اكيد ان الجلسة الثالثة اليوم لن تكون “ثابتة”، اذ ان مصيرها التأجيل المحتوم على نار النصاب المفقود، والبنزين المحروق “عالفاضي”، ليبقى القلق من سيناريو الشغور الرئاسي الذي تخطت حظوظه الخمسين في المئة، ومِن تداعياته على الواقع الدستوري – الحكومي من جهة، وعلى اتفاق الطائف من جهة اخرى، متصدرا المشهد رغم كل المحاولات والوساطات التي تنتهي من حيث تنطلق، ورغم اصرار “الحزب” على ان الحكومة ستبصر النور “بحلاوة الروح”.
فبعد فشل المبادرة السويسرية لجمع الافرقاء اللبنانيين، تحت ضغط المملكة العربية السعودية التي سارعت الى الاعلان عن احتفال في بيروت في ذكرى توقيع اتفاق الطائف لاول مرة، لايصال رسالتها الى الداخل والخارج، يبدو ان فريق رئاسة الجمهورية قد غيّر من تكتيكاته واستراتيجياته لادارة المرحلة المقبلة، سواء كانت فراغا ام لا، بعدما بدأت الدائرة الضيقة “تفلتر” اسماء المرشحين والسيناريوهات الممكنة، مولية الانتخابات الرئاسية الاهمية القصوى والوحيدة، حتى على ملف تشكيل الحكومة.
الواقع، ان ثمة احساسا لدى الكثير من المعنيين، بتسليم فريق العهد بان لا جدوى من النقاش في دستورية حكومة تصريف الاعمال للفترة المقبلة، اذ ان المهم اليوم والذي يتقدم هو ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، سواء ضمن المهلة الدستورية او خارجها، وكل الكلام الذي يتحدث عن شارع مقابل شارع تحت حجة المس بالصلاحيات، هو محاولات يائسة لتأليب الشارع السني ضد رئيس الجمهورية والتيار، وفقا لمصادر التيار الوطني الحر التي دعت الغيارى الى اعادة قراءة مواقف النائب جبران باسيل جيدا وفهم مضامينها ورسائلها.
تحت هذا العنوان، برزت الى الواجهة الضغوط الممارسة في مسألة اسقاط احد ابرز القوانين المحالة الى الهيئة العامة، والمتعلق بالتمديد لضباط في الجيش ومدراء عامين في الدولة، والذي هو سياسي بامتياز لجهة الطرف الذي طرحه والجهات الرافضة له والنتائج المترتبة، ولتوضيح الصورة اكثر فهو يستفيد منه عمليا رئيس الاركان في الجيش (درزي) والمفتش العام (اورثوذكسي)، ما يفقد المجلس العسكري نصابه في حال عدم اعتماد خيار تمديد الخدمات، وفي ذلك سابقة زمن العماد جان قهوجي، اما الجهة الثانية المستفيدة مباشرة فهو المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم. وهنا ترى اوساط متابعة ان ثمة من يضغط لاحداث الفراغ في هذه المواقع وغيرها لاستخدامه كورقة ضغط لتسريع انتخاب رئيس الجمهورية، نظرا لحساسية تلك الوظائف وادوار المسؤولين عنها، مشيرة الى ان المطلوب من وليد جنبلاط ثمن سياسي كبير لا قدرة له على تحمله اليوم، هذا في حال صفت نيات الجميع، علما ان الاطراف المسيحية ترفض رفضا كليا السير بهذا القانون، لتأثيره مستقبلا على التوازن في الوظائف داخل المؤسسات.
وتضيف الاوساط بان الحديث عن حكومة تصريف أعمال “طال عمرها طال” إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي بات علنيا وأكثر ترجيحا، نتيجة الظروف والعوامل الإقليمية والدولية. فمع دخول”سيد نفسه” فجر 21 تشرين الأول، مهلة العشرة أيام التي يتحول فيها إلى هيئة ناخبة دون سواها، تصبح حتى الحكومة الجديدة حكومة تصريف اعمال بسبب تعذر تأمين الثقة، الا في حال “ركبت دينة الجرة” على الطريقة اللبنانية.
وسط هذه اللوحة السريالية، طفت على سطح جلسة المجلس النيابي التشريعية الاخيرة مجموعة من الامور اللافتة،التي قد تترك اثرها على المستجدات، والتي بدت نافرة لا يمكن تجاهلها ابرزها:
- حديث “ابو مصطفى” عن الاكثرية من باب الشماتة بـ “الثورة” وحليفتها المعارضة، منتقما من الحملات التي استهدفته ولو بعد 3 سنوات.
- دفاع النائب جبران باسيل ودعم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي له، في ان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع “اسرائيل” لا يحتاج الى موافقة الحكومة او المجلس النيابي، رغم ان كان ثمة همس في الكواليس عن ضغط يمارسه رئيس مجلس النواب لتغطيس الحكومة ورئيسها في المسألة. ليزيد من المصيبة اعلان الوسيط الاميركي تبخر كل الاحلام الزهرية التي تحدثت عن تدفق المليارات، في تأكيده ان لبنان لن يستفيد من ثروته النفطية قبل سنوات، بمعنى “تخبزوا بالافراح” ووقتها لكل حادث حديث، لينتهي بذلك عسل الترسيم ويبدأ بصله، مع محاولات جر البعض وتوريطهم، فيما المخرج المبتكر جاهز وغب الطلب، لا مراسيم، لا توقيع، لا قوانين، ولا “من يحزنون”، مجرد تبادل رسائل مع الامم المتحدة “كل الخبرية”.
يبقى هل ثمة بحث جدي وحقيقي في مسألة تشكيل حكومة جديدة أم أن الطبخة موضوعة على نار الظروف التي ستستجد بعد خروج “الجنرال” من قصر بعبدا ودخول لبنان مرحلة الشغور إلى حين تستوي كل الطبخات؟ الساعات القادمة الفاصلة عن يوم الاثنين كفيلة باعطاء الاجابة.