تمكن المجازفة بالقول إن الحرب التي تدور اليوم بين إسرائيل و”حزب الله” تحولت الى حرب وجودية. فبمناسبة الذكرى الأولى لعملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة “حماس”، وفي اليوم التالي “حرب الإسناد” التي أطلقها “حزب الله” من دون موافقة السواد الأعظم من اللبنانيين، ازدادت الحرب توحشاً، وبات واضحاً للمراقبين أن مرحلة المحاولات التوفيقية الدبلوماسية التي تقودها كل من الولايات المتحدة وفرنسا مع طرفي المواجهة قد باءت بالفشل بسبب إصرار “حزب الله” على الانخراط في حرب تحت شعار تخفيف الضغط على حركة “حماس” والفصائل المقاتلة في غزة.
كانت نية “حزب الله” خوض حرب مضبوطة الإيقاع، منضبطة تماماً، مع تجنب استهداف المدنيين أو البنى التحتية الاقتصادية الحيوية من أجل الحفاظ على عنصر الإزعاج من دون المجازفة بانفجار حرب واسعة مع إسرائيل، وذلك من أجل تسجيل نقاط دعائية في مرمى إسرائيل. لكن مع مرور الوقت بدأ الإسرائيليون يرفعون من مستوى الاشتباك الى حد أنه وصل في الصيف الماضي الى حافة الحرب. ويمكن القول إن اغتيال القائد العسكري الأعلى لـ”حزب الله” فؤاد شكر في 30 تموز (يوليو) الماضي، ترامناً مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في قلب طهران، كانا المؤشر الأقوى إلى أن إسرائيل قررت الاصطدام مباشرة مع إيران، بداية مع ذراعها الأقوى والأهم في المنطقة “حزب الله”. ثم تتالت المؤشرات الى أن الاصطدام مع إيران سيبدأ حتماً في لبنان، الجبهة الأقرب الى إسرائيل، والأكثر خطورة. كان التفكير الإسرائيلي يقوم على منطق بسيط مفاده، انه اذا كان “حزب الله” في سنة 2024 يتمتع بهذا القدر الكبير من القدرات العسكرية، فكيف سيكون الحال بعد ستة أعوام؟ انطلاقاً من هذا المنطق المبسط جرى بناء القرار بالاصطدام المباشر مع إيران بدءاً من لبنان.
و”حزب الله” المعروف أيضاً بـ”جوهرة التاج الإيراني” هو أهم الأذرع التي تعتمد عليها طهران لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة، والتنظيم الأقوى الذي يتمتع بمقدار كبير من القدرات البشرية العالية الكفاءة والمنضبطة بعكس الميليشيات الأخرى في المنطقة المرتبطة بإيران، مثل ميليشيات “الحشد الشعبي” الفوضوية القليلة الكفاءة. ومن هنا استكمل القرار بسلسلة ضربات استراتيجية طالت “حزب الله” في الصميم، من “مجزرة البيجر” الى مجزرة “اللاسلكي” فـ”مجزرة فرقة الرضوان”، وكلها في أقل من ثلاثة أيام. وأخيراً وليس آخراً اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي يمكن اعتباره اعلان الحرب الصريح الذي ترجم بعد ثلاثة أيام بالاجتياح الجوي الواسع على كل الأهداف المتصلة بالحزب.
ما سبق هو مقدمة لفهم ما سيلي. وللتذكير فإن “حزب الله” بدا كمن يصر على اللعب بالنار ولا يريد أن يحترق بها. أما الواقع فيفيدنا بأمر مختلف: لقد أدركت النار “حزب الله”، وبتنا اليوم في خضم حرب تغيرت فيها الحسابات، والقراءات، إلى أن أصبح ممكناً القول إنها حرب وجودية بين إسرائيل و”حزب الله”. إنها وجودية بالنسبة الى إسرائيل لأن كل شيء بعد “السابع من أكتوبر” أصبح وجودياً. والخطر الذي ما كانت اسرائيل تعتبره داهماً بات داهماً ويوجب عليها تدميره كاملاً. وهذا ما يحصل اليوم. بالنسبة الى “حزب الله” كان يجب أن تكون الحرب محدودة من ضمن استراتيجية تحدث عنها السيد حسن نصرالله في خطابه الأول بعد الانخراط في حرب “الإسناد” في 8 تشرين الأول 2023 وهي “الانتصار بالنقاط” بدل الضربة القاضية. وهنا كان الخطأ الكبير في حسابات طهران وقيادة “حزب الله”. لقد توهموا ان إسرائيل سوف تلتزم قواعد الاشتباك التي تحددها طهران عبر “حزب الله”. وتوهموا أن الحرب في غزة لن تطول، وأن طاقة إسرائيل على خوض حروب طويلة معدومة. والأهم من ذلك كله كان الخطأ في قراءة المشهد السياسي والشعبي الداخلي في إسرائيل والبناء على كم الخلافات بين الأحزاب، وضغط الشارع لإنجاز صفقة الرهائن، أو البناء على الضغط الدولي، لاسيما الأميركي، والحراك الشعبي في دول الغرب، لإيقاف حرب غزة فتتوقف حرب لبنان تلقائياً، ويبقى كل شيء على ما هو عليه، أي تتم العودة الى السادس من تشرين الأول. هنا كانت تراكمت نتائج سلبية ولدتها القراءة الخاطئة التي وقعت ضحيتها طهران وذراعها في لبنان.
كما أسلفنا، نحن اليوم أمام حرب وجودية بالنسبة إلى إسرائيل، وستخوضها بهدف تحطيم الآلة العسكرية الاستراتيجية لـ”حزب الله”. وفي المقابل بات الحزب مضطراً، بحكم القرار الإيراني الذي صدر عبر خطبة الجمعة الماضية للمرشد علي خامنئي تزامناً مع كلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيروت وفيه أمر عمليات، الى القتال حتى النهاية. فتحطيم الآلة العسكرية للحزب معناه إيرانياً تحطيم نفوذ إيران وتدمير ذراعه الأهم.
علي حمادة – “النهار”