سواء أكانت غارة إسرائيلية أم إنفجاراً لم تكشف ملابساته، فإنّ ما جرى في المعسكرات الفلسطينية التابعة للجبهة الشعبية القيادة العامة في منطقة قوسايا في البقاع ليل الثلثاء ـ الأربعاء، أحيا مخاوف سكان قرى شرق زحلة مجدّداً من تواجد هذه المعسكرات في مناطقهم الآهلة بالسكان، خصوصاً أنّ وجودها لا ينحصر في منطقة المعيصرة في السلسلة الشرقية، وإنما يتمدّد الى منطقة «وادي حشمش» المقابلة لها في منطقة دير الغزال، وإلى جبيلة «عين البيضا» في منطقة كفرزبد، والتي يتنقّل عناصر الجبهة بينها وبين موقع قوسايا، لتشكل جميعها مع معسكر «لوسي» في منطقة السلطان يعقوب بالبقاع الغربي «دملة» مستمرّة منذ أن غادر الجيش السوري من لبنان في سنة 2005، وخصوصاً أنّ المواقع الثلاثة المذكورة، أي حشمش عين البيضا ولوسي، تقع جميعها في عمق الأراضي اللبنانية ولا يمكن الوصول إليها إلا من مداخل القرى البقاعية التي تتوسطها.
وكان أهالي هذه القرى قد استيقظوا بعيد الواحدة بعد منتصف الليل على دويّ إنفجار قويّ، وقع في مركز التسلح الفلسطيني الأكبر في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وانتظروا تداعياته حتى ساعات الفجر الأولى، من دون أن يتمكّنوا من الجزم ما إذا كانت غارة إسرائيلية أم لا، وذلك خلافاً لما حصل في الغارة الأخيرة التي نفّذتها إسرائيل على هذا الموقع في أيلول 2019، عندما استُهدف موقع الجبهة بثلاثة صواريخ ردّت بواسطتها إسرائيل على خطاب ناري هدّد من خلاله الأمين العام لـ»حزب الله» إسرائيل إثر استهدافها لمركز إعلامي لـ»حزب الله» في عمق الضاحية. ومع ذلك فقد خلّف الإنفجار مخاوف أمنية شبيهة لتلك التي ترافق كل حدث أمني تتعرّض له هذه المعسكرات التابعة عملياً لإمرة النظام السوري.
طلوع النهار لم يكن كفيلاً في المقابل بتوضيح حقيقة ما جرى ليلاً في موقع قوسايا، بل بقيت المعلومات على ذمّة الجبهة الشعبية القيادة العامة من جهة، وقد أكدت إستهداف موقع قوسايا من قبل الطيران الإسرائيلي، في مقابل نفي إسرائيل تنفيذ أي عمل عسكري في لبنان من جهة ثانية، فيما لفت غياب أي توضيح لبناني رسمي لما جرى، مع أن الحدث وقع في عمق الأراضي اللبنانية… واكتفت مصادر أمنية بالتأكيد أنّ ما حصل هو انفجار لذخائر قديمة.
والموقع المستهدف يقع في سلسلة جبال لبنان الشرقية، ولكن في منطقة أمنية يسيطر عليها «حزب الله» منذ بداية أحداث سوريا. إذ وفقاً لمصادر مطلعة في بلدة قوسايا، فإنّ «الحزب» قام بحفر طريق واسعة في هذه المنطقة تربط بين مراكزه في جنتا وبين الأراضي السورية، تمّ قبل سنوات قليلة تزفيتها لتصبح أوتوستراداً واسعاً يضمن تنقّل عناصر «حزب الله» بحرية تامة. هذه المعلومات يؤكّدها كتابان موجّهان باسم بلدية قوسايا الى محافظ البقاع والى وزارة الداخلية يشكيان من الأمر الواقع الذي فرض على أصحاب الأراضي الزراعية في هذه المنطقة، ويطالبان باستعادة الحقوق باستثمار هذه الأراضي، الأمر الذي ثبت وقوع الإنفجار ليل الثلثاء أنه سيبقى محفوفاً بالمخاطر.
بالمقابل، فإنّ سلطة الدولة اللبنانية على هذا المعسكر تكاد تختزل بحاجز ثابت على مدخله، حيث يحكم الجيش المراقبة على بوابة حديدية، يدقّق من خلالها بهوية من يدخلون ويخرجون من المعسكر، والجزء الأكبر من هؤلاء هم من عناصر الجبهة الشعبية الذين يتنقّلون بينه وبين مراكز الجبهة الموجودة داخل الأراضي اللبنانية، وأحياناً يتبضّعون حاجياتهم من الاسواق.
وهذا المعبر الإلزامي هو آخر نقطة أيضاً يسمح للصحافيين بالوصول إليها، وبالتالي لم يسمح لهم يوم أمس بالتوجه الى مكان حصول الحادث لمعرفة ما جرى فعلياً في الجبل. بل بقيت المعلومات المتداولة، هي تلك التي أعلنتها الجبهة الشعبية ومصادرها، وقد نعت خمسة شهداء لها أكّدت بأنّهم قضوا خلال غارة جوية على موقع الجبهة في قوسايا، في وقت علمت «نداء الوطن»، من مصادر مستشفى «الناصرة» التابع للهلال الاحمر الفلسطيني، أن عشرة عناصر نقلوا اليه بجروح وحروق طفيفة، وغادروه فور معالجتهم.
في المقابل، أكّد بيان الجبهة الشعبية أنّ «حربنا التي يخوضها محور المقاومة ستتوّج بالنصر المبين على كامل التراب الوطني الفلسطيني برفع راية التحرير فوق القدس وأقصاها»، الأمر الذي يتوقف عنده أهالي قرى البقاع الذين يستشعرون خطر تواجد هذه المعسكرات وسط مناطقهم، ليتساءلوا عن فعالية دور عناصر هذه المعسكرات في مقاومة إسرائيل، بعيداً من مواقع المواجهة معها، وهذا ما يترك إنطباعاً لدى أبناء هذه القرى «بأنهم لم يجنوا من تواجدها سوى مزيد من إستجلاب خطر العدوان الإسرائيلي».
في المقابل، فإنّ هذه المواقع تبقى موضوع جدل، لجهة الدور الذي لعبته خلال أحداث سوريا وما وفّرته من إمدادات عسكرية ولوجستية سمحت بتدخّل «حزب الله» في معارك سوريا، وهو دور يعتبر الأهالي أنه مرسوم لمعسكرات الجبهة الشعبية كي تحافظ على نفوذ النظام السوري في لبنان، وهذا ما يخلق جواً غير مرحّب بوجود هذه المعسكرات التي يحاول عناصرها أن لا يشكّلوا إستفزازاً لمحيطهم فيقلّلون من حركتهم ومن ظهورهم، إلا أن ذلك لا يحول دون توجيه إسرائيل الرسائل عبر إستهدافهم إلى «حزب الله» أو للنظام السوري، ومن فوق رؤوس المواطنين الآمنين في قراهم.