قراراتك الجامعيّة تصنع مستقبلك: كيف تختار وظيفة العمر؟
“الديار” تكشف أسرار التخصصات المطلوبة لعقود مقبلة!
في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبح اختيار المجال الجامعي الاستراتيجي، قرارا مصيريا للطالب الذي يتخرج في الثانوية العامة. فالتخصص المناسب لا يمنحه فقط فرصة وظيفة مستقرة، بل يفتح أمامه آفاق التطور المهني والأكاديمي لعقود مقبلة. من هنا، ترافقت “الديار” مع الدكتورة الجامعية جنيفر الخوري أبو جودة، لتقديم نصائح عملية تضمن للجيل الجديد اتخاذ قرارات تعليمية ومهنية واعية وناجحة.
الاختيار السليم.. الخطوة الأولى في المشوار المهني!
بناء على ما تقدم، تقول ابو جودة لـ “الديار”، انه: “بالنسبة الى التخصصات الجامعية التي ستظل مطلوبة لعقود مقبلة، تتوزع على هذا الشكل:
ادارة الاعمال: يتصدر هذا التخصص القائمة بفضل المرونة الكبيرة التي يتمتع بها، اذ يمكن لخريجيه الالتحاق بجميع المجالات تقريبا على سبيل المثال: الذهب والازياء والسيارات والطيران والنقل وسواها. لذلك، يفتح هذا الاختصاص امام الطالب ابوابا للتخصصات الابداعية والفنية (الفنون الرقمية). من أبرزها التصميم الغرافيكي، الذي أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالتسويق الرقمي والالكتروني. لذا، فإن الجمع بين هذين المجالين (التصميم والتسويق) يشكل اليوم قاعدة اساسية للمستقبل، سواء على مستوى العالم الرقمي (online) او الواقعي (offline)”.
القطاعات شبه الطبية (paramedical): شهدت هذه التخصصات ارتفاعا ملحوظا في الطلب، خصوصا بعد الازمات الصحية العالمية. ومن اهمها:
اﻟﻌﻼج اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ (Physiotherapy)، ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﺮﻛﻲ (Psychomotricity)، ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ (Psychology)، ﻋﻼج اﻟﻨﻄﻖ واﻟﻠﻐﺔ (Speech Therapy / Orthophoria) اﻟﺘﻤﺮﯾﺾ (Nursing). تمثل هذه اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﺎت دﻋﺎﻣﺔ أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺼﺤﯿﺔ وﺗﺰداد اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﯿﮭﺎ عاما ﺑﻌﺪ ﻋﺎم”.
ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ (Psychology): ﯾﺤﺘﻞ ﻣﻮﻗﻌﺎ ﻣﺘﻘﺪّماً أﯾﻀًﺎ، إذ ﺑﺎﺗﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤّﺔ الى اﻠﻤﺘﺨﺼﺼﯿﻦ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻟﺘﻄﻮﯾﺮ اﻷدوﯾﺔ، وﻣﻮاﻛﺒﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ واﻟﻌﻼج اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ دوره اﻟﻤﺤﻮري ﻓﻲ ﺗﻌﺰﯾﺰ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻷﻓﺮاد واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت.
اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻤﺘﺨﺼّﺼﺔ (Translation & Copywriting): رﻏﻢ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺴﺎﺋﺪ ﺑﺄن اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻓﻘﺪت أھﻤﯿﺘﮭﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ، إﻻ أنّ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻟﺮﺳﻤﯿﺔ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﮭﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﺑﺸﺪّة، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ظﻞ اﻟﺘﺒﺎدل اﻷﻛﺎدﯾﻤﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺪول.
ومنبثقا منها، ﯾﺒﺮز ﻣﺠﺎل اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺴﻮﯾﻘﯿﺔ (Copywriting) اﻟﺬي ﯾﺸﮭﺪ ﻧﺪرة واﺿﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻔﺎءات، إذ ﺗﻤﻀﻲ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت شهورا طﻮﯾﻠﺔ بحثاً ﻋﻦ ﻣﺨﺘﺼّﯿﻦ ﻗﺎدرﯾﻦ ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج ﻣﺤﺘﻮى أﺻﯿﻞ، دﻗﯿﻖ، وواﺿﺢ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻟﻨﻘﻞ اﻟحرفي او النسخ غير المدروس.
اﻟﻄﺐ واﻟﺮﻋﺎﯾﺔ اﻟﺼﺤﯿﺔ: اﻟﻄﺐ اﻟﺒﺸﺮي، طب اﻷﺳﻨﺎن، اﻟﺘﻤﺮﯾﺾ، ﻋﻠﻮم اﻟﻤﺨﺘﺒﺮات اﻟﻄﺒﯿﺔ، اﻟﻌﻼج اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ، اﻟﺼﯿﺪﻟﺔ.
اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ: ھﻨﺪﺳﺔ اﻟﺒﺮﻣﺠﯿﺎت، اﻷﻣﻦ اﻟﺴﯿﺒﺮاﻧﻲ، ھﻨﺪﺳﺔ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة، ھﻨﺪﺳﺔ اﻟﻄﯿﺮان واﻟﻔﻀﺎء.
اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺨﻀﺮاء واﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ: اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺘﺠﺪدة، اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪاﺋﺮي، ﻋﻠﻮم اﻟﺒﯿﺌﺔ.
ﺗﻘﯿﯿﻢ الطلاب اﻟﻔﺮص اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﻤﺠﺎل دراﺳﺘﮭﻢ ﻗﺒﻞ اﺧﺘﯿﺎر المجال
وتؤكد أنه: “عند الحديث عن اختيار التخصص الجامعي، غالبًا ما تُوجّه الثقافة السائدة في لبنان الطالب إلى النظر في علاماته الدراسية، أو اتباع خطى أحد أفراد العائلة ممن سبقوه في مهنة معينة، أو الالتحاق بمجال عمل متوارث في العائلة. غير أنّ المنطق والعلم يشيران إلى أنّ الخطوة الأولى يجب أن تنطلق من شخصية الطالب نفسه ومدى توافقها مع طبيعة التخصص”.
وتفصّل الأسئلة الجوهرية التي ينبغي أن يطرحها الطالب على نفسه وتتضمن:
هل أستطيع تحمّل دوام عمل طويل قد يمتدّ الى عشر ساعات يوميًا؟
هل أستمتع بالتواصل مع الآخرين والتفاعل معهم بشكل دائم؟
هل أميل إلى مساعدة الناس، لكنني أحتاج في الوقت نفسه إلى مساحة شخصية ووقت خاص بعيدًا عن ضغوط العمل؟
تعود لتشرح: “ان طﺒﯿﻌﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ تنعكس ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ على ﻣﺪى ﻧﺠﺎح اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﺼﺺ، ﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺼﺤﯿﺔ كاﻟﻄﺐ أو اﻟﺘﻤﺮﯾﺾ أو اﻟﻌﻼج اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ، ﺣﯿﺚ ﯾﺘﻄلب اﻷﻣﺮ ﻗﺪرة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻤّﻞ واﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ. وﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل، ھﻨﺎك ﺗﺨﺼﺼﺎت مثل الهندسة واﻟﻄﺐ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﻌﺪﻻت أﻛﺎدﯾﻤﯿﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ، ﻏﯿﺮ أنّ اﻟﺸﺮط اﻷﻛﺎدﯾﻤﻲ وﺣﺪه ﻻ ﯾﻜﻔﻲ؛ إذ إنّ اﻻﻧﻄﻼﻗﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن يكون ﻣﻦ رﻏﺒﺔ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻓﻲ ﻋﯿﺶ ﺗﺠﺮﺑﺔ مهنية ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ ﻣقبلة، ﺑﻤﺎ ﯾﺘﻼءم ﻣﻊ ميوله وقناعاته”.
اكتشاف سوق العمل المتعلق بالمهنة المستقبلية
وتنصح ابو جودة الطالب ان يسأل نفسه الاسئلة الاتية:
- ھﻞ هذه المهنة مؤمنة ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن؟ أم أنّ ﻣﻤﺎرﺳﺘﮭﺎ تستوجب اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج؟
- ھﻞ أنا مستعد الى الانتقال والعيش ﻓﻲ ﺑلد آخر إذا استلزم اﻷﻣﺮ؟
- ﻣا هي فرص التوظيف الفعلية ﻋﻠﻰ المدى البعيد ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل؟
وتشير الى ان “اﻻﻧﺘﺒﺎه الى هذه اﻷﺳﺌﻠﺔ واﻻﻋﺘﺒﺎرات يمنع الطالب لاحقاً ﻣﻦ اﻟﻨﺪم ﻋﻠﻰ اﺧﺘﯿﺎر ﻣﺴﺎر مهني ﻻ ﯾﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ شخصيته أو ﺗﻄﻠﻌﺎته. وﺑﺬﻟﻚ ﯾﺼﺒﺢ ﻗﺮار اﻟﺘﺨﺼﺺ قراراً ﻣﺪروﺳﺎ قائماً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ، واﻟﻘﺪرات اﻷﻛﺎدﯾﻤﯿﺔ، وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت سوق العمل”.
براعات ﯾﺠﺐ اتقانها!
وتكشف لـ “الديار” ان: “ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺨﺒﺮات والامكانات اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ اكتسابها ﻟﻀﻤﺎن ﻣﺮوﻧﺔ مهنية وﻓﺮص ﻋﻤﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ أوﺳﻊ، وﻟﺠﻌﻞ سيرته اﻟﺬاﺗﯿﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﻨﺎﻓﺴﯿﺔ، ﻣﺎ ﯾأتي:
- مهارات اﻟﺘﻮاﺻﻞ (Communication Skills): ﻻ ﺑﺪ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻣﺘﻼك ﻗﺪرة ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﯾﻦ ﺑﻮﺿﻮح وﻓﻌﺎﻟﯿﺔ. اذ نلاحظ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ وﺟﻮد ﺿﻌﻒ ﻣﻠﺤﻮظ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﺑﺎﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ، ﻛﺎﻹنكليزﯾﺔ أو اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ، ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎدﺛﺔ أو اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ. وﻣﻊ ﺗﺰاﯾﺪ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ، ﺑﺎﺗﺖ هذه اﻟﻔﺠﻮة أﻛﺒﺮ، ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ أن ﯾﻌﻤﻞ ﺑﺠﺪﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺴﯿﻦ لغته وﺻﻘﻞ أﺳﻠﻮبه. ﻓﺈﺗﻘﺎن اﻟﻠﻐﺎت ﯾﻔﺘﺢ أﻣﺎمه ﻓﺮﺻﺎ ﻣﺤﻠﯿﺔ ودوﻟﯿﺔ، ويمنحه ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﻤﯿﺰة ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ”.
- اﻻﺳﺘﻘﻼﻟﯿﺔ وﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ: إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺘﻮاﺻﻞ، ﯾﺠﺐ أن ﯾﺴﻌﻰ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻷن ﯾﻜﻮن ﺷﺨﺼاً قادراً ﻋﻠﻰ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات وﺗﺤﻤﻞ نتائجها. ﻗﻮة اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ھﻨﺎ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺼﻼﺑﺔ أو اﻟﻌﻨﺎد، ﺑﻞ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻨﻀﺞ، واﻻﺳﺘﻘﻼﻟﯿﺔ، واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻮاب واﻟﺨﻄﺄ. هذه اﻟﺴﻤﺔ أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﯿﺌﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ، ﺣﯿﺚ ﯾُﺘوقع ﻣﻦ الموظف أن ﯾﻜﻮن ﻣﺒﺎدراً وﻣﺴﺆوﻻ ﻋﻦ انجازاته، ﻻ ﻣﺠﺮد ﻣﻨﻔّﺬ ﻟﻠﺘﻌﻠﯿﻤﺎت. إنّ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﯾﺮ هذه القدرات، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ المؤهلات اﻷﻛﺎدﯾﻤﯿﺔ، ﯾﻤﻨﺢ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻀﺎﻓﺔ ﺣﻘﯿﻘﯿﺔ، ويجعله أﻛﺜﺮ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ ﺳﻮق ﻋﻤﻞ ﺳﺮﯾﻊ اﻟﺘﻐﯿﺮ”.
تأثير التطورات التكنولوجية والرقمية في اختيارات التخصصات الجامعية المستقبلية
وتبيّن “أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﯿﻮم ﺣﺎﺿﺮة ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺠﺎﻻت، ودورھﺎ اﻷﺳﺎس ھﻮ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﯾﺮ هذه اﻟﻤﺠﺎﻻت، ﻻ أن ﺗﺤﻞّ ﻣﻜﺎن اﻹﻧﺴﺎن. إنّ اﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺴﺎﺋﺪ ﺑﺄنّ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺳﺘُﻘﺼﻲ ﺑﻌﺾ المهن أو تجعلها ﻏﯿﺮ ﺿﺮورﯾﺔ ھﻮ ﺗﻔﻜﯿﺮ ﺧﺎطﺊ أﺛﺒﺖ اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﺘﻰ اﻵن ﺑﻄﻼنه. ﻓﺄيّ ﺗﺨﺼﺺ، ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻄﺐ أو الهندسة أو إدارة اﻷﻋﻤﺎل أو ﻏﯿﺮھﺎ، ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻜﻮن مرتبطا ﺑﺎﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ثانٍ، ﯾﺠﺐ أن ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ جزءا ﻣﻜملا ﻟﻠﺘﺨﺼﺺ، ﻻ بديلا عنه. ﻟﺬﻟﻚ، ﻓﺈن اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﺪﻣﺞ ﻋﻠﻮم اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﯿﺔ واﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ برامجها اﻷﻛﺎدﯾﻤﯿﺔ، ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﺎت وﺑﺪون اﺳﺘﺜﻨﺎء، ھﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﯿﺢ لطلابها ﻓﺮصا أﻛﺒﺮ ﻟﻼﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً. ﻓﺎﻣﺘﻼك اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ تخصصه اﻷﺳﺎﺳﻲ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻷدوات اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺳﯿﻤﻨحه ﻣﯿﺰة ﺗﻨﺎﻓﺴﯿﺔ ويجعله ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﯾﺮ ﻣﺠاله، ﻻ ﻣﺠﺮد ﻣﺘﺄﺛﺮ به”.
الموازنة بين الميول الشخصية وفرص النجاح المهني
وتشرح “ان ﻧﻘﻄﺔ اﻻﻧﻄﻼق اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺘﺨﺼﺺ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺷﺨﺼﯿﺔ اﻟﻄﺎﻟﺐ وﻣﯿﻮله وما ﯾﺤﺐ أو ﻻ ينبغي اﻟﻘﯿﺎم به. ﻓﺈذا ﺟﺮى اﺧﺘﯿﺎر المهنة واﻟﺪراﺳﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﺳﺎس، ﻓﺈن ﻓﺮص اﻟﻨﺠﺎح المهني ﺳﺘﻜﻮن ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺟﺪا. ذﻟﻚ أنّ اﻟﻄﺎﻟﺐ، ﺣﺘﻰ وإن ﻛﺎﻧﺖ شخصيته ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﻻ ﺗﺨﺪم المهنة ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ، ﻓﺈن شغفه وحبه لها سيدفعانه إﻟﻰ ﺑﺬل الجهد اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻟﺘﻌﺪﯾﻞ ﺳﻠﻮﻛﯿﺎته وﺗﻨﻤﯿﺔ مهاراته ﺑﻤﺎ ﯾﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻤﺠﺎل. ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل: ھﻨﺎك ﻛﺜﯿﺮون ﯾﻌﺸﻘﻮن مهنة اﻟﻄﺐ واﻟﺠﺮاﺣﺔ، لكن بطبيعتهم اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﯾﻤﯿﻠﻮن إﻟﻰ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺪاﺋﻢ وﻻ ﯾﻄﯿﻘﻮن اﻟﺠﻠﻮس ﻟﻔﺘﺮات طﻮﯾﻠﺔ. ﻏﯿﺮ أنّ حبهم اﻟﻌﻤﯿﻖ لهذه المهنة ﯾﺠﻌﻠﮭﻢ ﻗﺎدرﯾﻦ، ﺧﻼل حياتهم المهنية، ﻋﻠﻰ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ داﺧﻞ ﻏﺮف اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت، ﺣﺘﻰ وإن ظﻠﻮا ﻓﻲ حياتهم اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ أﺷﺨﺎﺻﺎ ﻣﻔﻌﻤﯿﻦ ﺑﺎﻟﺤﯿﻮﯾﺔ واﻟﺤﺮﻛﺔ. وھﺬا ﻣﺎ نسميه اﻟﺘﻨﺎغم ﺑﯿﻦ اﻟﻤﯿﻮل اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت المهنة؛ ﻓﻤﺠﺮّد أن ﯾﺤﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻤله ﯾﺠﻌله ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﺘﻄﻮﯾﺮ ﺳﻠﻮكه اﻟﻤﮭﻨﻲ (Organizational Behavior) واﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻤﻞ، ﻣﻤا يمنحه ﻗﺪرة أﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻤﺮار وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻨﺠﺎح فيه”.
الاختصاصات التي يجب اختيارها
وتقول: “أول ﻣﺎ أﻧﺼﺢ به اﻟﻄﻼب اﻟﺠﺎﻣﻌﯿﯿﻦ ﻓي سنتهم اﻷوﻟﻰ ھﻮ أن ﯾﺄﺧﺬوا دراستهم ﺑﺠﺪﯾﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﯿﻮم اﻷول. ﻓﺎﻟﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﯾﺨﺘﻠﻒ كلياُ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ؛ إذ إن اﻟﺮﺳﻮب اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻻ ﯾﻜلف اﻟﻄﺎﻟﺐ ﺳﻨﻮات إﺿﺎﻓﯿﺔ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﯾﺤمله ايضاً أﻋﺒﺎء ﻣﺎﻟﯿﺔ ﻛﺒﯿﺮة وﯾﺆدي إﻟﻰ ﺿﯿﺎع ﻓﺮص ﺛﻤﯿﻨﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺘﺮﻛﯿﺰ واﻟﺠﺪﯾﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ”.
وترشد اﻟﻄﺎﻟﺐ الى طرح أسئلة استفسارية منذ السنة الأولى، وتشمل:
- ھﻞ أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﺼﺺ اﻟﺼﺤﯿﺢ اﻟﺬي ﯾﻨﺎﺳﺒﻨﻲ؟
- ھﻞ أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺤﻨﻲ اﻟﺒﯿﺌﺔ الفضلى؟
- ھﻞ اﻟﺠﻮ اﻷﻛﺎدﯾﻤﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻤﺤﯿﻂ ﺑﻲ ﯾﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻄﻮر؟
وتضيف: “أي ﺷﻌﻮر ﺑﻌﺪم اﻟﺮاﺣﺔ أو ﻋﺪم اﻻﻧﺴﺠﺎم ﻣﻊ اﻟﺘﺨﺼﺺ أو اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﯾﺠﺐ أﻻ يُهمل، ﺑﻞ المطلوب معالجته ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻀﯿﻊ الطلاب ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﻋﻤﺮهم. إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ذﻟﻚ، اوصيهم ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ اﻟﺪاﺋﻢ ﻋﻦ ﻓﺮص اﻟﺘﺪرﯾﺐ اﻟﻌﻤﻠﻲ. كثيرا ﻣﺎ ﯾُﺴﺄل: ﻛﯿﻒ ﯾُﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺮﯾﺠﯿﻦ اﻟﺠﺪد أن ﯾﻤﺘﻠﻜﻮا ﺧﺒﺮة ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﻤﻠﻮا ﻓيه ﺑﻌﺪ؟ اﻟﺠﻮاب أنّ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﯿﺴﺖ داﺋما ﺧﺒﺮة ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ، ﺑﻞ ﺧﺒﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ: الالتزام بالمواعيد، الانضباط، القدرة على تحمل المسؤولية وعدم التعامل مع الأمور بعاطفة مفرطة. أي وظيفة مؤقتة أو عمل صيفي حتى ولو لم يكن ﻣﺮﺗﺒطا مباشرة بالتخصص يمكن ان يمنح الطالب دفعة قوية لمسيرته الاكاديمية والمهنية”.
وتوضح لـ “الديار” ان: “اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ اﻻﻧﺘﺒﺎه إﻟﯿﮭﺎ ﻋﻨﺪ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ تتمثل في هذه العناصر:
- اﻟﺘﺮﺧﯿﺺ واﻻﻋﺘﺮاف اﻟﺮﺳﻤﻲ: اﻟﺘﺄﻛﺪ اولا ﻣﻦ أنّ الجامعة مرخصة رسميا، وأنّ وزارة التربية والتعليم العالي ﻓﻲ لبنان تعادل شهادتها.
- قبول النقابات المهنية: في حال كانت المهنة من المهن الحرة (ﻛﺎﻟﻄﺐ، والهندسة، واﻟﺤﻘﻮق)، ﯾﺠﺐ اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أنّ اﻟﻨﻘﺎﺑﺔ اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ وﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻧﺘﺴﺎب خريجيها إﻟﯿﮭﺎ، ﻷن اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﺮﺳﻤﻲ وﺣﺪه ﻻ ﯾﻜﻔﻲ.
- الاعباء النقدية واﻟﻤﻌﻨﻮية: ﻣﻦ المهم اﺧﺘﯿﺎر ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻻ ﺗﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻟﺐ نفقات إﺿﺎﻓﯿﺔ، ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻜﻠﻔﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ أو ﻣﻦ ﺣﯿﺚ إﻟﺰامه ﺑﻤﻮاد ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ بتخصصه اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ.
- ﺟﻮدة اﻟﻤﻨﺎھﺞ وارتباطها باﻟﺘﺨﺼﺺ: تفرض ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﻣﻮاد ﻻ ﺗﺨﺪم اﻟﻤﺴﺎر اﻷﻛﺎدﯾﻤﻲ ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ، ﺑﯿﻨﻤﺎ تلك اﻟﺮﺻﯿﻨﺔ ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻤﻘﺮرات اﻟﺪراﺳﯿﺔ متصلة ﻣﺒﺎﺷﺮة بالتخصص، ﻣﻊ إﺿﺎﻓﺔ ﻣﻮاد ﺛﺎﻧﻮﯾﺔ ﻣﻔﯿﺪة تهدف إﻟﻰ ﺗﻄﻮﯾﺮ ﺷﺨﺼﯿﺔ اﻟﻄﺎﻟﺐ وﻣﮭﺎراته، ﻻ إﻟﻰ إﺛﻘﺎله ﺑﺄﻋﺒﺎء ﻏﯿﺮ ﺿﺮورﯾﺔ.