نداء الوطن
تعكس مروحة الاتصالات الجارية على خط بعبدا – السراي – عين التينة ولعب الرئيس نبيه بري دور الوسيط مع “حزب الله”، مدى التخبط الحاصل والتعقيدات التي تواجه اللجنة الرئاسية المنكبة على صياغة الرد اللبناني الرسمي على ورقة المبعوث الأميركي توم براك الذي يلتقي المسؤولين اللبنانيين في السابع والثامن من الجاري، لتسلم الرد الرسمي.
“الحزب” وعلى الرغم من كل التسريبات والمصادر التي أوحت بموافقته على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” واقتراحه انسحاب الإسرائيلي من التلال الـ 5، بعدها ينسحب شمالاً، فهي ليست إلا عناوين مطاطة، يحاول من خلالها كسب المزيد من الوقت. فـ “الحزب” وإن كان مستعداً لبحث تخفيض جدي لما يعتبره أسلحة استراتيجية صاروخية بشكل خاص، فهو لن يتخلى عن معظم سلاحه انطلاقاً من مبدأ رفضه تعرية هيكله العسكري بالكامل. وعليه قد ينتهي “الحزب” إلى التسليم الجزئي بالشروط المطروحة حول سلاحه، وسط خلاف داخل قياداته وكوادره السياسية والعسكرية بين من يؤيد تسليم السلاح ومن يرفض بالكامل.
عين التينة غير متفائلة
وتلفت معلومات الـ MTV إلى أن مصادر عين التينة غير متفائلة حتى الآن برد إيجابي من “الحزب” على ورقة لبنان وتشير إلى أن الرئيس برّي تحدث بصراحة مع المعاون السياسي للأمين العام السابق لـ “الحزب” حسين الخليل وقال له “ادرسوا المقترح جيداً ما عندكم خيارات وسأكون صريحاً معكم إن تعرقلت الأمور وبقيتم على مواقفكم المتصلبة فلن يتوانى الإسرائيلي عن ضرب لبنان مجدداً على قاعدة يا بتمشوا بالدبلوماسية يا بتمشوا بالحرب”.
وعلمت “نداء الوطن” أن عشاءً جمع عون وبري في بعبدا أمس الأول خصص لبحث ورقة الرد، حيث أكد بري الإيجابية والعمل لتذليل العقبات وإقناع “حزب الله” بالسير بها، في حين لم يصل رد “الحزب” على الورقة ولا يزال يدرسها ولا يريد التسرع بالإجابة أو إعطاء جواب سلبي أو إيجابي حاليًا.
وأكدت مصادر مطلعة أن ورقة براك، تتضمن خريطة طريق، تنص على انحساب “الحزب” من كل الجنوب إلى البقاع، وبعدها من كل البقاع. على أن تضمن المرحلة الثانية الانسحاب من بيروت الكبرى، يتبعها ترسيم الحدود مع إسرائيل وبعدها مع سوريا.
دفع سعودي لاستعجال الرد الإيجابي
وفيما تتواصل الاستعدادات لزيارة براك الإثنين المقبل، حيث عقدت اللجنة الخماسية اجتماعاً دام لحوالى الساعتين مواكبة للملفات اللبنانية العالقة وخصوصاً الرد على ورقة براك، تأتي زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان المفاجئة في توقيتها إلى بيروت، كإشارة إلى مدى عمق الأزمة الحاصلة.
وتلفت مصادر إلى أن زيارة الفرحان، تأتي في مرحلة مفصلية تحدد مصير ومسار لبنان وتموضعه الجديد في التحولات والتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. تضيف المصادر، إن الهدف من الزيارة هو دفع الدولة اللبنانية إلى اللحاق بالتغييرات الحاصلة من خلال رد واضح وإيجابي لا لبس فيه على ورقة براك، لأن السلبية وعدم التعاون، يعنيان دخول لبنان في جحيم الحرب مجددًا، وبالتالي شكلت زيارته دفعًا للإسراع في الرد.
وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن زيارات الفرحان السابقة إلى بيروت، اتسمت بالحسم وتسهيل الاستحقاقات العالقة ولعل كان أبرزها انتخاب رئيس للجمهورية والتوتر الذي شهدته الحدود اللبنانية السورية، وما أعقبها من زيارة لرئيس الحكومة نواف سلام إلى سوريا.
استهداف عنصر من فيلق القدس
تزامنت هذا التحركات والاتصالات، مع تطور أمني خطير. فعلى عمق حوالى 75 كيلومترًا من الحدود مع إسرائيل، وعلى بعد بضعة كيلومترات من مطار بيروت، استهدفت مسيرة إسرائيلية عصر أمس، سيارة على طريق عام خلدة. وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه استهدف مخربًا كان يعمل في مجال تهريب الأسلحة والدفع بمخططات إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين نيابة عن فيلق القدس الإيراني. ولفتت وزارة الصحة اللبنانية إلى سقوط قتيل في الغارة وإصابة 3 بجروح. الاستهداف ترافق مع غارات إسرائيلية عنيفة على وادي زوطر الشرقية – ديرسريان، وكذلك ناحية العيشية المحمودية والجرمق شمال شرق النبطية. وعلق الجيش الإسرائيلي على الغارات بأنها استهدفت مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة تابعة لـ “حزب الله” في جنوب لبنان. كما أغارت مسيرات على حمى زلايا في البقاع الغربي.
وفي رسالة أميركية واضحة على أهمية ما ورد في ورقة براك بضرورة حظر القرض الحسن، نشرت الخزانة الأميركية أمس عقوبات جديدة على أفراد وجماعات مرتبطة بإيران و “حزب الله”. وفي التفاصيل، فإن المسؤولين الذين شملتهم العقوبات الأميركية، شغلوا مناصب عليا في مؤسسة “القرض الحسن” وسهلوا التهرب من العقوبات الأميركية، وهم 7 مسؤولين كبار وكيان واحد مرتبطين بمؤسسة “القرض الحسن”.
جعجع: تلويح بالانسحاب
ملف تسليم السلاح حضر في لقاء جمع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بعدد من الإعلاميين. حيث طالب جعجع بعرض الاقتراح الأميركي على مجلس الوزراء لمناقشته، بدل الأعراف الحاصلة كأن يكون الرئيس بري وسيطاً والتفاوض مع “حزب الله”، باعتباره أن القرار يجب أن يكون محصوراً بالدولة، وفي حال فشل مجلس الوزراء في البت بملف السلاح، عندها قد تقترح “القوات” مشروع قانون معجل مكرر داخل مجلس النواب. يلاحظ جعجع مقاربة الرؤساء عون بري وسلام الملفات بطريقة تقليدية، يحافظون من خلالها على علاقتهم مع بعضهم البعض على حساب الموقف، ملوحًا بانسحاب وزراء “القوات” من الحكومة في حال استمرار المراوحة والهذيان.
رئيس “القوات” الذي أشار إلى سقوط نظرية أن السلاح كان يحقق توازن ردع مع إسرائيل، أكد أن السلاح بات اليوم عامل جذب للاعتداءات الإسرائيلية، ودعا إلى نزعه من كل لبنان وليس فقط من جنوب الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل كما يدعي “حزب الله”، واعتباره أن مطلب نزع السلاح داخلي أولاً وخليجي وأوروبي وأميركي ثانياً.
جعجع الذي أكد أن “الحزب” أعاد لبنان “سويسرا الشرق” إلى الوراء، حيث بات مرادفاً للكبتاغون وتهريب السلاح المتفلت والحدود السائبة، لفت إلى حادثة حصلت مع مسؤول لبناني خلال زيارته ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حين طالبه بالسماح للسعوديين بزيارة لبنان، فسأله بن سلمان: “هل تضمن سلوكهم طريق المطار؟” فأجاب المسؤول بـ “كلا لا أضمن”.
جعجع الذي علق على الحوار الثنائي بين الرئيس و”الحزب” بالقول: “عطينا 5 شهور للرئيس بزيادة”، تطرق إلى ملف انتخابات المغتربين، وأكد المضي قدماً في المواجهة داخل البرلمان وتشكيل قوة ضاغطة من خلال عريضة وقعها 62 نائباً، لافتاً إلى صعوبة الوصول إلى النصف زائدًا واحدًا، وامتناع بعض الأحزاب عن التوقيع على غرار حزب الطاشناق الذي يرفض التوقيع ويؤيد تصويت المغتربين للـ 128 نائباً. ولفت جعجع إلى مواصلة الضغط إلى حد قد يدفع بالحكومة إلى الاستعانة بشركات إحصاء عالمية للوقوف على رأي المنتشرين.
جعجع الذي سرد قصة إقرار القانون النسبي في العام 2017 يقول إنّ الأمر استغرق حينها نقاشًا طويلًا للوصول إلى الصيغة النهائيّة للقانون، ولقيت ملاحظات “القوات” اعتراضاً “ممّن كانوا مع بعضهم البعض في السرّاء والضرّاء، قبل أن يصبحوا اليوم مع بعضهم في السرّاء فقط”. وأضاف: “شعر جبران باسيل حينها، بخطر تصويت المغتربين فاقترح بدعة المقاعد الستّة لنوّاب الاغتراب، وتوافق معه “حزب الله” و”أمل”، فوصلنا إلى معادلة الاختيار بين اعتماد مشروع القانون كما هو أو البقاء على القانون السابق”.
وأشار جعجع إلى أنّ “الحكومة لم تكن جاهزة عندها لآليّة التصويت لنوّاب الاغتراب الستّة، فوافقنا على السير بالقانون على أن نعمل لاحقاً على إدخال تعديلاتٍ عليه”. وفي هذا السياق وجه الأساقفة الموارنة في بلدان الانتشار، كتابًا إلى الرؤساء عون وبري وسلام مطالبين بموجبه بإلغاء المادّة 112 من قانون الانتخابات الحالي بشكل نهائي وفقًا لاقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من كتل نيابية عدة ونواب مستقلين والمسجّل آملين عرض الاقتراح على أول جلسة هيئة عامّة مقبلة للمجلس النيابيّ.
وسط كل هذه التحركات، يبقى ملف التجديد لقوات “اليونيفيل” مثار قلق ومتابعة. فقد علمت “نداء الوطن” أنه ما من قرار واضح، وحتى الجانب الفرنسي ليس لديه نص يمكن تمريره داخل مجلس الأمن، ويشعر بقلق من الاعتراض الأميركي والإسرائيلي. وتلفت المصادر إلى أن التعديل بات ضروريًا لتمرير التجديد، ويبدو أن فرنسا تنسق مع روسيا والصين بهدف إقناعهما بضرورة الامتناع عن التصويت، عندها قد يصدر قرار جديد معدل لمهام “اليونيفيل”.