الأخبار – ميسم رزق
نقطة التطابق الوحيدة في ملف تأليف الحكومة، هي مبادرة جميع الاطراف الى اشاعة اجواء ايجابية. الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي يؤكّد انه سيقدم لرئيس الجمهورية ميشال عون «كل يوم تشكيلة من دون توقف»، ورئيس الجمهورية يتحدث معه بود لافت، فيما يلاطفه جبران باسيل ويتغزل بقدراته ويحذر من دور تعطيلي محتمل من الرئيس المعتذر سعد الحريري الذي «لم يشكّل ولا يريد لأحد أن يشكّل». اما الاخير، فيعمل مع نادي رؤساء الحكومات على تذكير ميقاتي كل لحظة بـ«قواعد اللعبة» مع تحذير من مغبة التنازل امام عون ما قد يحرمه الغطاء السني. ويعمد الرئيس السابق فؤاد السنيورة الى لفت انتباه سائليه الى ان موقف السعودية لا يزال سلبيا من اي حكومة لا تواجه حزب الله!
في جانب اخر، يحرص الرئيس المكلف على اشاعة اجواء ايجابية مع تركيز على موقف خارجي داعم. اما سفراء الغرب في لبنان فيحرصون على التأكيد ان لبنان يحتاج الى حكومة الآن، مع تشديد على انهم لا يتحملون مسؤولية تسمية هذا او ذاك من المرشحين، ومع تمايز فرنسي لجهة دعم ميقاتي واشاعة مناخات بأن «العالم الحر لن يدع لبنان يسقط».
عملياً، ظهرت الاجواء الايجابية من مداخلات واتصالات اجراها الرئيس المكلف بعد اجتماعه الثاني مع عون. وقد قدم تشكيلة جديدة تراعي حسابات الحريري السابقة لكنها تقوم على مبدأ تثبيت عدم المداورة تاركا وزارة العدل لرئيس الجمهورية الذي يسأل عن وزارة الداخلية، ما يشير الى احتمال عودة الخلاف. علما ان ميقاتي أدخل، على ما يبدو، تعديلات في ما يخص موقع نائب رئيس الحكومة بحيث لم يعد المرشح منتمياً الى كتلة النائب السابق سليمان فرنجية كما كان الحريري يقترح، وهو ما كان عون يعدّه استفزازاً له. اما في ما يتعلق ببقية الحقائب فيقترح ميقاتي تركيبة لا تغضب احداً. لكنها لا تترك المجال لجهة واحدة للتحكم بالحكومة.
المتصلون بميقاتي يتحدثون عن تفاؤله بامكانية تشكيل الحكومة قبل الرابع من اب، وانه سيكون رئيساً مكتمل المواصفات قبل انعقاد مؤتمر باريس لدعم لبنان المقرر في 4 اب. لكن كل ذلك ينتظر اجتماعات اليوم التي قد تعيد خلط الاوراق من جديد في الخلاصة التأليف لا تزال دونه عقبات، لكنه ليس مستحيلاً، علماً أنه نقل ليل أمس أن الرئيس نبيه بري والحريري والنائب السابق وليد جنبلاط بري قرأوا في كلام باسيل في مقابلته التلفزيونية «شروط عون» الجديدة.
«يُراكم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الإيجابيات لا السلبيات كما كانت الحال مع سلَفِه سعد الحريري». هكذا يُلخص مقربون من الاثنين نتيجة اليومين الأولين من لقاءات عملية التأليف. لكن مَن يُقارِن التصريحات «المُندفعة» للرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بكلامِه مع السائلين عن مستجدات التأليف، يستنتِج أن الإيجابية التي يُحكى عنها لا تتجاوز اتفاق الأحرف الأولى على حكومة من 24 وزيراً. أما النصف الآخر، من التوزيعة والثلث المعطل والحقائب وكل ما هو متصل بها، فأمر آخر. ويشكّل هذا الأمر بيت القصيد، كونه النصف الجوهري المُقلِق لميقاتي وللمعنيين بالملف الذين لا ينظرون إلى «ليونة» الرئيس ميشال عون وفريقه باطمئنان. ثمّة تنبّه واستعداد دائماً لـ «مفاجأة»، حيث يقود التسليم بأن الخلاف هو صراع على الحكومة «الرئاسية» التي سترث المزيد من صلاحيات الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية عون (في حال عدم انتخاب خلف له)، إلى منحى أكثر تشاؤماً. حتى كلام المُوكلين بنقل أجواء عون والوزير السابق جبران باسيل عن أن «بعبدا ستكون متساهلة للحد الأقصى»، وتأكيد «بقاء رئيس التيار الوطني الحر على جنب»، لم يُبدّد الانطباع الغالِب بـ «وجود صعوبات».
ما مِن إجابة حاسمة حتى الآن بشأن هذه الصعوبات، لكن ما يجدُر التوقّف عنده هو وتيرة حركة ميقاتي الذي زارَ بعبدا مرتين خلال يومين، حاملاً «لائحة بتوزيع الحقائب الوزارية، وأطلع عليها الرئيس عون تمهيداً لإبداء ملاحظاته عليها ودرسها في العمق بما يتناسب مع التوجهات العامة للحكومة الجديدة وسيستكمل البحث اليوم» بحسب بيان رئاسة الجمهورية. وهذه الوتيرة السريعة «كأن الحكومة ستولد غداً» يربطها ميقاتي بـ «الودّ الذي يراه من رئيس الجمهورية بمعزل عن اختلاف في وجهات النظر»، وهذا الودّ كما يقول مقربون من الرئيس المكلف «يشكّل عاملاً مساعداً لتكثيف اللقاءات والمداولات». لكنهم في الوقت نفسه يؤكّدون أنه «مرتبط بالمناخ العام، ولا علاقة له بالتفاصيل الأخرى حيث يقتصر التفاوض حول حقيبة واحدة وإنما مجمل الحقائب هي محط أخذ وردّ، ولو أن وزارة الداخلية هي العنوان الأبرز».
في اللقاء الذي جمع عون بميقاتي أمس، أبدى الأول ملاحظاته على التصوّر الأولي للرئيس المكلف وجرى الاتفاق على أن يخضع للمزيد من الدرس، وعلمت «الأخبار» أن «طراطيش كلام تناول بعض الأسماء، بينما يركّز ميقاتي في جلساته مع عون على شرح خطته للمرحلة المقبلة». هذه المستجدات وضعها الرئيس المكلف في عهدة «رؤساء الحكومات السابقين الذين التقاهم في منزله فورَ عودته من بعبدا»، بناء على اتفاق مسبق مع «النادي» بأنه سيوافيهم بها «أولاً بأول»، في محاولة منه لطمأنتهم بالتزامه بيانهم قبل التكليف.
صحيح أن الجميع هذه المرة يستشعرون مدى خطورة الفشل في تشكيل الحكومة وما يُمكن أن يترتّب على ذلك من تداعيات، إلا أن أحداً منهم لا يريد أن يصدّق بأن باسيل «رح يقعد عاقل»، ومثل هذا الشعور يراود القوى الأخرى جميعها، بخاصة تلكَ التي دخلت وسيطة بين التيار الوطني الحر والرئيس سعد الحريري في الأشهر الـ 9 الماضية،. وعليه، فإن السؤال عن ملاحظات عون على اقتراحات ميقاتي يقترن دائماً بجواب «انتظار رأي باسيل»، إلا أن في بعبدا كلاماً من نوع آخر يُبنى عليه، ويقول إن «رئيس الجمهورية يُراكِم مع ميقاتي الإيجابيات لا السلبيات كما كانَ يحصل مع الحريري سابقاً»، وأن «تعديلات بسيطة أجريت على التشكيلة الأولى التي قدمها وفقاً لملاحظات عون».
لكن قبلَ أسبوع من الموعِد الذي ضُرب لتأليف حكومة ميقاتي في الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، سأل المتوجسون عن إمكانية حلّ عقد ثلاث أساسية في فترة وجيزة، وهي عقد حمّلها الحريري لميقاتي بعد تكليفه ولن يكون سهلاً عليه المساومة فيها وإن كانَ أقدر على المناورة. يقول هؤلاء إن «تحييد باسيل لنفسه عن مسألة التكليف لا يعني خروجه من المعركة، فمطالبه التي وقفت سداً منيعاً في وجه الحريري، سيشهرها عون بالنيابة عنه». في مقابل إحجام غالبية القوى المسيحية عن المشاركة في الحكومة «سيصرّ عون على تسمية الوزراء الثمانية الذين هم من حصته ولن يقبل بأي تدخل أو مشاركة في التسمية». أما وزارة «الداخلية» التي ضمنها عون في مبادرة الرئيس نبيه بري ثم تراجع عنها الحريري في تشكيلته الأخيرة ستكون أم المعارك «فهي حقيبة وزير الوصاية على الانتخابات النيابية المقبلة والتي يحسبها عون بأهمية كل الحقائب الأخرى من حصته مجتمعة»، لكن المشكلة في أن «ميقاتي لن يستطيع التنازل عنها بسهولة، بخاصة بعدَ أن أعادها الحريري لتكون من ضمن حصة الطائفة السنية على عكس ما نصت مبادرة بري».
إذاً المهمة «لا شك صعبة» لكنها ليست «مستحيلة كما كانت الحال مع الحريري»، تقول مصادر مطلعة. إلا أن «الفشل هذه المرة لن يكون بلا ثمن»، فقد أشارَ مقربون من نادي رؤساء الحكومات إن هناك «قراراً واضحاً في حال منع ميقاتي من التأليف بالقيام بحملة مضادة. فإذا تبيَن بأن خطة عون وباسيل شعارها لا لأي رئيس مكلف قوي، فإن حملة سياسية مضادة حينها ستنشأ في وجههما عنوانها… لا للرئيس عون».