هل يصل لبنان إلى مشارف الحرب؟ أصبح هذا السؤال يفرض نفسه كما لو أنه من الضرورات اليومية. فالبلد على شفير الانفجار. كل الحركة الدولية الراهنة هدفها تجنّب مثل هذا الخيار. ولكن عندما تتكثف التحركات الديبلوماسية والدولية ولا تنتج حلولاً، فإن ذلك يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في استكمال عناصر التفجير، سواء كان هذا التفجير اجتماعياً أو أمنياً أو عسكرياً أيضاً. الغاية من اللقاءات تندرج في سياق تمرير الوقت بأقل الخسائر، أو في محاولة للجم الإنفجار. لكن الوضع في المنطقة ككل متفجّر، ابتداء من أفغانستان التي تشهد الانسحاب الأميركي مع ما سيرخيه من تداعيات على الواقع الإيراني والروسي معاً، ويكون الطرفان بحاجة إلى عقد اتفاقيات وتفاهمات وتسويات مع الأميركيين المنسحبين.. وصولاً إلى سوريا.
عودة إلى 2006
لا ينفصل هذا المسار عن العرقلة التي تشهدها مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، والتي كلما تعقدت كلما ارتفع منسوب التصعيد في المنطقة، مثل الأحداث المتقطعة التي تشهدها الساحتان العراقية والسورية، من خلال الاستهدافات التي تقوم بها جماعات موالية لإيران ضد أهداف ومصالح أميركية. حتى الآن يشير السلوك الأميركي إلى التهدئة وعدم التصعيد. ولكن من غير المضمون مدى القدرة على ضبط الردّ. لا يمكن قراءة الوضع اللبناني بمعزل عن هذه التطورات التي تشبه إلى حدّ بعيد الحقبة الممتدة بين العامين 2004 و2006، وامتداداً إلى العام 2008. بين العامين 2006 وخصوصاً بعد حرب تموز التي انتصر فيها حزب الله سياسياً، و2008 إثر انتصار حزب الله على اللبنانيين، تكرست قواعد سياسية جديدة أوصلت الحزب إلى ما وصل إليه، فادعى الانتصار وقطف الثمار، وآخرها ثمرة الخروج الأميركي من المنطقة.
حالياً، يعيش لبنان أسوأ أيامه التاريخية، حالة انهيار تصيب كل القطاعات البشرية والمؤسساتية. شماتة إسرائيلية يومية تحولت إلى حال الشفقة. هي تصريحات غايتها التخريب وليس حتى الشفقة. غايتها زرع الشقاق بين الحزب واللبنانيين أولاً، ووضع الحزب في موقع حرج يدفعه إلى “الثأر لكرامة انتصاره”، من خلال لعبة إسرائيلية واضحة تستثمر بالانهيار اللبناني وإعداد تقارير متعددة حول الفوارق المعيشية للبنانيين في هذه المرحلة التي يتجسد فيها انتصار الحزب، ومراحل سابقة لم يكن منتصراً فيها. هذا من شأنه أن يستفز الحزب إلى تصعيد أكبر، ربما على وقع استدراج إسرائيلي، إما لعرقلة الاتفاق النووي أو لإدخال بنود جديدة على المفاوضات المرتبطة بها، إنطلاقاً من تكريس وقائع جديدة بفعل الأمر الواقع.
السفراء الثلاثة
في المقابل، هناك من يحاول وضع الحزب في حالة شبيهة إلى حد بعيد بمرحلة العامين 2004 و2006. أي حالة الحصار السياسي والضغط الشعبي الهائل اللذين كان يعيشهما حينها، فاختار الانقلاب عليها بخوض حرب عسكرية كبيرة مع إسرائيل، قلب من خلالها الطاولة وانتصر ووظف انتصاره على الآخرين. فعدل الميزان السياسي في البلاد لصالحه. أصبح التخوف من الوصول إلى مثل هذا الاحتمال واجباً، خصوصاً أن اللقاءات الدولية والديبلوماسية تصب في هذا الاتجاه، إما اندفاعاً او تحذيراً أو تعبيراً عن ندم، على غرار ما يتردد على ألسنة بعض الديبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، وخصوصاً الفرنسيين، الذين يعملون على تحفيز الدول الأخرى لتقديم مساعدات للبنان، لحماية الاستقرار وللجيش اللبناني كي لا يصب الانهيار في مصلحة حزب الله.
تحت هذا العنوان حصل لقاء الرياض بين سفيرتي فرنسا وأميركا مع المسؤولين السعوديين، على أن يستكمل ذلك في لقاء اليوم الإثنين مع السفير السعودي وليد البخاري. إذ من المفترض ان يعمل السفراء الثلاثة على وضع خطة عمل مشتركة للمرحلة المقبلة، تتعلق بالمساعدات الإنسانية والغذائية، ولكن ليس بعيداً عن هذه الخطّة، جاءت التوصيات من قبل لجنة الدفاع الفرنسية، حول إرسال قوات دولية للإشراف على آلية تقديم المساعدات ومكافحة التهريب وضبط الوضع في لبنان لتجنب الإنزلاق إلى فوضى. هذا مؤشر تصعيدي قد يؤدي إلى إنفلات الأمور أكثر فأكثر.
الحريري إلى القاهرة
في خضم تفاعل الأزمات بين الداخل والخارج، لا أفق للحل حتّى الآن، بانتظار ما ستحمله أيام الأسبوع الطالع، وما سيقرره الرئيس سعد الحريري، الذي سيكون له زيارة إلى القاهرة للبحث في آخر التطورات ومآل تكليفه بتشكيل الحكومة، وسط إشارته في أكثر من لقاء إلى استعداده للاعتذار، بينما الآخرون، وخصوصاً الرئيس نبيه برّي يطالبه بتسمية البديل، لعدم ترك الساحة فارغة أمام خيارات رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ.