خفتت أصوات المعترضين على أصحاب المولّدات، وتسعيرتها، وساعات التقنين. لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام. عدم الالتزام بتسعيرة الوزارة، التي حدّدتها الشهر الفائت بـ17,585 ليرة عن كلّ كيلوواط ساعة في المدن السّاحلية، هو الغالب، في ظلّ غياب شبه كامل لـ«كهرباء الدولة». ستضطر إلى «التفتيش بالسّراج والفتيلة»، وفق مسؤول بلدي في منطقة الضاحية الجنوبية، كي تجد صاحب اشتراك يقبل بهذه التسعيرة أو يلتزم بها. في المقابل، «الناس تعوّدوا، أو دبّروا حالهم»، فتتضاءل الشكاوى، لدرجة يمكن القول إنّها أصبحت معدومة في بعض الأماكن، على الرغم من «الدولرة شبه الشاملة». فإن لم تكن الفاتورة تُدفع بالعملة الخضراء، فهي تُحصّل بحسب سعر الصرف اليومي، إذ يصف أحد سكان منطقة حي ماضي الجابي بالصرّاف، «لا تغادر عينه شاشة الهاتف لمعرفة سعر الصرف».
تدوير الزوايا
الكلّ يعلم بالمشكلة، ولا أحد يريد التكلّم عنها، سواء الجهات الرّسمية أو الشعبية. في وزارة الاقتصاد، تحتاج مصلحة حماية المستهلك إلى سلسلة أذونات لا تنتهي لمعرفة «عدد الشكاوى المقدّمة بحق المولدات، وكيفية متابعتها». وفي البلديات، تتفاوت المتابعات، بعضها يرى «الأمور تماماً، ولا مشاكل» كرئيس بلدية الحدث جورج عون، و«في حال وجود شكاوى، نتابعها عبر وزارة الاقتصاد». وفي الشوارع المحيطة بالبلدية، التابعة إدارياً لها فقط، شكاوى الناس من «الدولرة والتسعير» لا تنتهي، إلا أنّه «لا من مجيب»، إذ يبلغ سعر الكيلوواط ساعة هناك 50 سنتاً، والدفع بالدولار.
لم يترك مروان، أحد سكان منطقة الليلكي، باباً إلا وطرقه، «تواصلت منذ شهرين مع وزارة الاقتصاد، والبلدية، والقوة الحزبية في المنطقة للتخفيف من الفاتورة المدفوعة بالدولار، لا تحويلها إلى الليرة ولكن لا جواب، فوزارة الاقتصاد تسجّل الشكوى، والبلدية تحيلني إلى الوزارة»، ما يدخل المواطن في دائرة مفرغة لا يحصّل بموجبها حقه.
«نحاول تدوير الزوايا، ونريد أكل العنب لا قتل الناطور» يقول غسان شعيب، مفوّض الشرطة في بلدية المريجة، فـ«مشاكل الناس خفّت نعم، ولكنّها تبقى كثيرة». يضيف شعيب «يعيش في نطاق بلدية المريجة 120 ألف نسمة، ما يخلق جدلاً لا ينتهي بين الناس وأصحاب المولدات». ويشير إلى أنّ «الناس أصناف، منها من تعدّل مدخولها، ولا تشتكي، ومنها موظفو القطاع العام الذين لا يستطيعون دفع بدل اشتراك يساوي راتباً شهرياً»، ويؤكّد شعيب «تحرّكهم لمتابعة أيّ مخالفة، إلا أنّ الناس لا يتقدّمون بشكاوى بأسمائهم، ما يعطّل المتابعة القضائية». أما ندرة الشكاوى فيعيدها عباس الغول، محامي اتحاد بلديات الضاحية، إلى «الدولرة»، دون أن ينفي تأثير إضراب القضاة على تقديم الشكاوى ومتابعتها.
التفنّن في الربح
وفي الضاحية الجنوبية أيضاً، لا تنتهي المخالفات عند «الدولرة»، بل تمتد لتطاول طريقة احتساب الفواتير، و«على عينك»، إذ يقوم صاحب مولّد في منطقة الكفاءات باحتساب الكيلوواط ساعة بـ 60 سنتاً، والبدل الثابت للعدّاد بـ15 دولاراً، ولكنّه يكتب الفاتورة على أساس تسعيرة 50 سنتاً لكلّ كيلوواط ساعة، وعندما يُطالب من المشتركين لا يقدّم أي أجوبة، بل يطلب منهم المغادرة. وفي منطقة أخرى من الضاحية، يضيف صاحب المولّد 5 دولارات على كلّ فاتورة تحت عنوان «بدل مازوت»، بحجة «تحرّك سعر المادة عالمياً». وحتى في منطقة الشياح التي صمدت المولّدات فيها طويلاً على التسعيرة الرّسمية، تعود اليوم لتفرض الدولرة، مع ساعات تقنين لا تتجاوز الثلاث ساعات. ويتفنّن بعض أصحاب الاشتراكات في مراوغة التسعيرة الرسمية عبر تقديم خطين للمشتركين، الأول بـ«السّعر الرّسمي وعلى العدّاد، ولكن يخضع لتقنين قاسٍ»، والثاني «24/24، إنما الدفع سيكون بالدولار».
تخرج مولّدات بيروت عن أيّ سيطرة في التسعير وفي ساعات التغذية
يتحجج صاحب أحد المولّدات بأنّ «مدفوعاته كلّها بالدولار، من زيوت وصيانة ومازوت»، بالتالي الفاتورة «يجب أن تكون بالعملة الأجنبية، إذ لن يتحمّل الخسارة»، ويعيد عدم التزامه بالتسعيرة الرسمية لـ«شرائه المازوت من السّوق السّوداء، فهو غير متوافر في المحطات». هذا الأمر ينفيه تماماً صاحب سلسلة محطات وقود بقوله: «الشركات المستوردة ترجونا تحميل المادة، والمازوت متوافر للجميع، ويتسلمه أصحاب المولّدات بـ845 دولاراً للطن، أي بسعر أدنى من سعر المبيع للعموم».
بيروت بلا كهرباء
وفي بيروت، جنة الكهرباء قبل الأزمة، التي كانت تنال 21 ساعة تغذية يومياً، ما جعل من هذه المنطقة «خالية من المولّدات» سابقاً، يعيش الأهالي أزمة قاسية منذ أن انخفضت التغذية، وقبل انقطاعها تماماً. اليوم، تزدحم أرصفتها بالمولّدات الكهربائية الصغيرة التي يفضلها أصحاب المحال على الاشتراكات، فهم لا يستفيدون من الكهرباء خلال ساعات الليل، التي تغرق شوارع العاصمة معها في ظلام دامس. وتعود إليها المولّدات الأكبر لتسكن المساحات الضيقة بين الأبنية، أو تحجز مواقف السّيارات في الشوارع، وتمدّ شبكاتها من جديد لتتحكّم بطريقة خارجة عن أيّ سيطرة بالتسعير وساعات التغذية، فغالبية أحياء العاصمة دون عدّادات، وتعتمد نظام المقطوعة بتكاليف تصل إلى 125دولاراً للـ5 أمبير، ولا تتجاوز ساعات التغذية الـ 14 يومياً، التي لا يريد أحد قاطني منطقة برج أبو حيدر، وهو موظف في القطاع العام، أن ترتفع لأنّها ستضاعف الفاتورة، مشيراً إلى «طلب صاحب المولّد 5 ملايين ليرة الشهر الماضي، ولكنّه لم يرسل له سوى 3»، مرفقة بعبارة «هذا راتبي كلّه، لن أستدين فوقه، وإن شئت فاقطع الكهرباء عن منزلي»، فأخذ المال دون قطع الخط.