اعادت اشتباكات مخيم عين الحلوة بين حركة «فتح»، ومجموعات اسلامية متشددة، ابرزها «جند الشام» و»الشباب المسلم» برئاسة بلال بدر، موضوع السلاح الفلسطيني في المخيمات، والذي فجّر انقساما لبنانياً حوله، منذ ان تكوّن له وجود في المخيمات نهاية ستينات القرن الماضي وفي «منطقة العرقوب» في قضاء مرجعيون بجنوب لبنان، وعند تخوم فلسطين المحتلة، حيث تمركز مقاتلون فلسطينيون، قدِم بعضهم من الاردن في العام 1968، واقاموا بما سُمي بـ»فتح لاند»، حيث اشعل الوجود الفلسطيني المسلح توترات ومعارك بين عناصر فلسطينية مسلحة والجيش اللبناني، مما ادى الى توقيع اتفاق في القاهرة في 3 تشرين الثاني عام 1969، بين لبنان الذي مثله قائد الجيش العماد اميل البستاني والجانب الفلسطيني الذي مثله ياسر عرفات كرئيس لحركة «فتح» ومنظمة «التحرير الفلسطينية».
سمح هذا الاتفاق للفصائل الفلسطينية وكانت فوق العشرة، وكل فصيل منها له اهدافه وارتباطاته الخارجية، من حمل السلاح داخل المخيمات تحت اسم «الكفاح المسلح»، الذي عليه ضبط الامن في المخيمات التي خرجت منها كل مؤسسات الدولة اللبنانية، حتى اعطى «اتفاق القاهرة» حق الوصول للمقاومين الفلسطينيين الى منطقة العرقوب، على ان يتم التنسيق بين قيادة الجيش ومسؤولين في منظمة التحرير، لكن «فوضى السلاح» كانت اقوى من تنظيمه، فذهب بلبنان الى اقتتال لبناني ـ فلسطيني، اي بين احزاب اليمين اللبناني الانعزالي وبين فصائل فلسطينية، على ما يروي مرجع حزبي يساري، عايش تلك المرحلة التي انقسم فيها اللبنانيون، بين مؤيد للسلاح الفلسطيني والحق بالمقاومة، وبين رافض لوجوده، مما ادى الى عملية تسليح وتدريب بدأها «حزب الكتائب» لمواجهة السلاح الفلسيني، وقابله تحرك الاحزاب الوطنية والتقدمية برئاسة كمال جنبلاط الى جانب المقاومة.
فالسلاح الفلسطيني، الذي كان ينظر اليه كل فريق لبناني، من منظار مختلف، تسبب بحرب اهلية، دخل عليها خطاب سياسي، يدعو الى الاصلاح واعطاء المسلمين لا سيما «السنة منهم»، حق المشاركة في السلطة، وتعزيز دور رئيس الحكومة، فكان ما جرى خلال 15 سنة، هو مزيج من مصالح داخلية لبنانية بعناوين سياسية وطائفية، اضافة الى تنفيذ مشاريع خارجية، تخدم «امن اسرائيل» بنزع السلاح الفلسيطيني، والذي لم تحققه حروب اللبنانيين فيما بينهم، فحضرت اسرائيل بجيشها في اجتياح عام 1978 وغزو عام 1982 وتم اخراج منظمة التحرير من لبنان، لكن المخيمات بقيت، ولم تنته ازمة لجوئهم، ولم تحل قضية حق العودة الى فلسطين، ولم تعط حقوق مدنية لهم، فتم الغاء «اتفاق القاهرة» في حزيران 1978 بعد ان وافق مجلس النواب، بقانون على الغائه في 21 ايار 1987، ووقع رئيس الحكومة سليم الحص الغاء القانون ثم رئيس الجمهورية امين الجميل.
فشرعية وجود السلاح الفلسطيني، الغيت، مع خروج منظمة التحرير من لبنان كاحد طرفي «اتفاق القاهرة»، يقول مصدر نيابي، الذي يشير الى ان «اتفاق الطائف»، دعا الى حل الميليشيات وتسليم سلاحها، وحاولت الحكومة برئاسة عمر كرامي في عهد الرئيس الياس الهراوي، ادخال الجيش الى المخيمات الفلسطينية، فاتخذت قرارا في 2 كانون الثاني عام 1991، باعطاء الامر للجيش بقيادة العماد اميل لحود، لتنفيذ قرار السلطة السياسية، الا ان فصائل فلسطينية وتحديداً حركة «فتح» لم تقبل بدخول الجيش الا بثمن، وراجعت قيادتها في بيروت ياسر عرفات في مقر اقامته في تونس فكان متشدداً في دخول الجيش الى المخيمات ومحيطها في صيدا، التي كان انتشار فلسطيني فيها، فلم تنجح المفاوضات التي كلف بها وزراء في الحكومة كمحسن دلول وعبدالله الامين وشوقي فاخوري، ووسطاء سياسيين وحزبيين، كما ومسؤولين سوريين، في تقريب وجهات النظر بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير، وفق ما جاء في كتاب مذكرات الرئيس الراحل الياس الهراوي، حيث وصل الجيش الى تخوم مخيم عين الحلوة، ولم يدخله، كما لم يعبر الى مخيمات اخرى، وبقي السلاح الفلسيطيني، غير محكوم بمرجعية، الا من لجان محلية واخرى على مستوى قيادات فصائل فلسطينية.هذا السلاح، بات عبئا على المواطن الفلسطيني، في المخيمات قبل غيره، وتحولت الى بؤر ومربعات امنية، كما الى مطلوبين للقضاء بجرائم جنائية وارهابية ومخدرات حيث يشكو الفلسطينيون من تفلت السلاح في المخيمات، التي تشهد بشكل دائم معارك عسكرية، وعمليات اغتيال، واصبحت ساحة للصراعات السياسية الفلسيطينية، وما جرى في مخيم عين الحلوة، ليس بعيداً عن عمق الخلافات بين منظمة التحرير ومناهضين لسياستها الذين يتهمون اطرافا في السلطة الفلسطينية بانها تلاحق المقاومين في جنين ومدن وبلدات فلسطينية في الضفة الغربية، وترشد قوات الاحتلال الاسرائيلي عنهم.
وسعى الرئيس نبيه بري الى تنظيم السلاح الفلسطيني والبحث في استراتيجية دفاعية بين الجيش والمقاومة، فاقام طاولة حوار في مطلع ذار 2006، توصلت الى اتفاق على ان يبدأ بحث موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتحديدا في الناعمة وقوسايا وتشكلت لجنة حوار لبنانية ـ فلسطينية لكن لم تتوصل الى توافق، حيث بقي السلاح خارج المخيمات وداخلها، اضافة الى ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تتوصل الى وضع خطة لاعطاء حقوق مدنية للفلسطينيين كالتملك وحق العمل حيث جرى رفضها ربطا بمنع التوطين الذي ورد في اتفاق الطائف.
فموضوع السلاح الفلسطيني تراجع دوره في لبنان مع تصاعد مقاومة الداخل الفلسطيني.