لا شك ان اللبناني سبّاق دائما في إيجاد الحلول، فلا يستسلم او ييأس او يتخلّى عن شغفه لترجمة أحلامه، مهما صغرت او انعدمت وسائل تحقيقها. ومع اشتداد وطأة الازمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات، ربطاً بارتفاع سعر صرف الدولار اليومي في السوق الموازية، وانهيار القيمة الشرائية للعملة المحلية، أضحت المواصلات عبئا شديدا على كاهل اللبنانيين، بعد ان دفعت شريحة منهم للتخلي عن التنقل بسياراتهم او تقليل «مشاويرهم» بها، بهدف توفير البنزين. لذا فإن عملية البحث عن بدائل اوفر ماديا انطلقت، ولكن الهواجس ما زالت قائمة من عدم القدرة على الاستمرار بها.
الحافلات الفرنسية والقطرية قد تسلكان طريق «جحش الدولة»
الحافلات التي قدمت الى لبنان كهبة من فرنسا، لم تكن ذات فائدة على كل اللبنانيين، بعد ان اتخذ وزير الاشغال علي حمية قرارا بتسييرها لأسباب مختلفة منها: ان هذه الباصات لا تجول في كل المناطق اللبنانية، وبالتالي فإن 10% من المواطنين قد يستفيدون منها، الى جانب 3 آلاف حافلة ستقدمها قطر الى لبنان استخدمت في نقل المشجعين خلال كأس العالم، الا ان هذا الامر لم يتم تأكيده رسميا من الجانب اللبناني والقطري حتى اللحظة.
ولكن في ظل غياب تنظيم هذا القطاع، ستبقى الفوضى قائمة، وسعر «السرفيس» لن ينخفض أيضا، واللبنانيون يفتقدون في هذا المجال المتابعة والمحاسبة والمراقبة من قبل المسؤولين. بالإشارة الى ان هذه الهبات قد تتحول الى كومة قطع، شأنها شأن «جحش الدولة» إذا كنتم تذكرونه.
«التوك توك» والدراجة النارية وسيلتا نقل لا منطق لسائقهما!
في الأصل سائق الدراجة النارية، كما «التوك توك» لا يلتزمان قانون السلامة العامة، فحالة الفوضى في هذا القطاع حدّث ولا حرج، كما انها تستوجب تحركا من المسؤولين. وما تجدر الإشارة اليه، ان الامر لا يقتصر على مخالفة هاتين الوسيلتين لسيرهما عكس السير او لحمولتهما التي تتجاوز الحد المنصوص عليه في قانون السير، بل تعداها الامر ليوظفا في عمليات النشل والسلب والتعدي، وكوسيلة نقل عام عن طريق التطبيقات الالكترونية التي تديرها شركات مدعومة من سياسيين.
وفي هذا السياق، عند حصول حادث يتنصّل سائقا الدراجة النارية و»التوك التوك» من المسؤوليات والتعويض والصيانة تجاه الطرف الآخر المتضرر منهم، والسبب بسيط يعود الى تواريهما في زواريب لا يمكن الوصول اليها، وطبعا في ظل غياب تطبيق قانون يكون على مسافة من الجانبين، وبالتالي تطبق قاعدة للمتضرر السلامة وللجاني التنصّل.
ان الأغلبية الساحقة من «التكاتيك» والدراجات النارية غير قانونية، وبالتالي غير مسجلة في النافعة لأسباب عديدة، أبرزها اقفال مراكز التسجيل في النافعة، وأيضا الوضع الاقتصادي الذي زاد في الطين بلّة ودفع بالكثيرين الى التهرب من دفع مستحقات التسجيل، ما أدى الى تراكم المخالفات.
«الديار» تحدثت الى الباحث في مجال حل ازمة السير والنقل العام شوقي حاطوم الذي قال: بداية بالنسبة الى «التوك توك» يتم تسجيله على انه دراجة نارية، كما ويستخدم على هذا الأساس، وفي القانون يمنع استعمالهما كوسيلة نقل عام، الى جانب السيارة الخصوصية. بالإشارة الى ان هاتين الوسيلتين غير آمنتين عند حدوث حادث اصطدام، كما ان التأمين يتبرأ حتى في حال وجوده، بالإشارة الى ان الراكب غير مغطّى، وهو ما يعد مخالفا للقانون مئة في المئة.
ويتابع، اما ويتم توظيفهما في النقل العام عن طريق التطبيقات عبر PLAY STORE، فجميعها غير قانونية. ويضيف: لا يهمنا من هذه المواقع إذا كان عددها كبيرا او محدودا، فكل ما يعني السائق العمومي الشرعي هو العمل ضمن إطار نقل مدعوم.
الحل عبر «بونات البنزين»
في سياق متصل يقول حاطوم، على سبيل المثال إعطاء السائق «بونات بنزين» عبر هذه الآلية يجعل النقل العمومي الشرعي مدعوما، ما يؤدي الى انخفاض في تعرفة النقل. ويتابع: في وقت سابق حدد رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل مروان فياض تعرفة النقل في بيروت للراكب بـ 80 ألفا، وانا أقول يمكن ان تصبح بـ 15 ألفا بحسب الدراسة التي اجريتها. ويردف: يوجد إمكان ان تنخفض التعرفة لتصبح 10000 آلاف ليرة لبنانية في حال انخفض سعر صرف الدولار.
ويدلّل حاطوم بالقول: بالطبع قد يتساءل أي فرد ما إذا كان السائق لن يذهب لبيع بوناته؟ وانا أقول: «ان هذه الآلية من تنظيم النقل العام ستكون منظمة وصارمة التطبيق، فلا يمكن لأي سائق التلاعب. ويتابع: في الدراسة التي اجريتها ترفع اجرة سائق السرفيس الى 50$ فريش بدون البنزين. ويلفت الى ان السائق تحول الى عبد لدى محطات المحروقات، وهذا الامر متفق عليه بين السلطة وتجار المحروقات». ويقول: «بقدر ما يزيد ازدحام السير يرتفع مبيع المحروقات».
مصادر لتمويل قطاع النقل العام
الدراسة التي قام بها حاطوم جاء فيها: «يتم العمل بالخطة وفق هندسة إدارية، وبلا انشاء بنى تحتية وجسور وأنفاق كمرحلة أولية، وفي المستقبل تتكامل مع الـ METRO والقطار والباص السريع وحافلات على الطاقة الشمسية وسيارات على الكهرباء، خاصة للنقل العام ونفق قناطر زبيدة البقاع المعروف بنفق حمانا وأوتوستراد خلدة المعاملتين والاوتوستراد الدائري في بيروت واللامركزية الإدارية إذا تقرر تنفيذها في المستقبل عند استخراج النفط».
يذكر حاطوم في هذا الشأن، « يوجد حوالى 21 مصدرا للتمويل، تتجاوز مبلغ مليارين دولار ونحن بحاجة لدعم 60 ألف صفيحة بنزين يوميا على سعر 20 دولارا أي ما يوازي 400 مليون دولار سنويا». ويضيف «من مصادر التمويل وضع ضريبة نقل على القادمين والمغادرين من مطار رفيق الحريري، كذلك المعابر البرية والجوية وعلى علب السجائر والتبغ على انواعه والكحول والعاب الميسر وطابع مالي لدعم النقل وضريبة نقل على العمال والمهنيين العرب والأجانب باعتبارهم سيستفيدون من النقل المدعوم الشبه مجاني وغيرها من الأمور التي تطرقنا اليها في الدراسة».
ويشير حاطوم الى «ان هذه الدراسة أتت بعد خبرة في هذا المجال لأكثر من 10 سنوات، وان هذا المشروع في حال تمت ترجمته على ارض الواقع يمكن ان تستفيد منه الدول التي تعاني من ازمة مرور ومواقف للسيارات».
السلطة السياسية لا تريد
ويتابع: «المبلغ للدعم متوافر أكثر مما هو مطلوب أي بحوالى الـ 6 مرات، لكن السلطة الحاكمة لا تقبل المضي بهذه الحلول. ويشير الى ان حل ازمة السير وتنظيم النقل العام، الى جانب تأمين المواقف على كافة الأراضي اللبنانية لا يحتاج الى أكثر من شهرين كما ان الاليات متو فرة. ويومئ بالقول، الإرادة موجودة عند الناس الطيبة كما الحلول ولكن القرار متعلق بالسياسيين والسلطة».
واكد ان «هذا هو الحل الوحيد لقطاع النقل المدعوم، الذي من شأنه ان يحمي السائق ويدفعه الى التمسك بوظيفته او عمله. ومثال على ذلك فبدلا من ان يدفع تلامذة المدارس بدل نقل يصل الى حوالى 50 دولارا شهريا، ، فان التكلفة ستتراوح ما بين الـ 400 والـ 450 ألف ليرة شهريا بحسب الدراسة التي أجريت، وهنا الفرق واضح وشاسع لجهة التوفير». ويختم: «فلنتخيل نقل عام مدعوم بنسبة 80% على الأقل يصبح المجتمع طبيعيا وتسير الأمور بأقل ضغط وتشنج على صعيد الحياة الفردية، فمشكلة النقل اليوم تعد هاجساً للكثير من المواطنين، والبعض ترك عمله لعدم قدرته على دفع بدل نقل او بنزين لسيارته».