أدويتي لا يعني أنّني أستطيع الإستغناء عن أدويته، ومن أهمّها حبوب الضّغط. وعلى قدر ما هي مرتفعة الثّمن، على قدر ما نحنُ بحاجةٍ إليها، لأنّ المواطن اليوم لم يعد يسأل سوى عن صحّته، وإن حصل.
فهل صحّة المواطن اللّبناني باتت رخيصة لهذه الدّرجة؟
الأدوية مفقودة في لبنان..والسبب؟
اشتدّت أزمة الدّواء بعد الانكماش الاقتصاديّ وانهيار سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة، وبالتّالي، بعد إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سابقًا، أنّ الاحتياط بالعملات الأجنبيّة لا يكفي أكثر من ثلاثة أشهر وأنّ دعم الموادّ الأساسيّة ومنها الأدوية سيتوقّف ممّا يرتفع تلقائيًا الأسعار أكثر من خمسة أضعاف.
والمُشكلة الأكبر، هي انقطاع الأدوية المهدّئة للأعصاب وتلك المضادّة للالتهاب أو لمرض الصّرع كما هو واقع الحال اليوم، فما الذي سينتظر المرضى على العلم من أنّ حالتهم النّفسيّة ازدادت نتيجة أسوأ ظروف معيشيّة حياتيّة أمنيّة يعيشها لبنان؟!
تقول مديرة ورئيسة مستشفى الصّليب للأمراض العقليّة والنفسيّة الأم جانيت أبو عبد الله، «أنّ أزمة كورونا «هدّت حيلنا»، أصيب 900 مريض بأوّل فترة كورونا، وذلك بسبب الزيارات والموظفين. والصّعوبة كانت في تأمين المستلزمات الطّبية لذلك اضطررنا أحيانًا لنقل مرضانا الى مستشفياتٍ في الخارج، ولكن للأسف لم يستقبلونا. وتتابع:» مرضانا بحاجةٍ إلى 14 حبّة دواء يوميًا على الأقلّ للشّخص الواحد، من مسكّناتٍ ومهدّئاتٍ لاسيّما أدوية الأمراض المستعصية. وبسبب غلاء أسعارها وفُقدانها من السّوق وعدم وجود الأيادي البيضاء لمساعدتنا، نخاف من تسكير أبوابنا للأسف، لذلك كل ما يتعلّق بأزمة الدّواء في المنطقة، سيؤثّر علينا سلبًا وبشكلٍ مباشرٍ».
بدوره، يؤكّد عيسى، مواطنٌ لبنانيٌّ للدّيار، «أنّه ومنذ عامٍ تقريبًا وهو في غنى عن «البهدلة» التي يعانيها المواطن في تفتيشه عن الدّواء. ويقول إنّ المستأجر عنده من الجنسيّة السّورية، يحاول تأمين الدّواء له، من سوريا وتهريبها عبر الحدود، في كلّ مرةٍ أراد زيارة الأحباب والأصادقاء من داخل سوريا، هذا ما سيساعده في دفع مبلغٍ أقل من ايجار البيت».
ارتفاع كبير لأسعار الأدوية.. من يراقب؟
ارتفعت أسعار الأدوية بشكلٍ هائلٍ، وأصبح الدّواء الذي كنّا نشتريه بـ 20 ألف ليرة لبنانية، لا يقلّ عن الـ 350 ألفا بحدّه الأدنى. فكيف يحاول المواطن اللبناني مواكبة ما يحصل؟
اعتبرت الدكتورة في علم الإجتماع مي مارون، «أنّ ما يعيشه اللبنانيين اليوم، يُسمّى بالتّسوّل المقنّع أو البطالة المقنّعة، وهي من فئة ميسوري الحال. كانوا أغنياء قبل أزمة الدّولار وتسكير المصارف اللّبنانيّة. وهمّهم الوحيد اليوم، هو شعورهم بالأمان عن طريق ادّخار أموالهم والتّعرّف على جمعيّات تُعنى بحقوق الإنسان. وهذه الفئة نفسها، باتت اليوم تأمّن الدّواء لعائلاتها عن طريق المستوصفات وليس الصّيدليّات لأنّها طبعًا أقلّ تكلفة، وبالتّالي إجراء الفحوصات الطّبيّة في مستشفياتٍ متواضعةٍ في الضّيع، بعيدًا عن بيروت وتكاليف مستشفياتها الباهظة».
ولكن من يضبط أسعار هذه الأدوية؟ هل من حسيبٍ أو رقيبٍ؟
في حواره مع الدّيار، يؤكد نقيب الصّيادلة جو سلّوم، «أنّ أسعار الأدوية ترتبط بمؤشّر الدّواء الصّادر أسبوعيًا عن وزارة الصّحة. وهذا المؤشّر يتحرّك طبقًا لسعرالصّرف ومن يُصدر المؤشّر هي وزارة الصّحة حصرًا. أمّا الصّيدلي، عليه ان يلتزم بتسعيرة وزارة الصّحة إمّا صعودًا وإمّا نزولًا. ومن يُراقب؟ نقابة الصّيادلة ويراقب مدى التزام الصّيادلة بمؤشّر الدّواء، وبالتّالي الصّيدلي لا علاقة له بتسعيرة الأدوية».
وعن ضبط ومراقبة الصّيدليّات بأكملها، تحديدًا فيما يتعلّق باختلاف الأسعار بين صيدليةٍ وأخرى، أردف:» المشكلة التي تحصل أحيانًا، هي عندما يبيع الصّيدليّ الأدوية أحيانًا كما عندما يستلمها، أحيانًا يبيعه بالرخص وأحيانًا بالغلاء عن طريق الخطأ ربّما أو السّرعة. لكنّ المفروض، أن يبيعه بسعر المؤشر، أي كأغلبية الصّيادلة».
ويؤكّد سلّوم: «اليوم، نقابة الصّيادلة والمفتّشين لديها 3400 صيدليّة يتم مراقبتها، وهنالك التزام شبه تام بهذا الموضوع، باستثناء الأخطاء الفردية في بعض الأماكن. الموضوع ليس موضوع سرقة، إنّما أحيانًا يشتري الصيدلي الأدوية على سعر الصرف، ويكون رأسمالها محدودا، هذا موضوع خاطئ ونحن من نعالجه بالأطر القانونيّة والعقوبات اللازمة ضمن نقابة الصّيادلة».
أمّا عن فجوة الأسعار بين الصّيدليات، يؤكد النقيب سلوم «أنّه موضوع مرفوض وعلى المواطن في هذا الحال أن يطّلع على سعر المؤشر ليعرف تحديدًا كم يتوجّب عليه لشراء الدّواء. لذلك، والتزامًا بتسعيرة وزارة الصّحّة، علينا بيع الأدوية بحسب مؤشر السعر».
ويختم:» عددٌ هائلٌ من الأدوية مفقودٌ، لاسيّما الأدوية التي لا تزال مدعومة جزئيًا. أما أدوية السّرطان، فهي متوفرة في المستشفيات وليس في الصّيدليات، والجزء الذي يتمّ تهريبه «حدّث ولا حرج» خاصةً في الفترات السّابقة عندما كان الدّواء مدعومًا. وفي تلك الأثناء تم تهريب معظم أدوية السّرطان وغيرها، من الداخل إلى الخارج. أما اليوم، «عم يردّولنا الإجر» التهريب من الخارج إلى الدّاخل بسبب فقدان العديد من الأدوية في لبنان».