أحداث رئيسية وقعت في رمضان (ولادة الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب: الحلقة الثالثة)

Share to:

نضال العضايلة

بما أننا الآن في شهر رمضان المبارك وهو شهر الفتوحات والأحداث الجسام في تاريخنا العظيم، رأيت أن أكتب بعض الحلقات، وهي حلقات تتعلق بأهم الأحداث التي وقعت في هذا الشهر الكريم مع الدخول في تفاصيل أو جزئيات الحدث.

الحلقة الثالثة: أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي (15 رمضان 3 هـ ، الموافق 4 مارس 625 م، وهو سبط الرسول محمد، أطلق عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم لقب سيد شباب أهل الجنة فقال: «الحسَنَ والحُسَيْنَ سيِّدا شبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، وهو رابع أصحاب الكساء.
أبوه علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد، أمه: فاطمة بنت النبي محمد، وقيل إنه أشبه الناس بالنبي.

كان النبي محمد يحبه كثيرًا ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه»، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان الحسن يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، كما كان يعلمه الحلال والحرام.

توفيت أمه فاطمة في نفس السنة، شارك الحسن في الجهاد في عهد عثمان، فشارك في فتح إفريقية تحت إمرة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وشارك في فتح طبرستان وجرجان في جيش سعيد بن العاص، كما شارك في معركة الجمل ومعركة صفين.

بويع بالخلافة في أواخر سنة 40 هـ بعد وفاة علي بن أبي طالب في الكوفة، واستمر بعد بيعته خليفة للمسلمين نحو ستة أشهر، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الأمور.

انتقل الحسن بعد ذلك من الكوفة إلى المدينة المنورة وعاش فيها بقية حياته حتى توفي في سنة 49 هـ، وقيل سنة 50 هـ لخمسِ ليالٍ خَلَونَ من شهر ربيع الأول، ودفن بالبقيع.

يعتبره أهل السنة والجماعة خامس الخلفاء الراشدين وأن النبي بشّر أنه سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وبسببه انتهت الفتنة، ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية أنه الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر، ومن المعصومين الأربعة عشر، ومن أصحاب الكساء.

قيل إنّ الحسن كان كثير الزواج والطلاق، وشكك البعض بذلك، ولا يُعرف من أسماء زوجاته إلا إحدى عشرة زوجة بما فيهنّ أمهات الأولاد، ذكر الذهبي أن للحسن اثني عشر ابنًا ذكرًا، وذكر أنه ولم يُعقِب منهُم سِوى الحسن المثنى وزيد بن الحسن، وذكر الفخر الرازي أن له من الأولاد ثلاثة عشر ذكرًا وست بنات، وذكر المفيد خمسة عشر ولدًا ذكرًا وأنثى.

نسبه رضي الله عنه هو: الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، والإمام الأول عند الشيعة الاثنا عشرية، وابن عم النبي محمد.

أمه: فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، لذلك يُعرف بـ “سبط رسول الله”، والسبط كلمة تُطلق على الأولاد بشكل عام، وقيل: أولاد الأولاد، وأولاد البنات، وقيل معناه الطائفة أو القطعة، فيكون معنى “سبط رسول الله” أي قطعة منه دلالة على شدة حبه له وللحسين.

كنيته: أبو محمد، وله العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهم: الحسين والمحسن وزينب وأم كلثوم، والحسن هو الابن الأكبر لعلي وفاطمة.

سيرته في عهد الخلفاء الراشدين
في عهد أبي بكر وعمر لم يتجاوز سن الحسن في عهد أبي بكر الصديق الثامنة أو التاسعة، ولا يُذكر عنه الكثير في تلك الفترة، وتوفي أبو بكر في سنة 13 هـ، وفي عهد عمر بن الخطاب قطع الحسن دور الصبا وأصبح شابًا، وكانت سياسة عمر أن يُجل السبطين: الحسن والحسين، ويجعل لهما نصيبُا من الغنائم، ووردت إليه حُلل من وشي اليمن فوزعها على المسلمين ثم أرسل إلى عامله على اليمن أن يرسل له حلتين، فأرسلهما إليه فكساهما للحسن والحسين، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما علي بن أبي طالب، وألحقهما بفريضة أهل بدر، وكانت خمسة آلاف دينار.

في عهد عثمان بن عفان بلَغَ الحسنُ في عهد عثمان نيفًا وعشرين سنة، والتحق بالجيش والجهاد، فذكر ابن خلدون أن جيش عقبة بن نافع في إفريقية كان عشرة ألاف ولم يستطع فتحها، وصالح أهلها على مال يؤدونه، ثم استأذن عبد الله بن أبي السرح عثمان أن يذهب لفتح إفريقية، وطلب منه أن يُمدّه بجيش من المدينة، فأرسل له عثمان جيشًا، فيه عبد الله بن عباس والحارث بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحُسين، وفتحوها سنة 26 هـ أو 27 هـ.

وفي سنة 30 هـ غزا الحسن مع أخيه الحُسين وابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف».

وفي سنة 35 هـ حوصر عثمان بن عفان في داره، ويذكر ابن خلدون أنه لما أقسم عثمان على الناس لينصرفوا عن الدفاع عنه، انصرفوا جميعًا إلا الحسن ومحمد بن طلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير أبوا إلا أن يدافعوا عنه، قال الحسن البصري: «كان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرد الناس عن الدار بسيفين يضرب بيديه جميعًا.».

وتذكر مصادر أهل السنة أنه لما قُتل عثمان حزن عليه الحسن حزنًا شديدًا، يقول طه حسين: «لم يفارق الحسن حزنه على عثمان.»، بينما أغلب المراجع الشيعية أن الحسن لم يدافع عن عثمان، يقول باقر شريف القرشي: «هذا القول بلا شك من موضوعات الأمويين».

في عهد ابيه علي بن ابي طالب بعدما بويع علي بالخلافة، عزم على الخروج للعراق، وتذكر عدد من المصادر التاريخية أن الحسن كان لا يريد أباه أن يخرج من المدينة، ولما خرجوا إلى البصرة، أرسل علي الحسن وعمار بن ياسر إلى الكوفة لعزل أبي موسى الأشعري وتولية قرظة بن كعب بدلًا منه، وليقوما باستنفار الناس وحثهم على الخروج معه، ثم حدثت معركة الجمل وكان الحسن على الميمنة وقيل على الميسرة، قال الصفدي: «وكان يكره القتال ويشير علي أبيه بتركه».

وكذلك حضر معركة صفين وكان على الميمنة أيضًا، وتذكر المصادر الشيعية أن علياً أمر الحسن أن يلقي خطبة يبين فيها أسباب المعركة، ولم تذكر المصادر أنه شارك في معركة النهروان، وسكن الحسن الكوفة مع أبيه حتى مقتله.

قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه أثناء الصلاة بسيف مسموم، ثم حُمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه، وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين.

ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال، وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه، وصلى عليه الحسن، وكبر عليه أربعًا، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، ودُفن في السحر، وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن، فلما مات علي ودُفن، بعث الحسن إلى ابن ملجم، فأخرجه من السجن فقتله، وقيل أمر بضرب عنقه.
ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية ورجع بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة المنورة واستقر بها، وكانت زعامة بني هاشم عنده.

وتنص المصادر على أن الحسن كان يقدم على معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فقدم عليه مرة فقال له معاوية: «لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحدًا قبلك ولا أجيز بها أحدًا بعدك، فأعطاه أربع مائة ألف فقبلها.» وكان الحسن يفد كل سنة إلى معاوية فيصله بمائة ألف درهم.

ونقل ابن كثير أن الحسن وعبد الله بن الزبير وفدا على معاوية، فقال للحسن: «مرحبا وأهلا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وأمر له بثلاثمائة ألف، وقال لابن الزبير: «مرحبا وأهلا بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.» وأمر له بمائة ألف.

وينقل بعض علماء الشيعة مثل ابن أبي الحديد ومحمد باقر المجلسي أن الحسن دخل على معاوية بعد عام الجماعة وبعد الحديث بينهما قال معاوية للحسن: «يا بن أخي، بلغني أن عليك دينا، قال: إن لعلي دينا، قال: كم هو؟ قال: مائة ألف، فقال: قد أمرنا لك بثلاثمائة ألف، مائة منها لدينك، ومائة تقسمها في أهل بيتك، ومائة لخاصة نفسك، فقم مكرما، واقبض صلتك.».

اختُلِف في زمن وفاة الحسن، وأكثر الآراء أنه توفي سنة 49 هـ وهو قول الواقدي وخليفة بن خياط، وقيل سنة 50 هـ وهو قول المدائني وابن الكلبي والزبير بن بكار، وقيل 51 هـ وهو قول محمد بن إسماعيل البخاري ورجََّحه خالد الغيث.

مات وهو ابن سبع وأربعين سنة، أو ثمان وأربعين سنة، ورُوى أنه قبل مماته رأى رؤيا كأنّ بين عينيه مكتوبٌ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”، ففسرها سعيد بن المسيب أن أجله قد اقترب، قال أبو نعيم الأصبهاني: «لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع، فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسُرّيَ عنه. وفي رواية: أن القائل له ذلك الحسين، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط، قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما».

أمّا عن سبب وفاته، فالمشهور عند السنة والشيعة أنه قُتل مسمومًا، قال قتادة بن دعامة: «قال الحسن للحسين: قد سقيت السم غير مرة، ولم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي. فقال: من فعله؟ فأبى أن يخبره.»، وقال ابن حجر العسقلاني: «يقال إنه مات مسمومًا.»، أما عن قاتله فاختُلف في ذلك، حيث تذكر أغلب المصادر الشيعية أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي من سقته السم بإيعاز من يزيد بن معاوية، وقيل بإيعاز من معاوية نفسه، بينما ينكر أهل السنة هذا الخبر، يقول ابن خلدون: «وما نُقل من أن معاوية دسَّ إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، حاشا لمعاوية من ذلك.»، وقال الذهبي: «هذا شيء لا يصح؛ فمن الذي اطلع عليه!».

صفاته الخَلقية كان الحسن أشبه الناس بالنبي، أكثر من مشابهته لأبيه، جاء في صحيح البخاري:«عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول:بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي، وعلي يضحك»، وعن علي قال:«كان الحسن أشبه الناس برسول الله من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.»

وتذكر المصادر أن الحسن كان وسيمًا جميلًا يُخضب بالسواد، يضرب شعره منكبيه، أبيض مشربًا بحمرة، أدعج العينين،(1) سهل الخدين، دقيق المسربة،(2) كث اللحية ذا وفرة، عظيم الكراديس،(3) بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بطويل ولا قصير، جعد الشعر، حسن البدن، يختتم في يساره.
عبادته كان مما يُلاحظ على الحسن كثرة عبادته، فكان الحسن إذا صلى الغداة في المسجد النبوي يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، ثم ينصرف إلى منزله.

كان إذا توضأ تغير لونه فقيل له ذلك فقال: «حقٌ لمن أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه»، وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، وكان يقول: «إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته.»، وكان إذا أوى إلى فراشه قرأ سورة الكهف. وكان يُعرف عنه الزهد فيقول: لَكَسْرةٌ من خسيسِ الخبزِ تُشبعُني وشَربةٌ من قراحٍ المَاء تكفيني وطرةٌ من دقيق الثوب تسترني حيًا وإنْ متّ تكفيني لتكفيني
كرمه كان يُعرف عنه الكرم وكثرة الإنفاق، فسمع مرةً رجلًا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه، وقال محمد بن سيرين: «كان يعطي الرجل الواحد مائة ألف.».

كان لا يدعو أحدًا إلى طعامه من قلة الطعام، ويقول: «هو أهون من أن يدعى إليه أحد»، وعن أبي هارون: «قال : انطلقنا حجاجا، فدخلنا المدينة، فدخلنا على الحسن، فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا، بعث إلى كل رجل منا بأربعمائة، فرجعنا، فأخبرناه بيسارنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال، كان هذا لكم يسيرًا، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة.».

كان يجلس مع الفقراء على الأرض ويأكل معهم كسيرات الخبر، وذكروا أن الحسن رأى غلامًا أسودًا يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلبًا هناك لقمة، فقال له: «ما حملك على هذا؟» فقال: إني أستحي منه أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: «لا تبرح من مكانك حتى آتيك»، فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملّكه الحائط، فقال الغلام: «يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له»، وغير ذلك من الآثار التي رُويت عن كرمه وتواضعه.

حلمه يذكر الذهبي عن مروان بن الحكم قوله عن الحسن: «كان حلمه يوازن بالجبال»، وشتمه رجل مرة فقال: «إني والله لا أمحو عنك شيئًا، ولكن مهدك الله فلئن كنت صادقًا فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذبًا فجزاك الله بكذبك، والله أشد نقمة مني.».

ويُروى أن رجلاً من أهل الشام قال: «دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب، فامتلأ قلبي له بغضاً وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن علي بن أبي طالب قال: أنا ابنه، قلت: فعل بك وبأبيك – أسبهما؛ فلما انقضى كلامي قال لي: أحسبك غريباً قلت: أجل، قال: مل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاوناك؛ قال: فانصرفت عنه وما على الأرض أحب إلي منه وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي.».

زوجاته اختُلف في عدد زوجات الحسن بن علي، وذكروا أنه كان كثير الزواج والطلاق، فقيل إنه تزوج حوالي سبعين امرأة، يقول الذهبي: «كان منكاحًا مطلاقًا، تزوج نحوًا من سبعين امرأة، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر، عن جعفر الصادق: أن عليًا قال: يا أهل الكوفة! لا تُزوِّجوا الحسن، فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.».

قال ابن كثير الدمشقي: «قالوا: وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقًا مصداقًا. يقال: إنه أحصن سبعين امرأة. وذكروا أنه طلق امرأتين في يوم، واحدة من بني أسد، وأخرى من بني فزارة وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف، وبزقاق من عسل.».

وذكر ابن أبي الحديد أن عدد زوجاته أكبر من ذلك، وشكك البعض في هذه الأرقام لعدم معرفة أسماء زوجاته إلا القليل منهن، وذكروا أن الروايات التي ذُكر بها أعداد زوجاته ذات أسانيد ضعيفة.

ومن زوجاته المعروفة أسماؤهنّ: خولة بنت منظور الفزازية، أنجبت له الحسن المثنى، كانت زوجة محمد بن طلحة بن عبيد الله ولها منه ثلاثة أولاد، وقُتِل محمد عنها في معركة الجمل، ثم تزوجت الحسن. جعدة بنت الأشعث، ويتهمها الشيعة بأنها من سممته فيما ينكر أهل السنة والجماعة هذه التهمة وينفونها عنها. عائشة الخثعمية، طلّقها بعد وفاة أبيه، فعن سويد بن غفلة قال: «كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي بن أبي طالب، فلما أصيب علي، وبويع الحسن بالخلافة، قالت: ليهنك الخلافة يا أمير المؤمنين، فقال: يُقتل علي وتظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق ثلاثا، قال: فتلفعت نساجها، وقعدت حتى انقضت عدتها، بعث إليها بعشرة آلاف متعة، وبقية بقي لها من صداقها، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.». أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، أنجبت له الحسين وفاطمة وطلحة، تزوجها بعده أخوه الحسين، وأنجبت له فاطمة بنت الحسين بن علي. أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري، أنجبت له زيد وأم الحسن وأم الحسين، تزوجت بسعيد بن زيد، وبعده تزوجت بالحسن، ثم بعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة. أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، تزوجها الحسن، فولدت له محمدًا وجعفرًا وحمزة، ثم فارقها فتزوجها أبو موسى الأشعري، فولدت له موسى. ومات عنها فتزوجها عمران بن طلحة بن عبيد الله، ففارقها فرجعت إلى دار أبي موسى، فماتت فدفنت بظاهر الكوفة. هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. أم عبد الله وهي بنت السليل بن عبد الله أخو جرير البجلي، أنجبت له عبد الله. أم ولد من بني ثقيف. أم ولد من بني عمرو بن أهيم المنقري. أم ولد من بني شيبان من آل همام بن مرة

نظرة أهل السنة والجماعة سيد يُصلح الله به بين فئتين من المسلمين: يرى أهل السنة والجماعة أن الحسن هو أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين، وأن النبي بشّر بأن الحسن سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وأن هذا ما تحقق بإنهائه الفتنة الأولى التي حدثت بين المسلمين بتنازله عن الخلافة حفظًا لدماء المسلمين، وهو ما جاء في الحديث عن أبي بكرة قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يُقْبِل على الناس مرة، وعلى الحسن مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.».

أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين: قرر علماء أهل السنة والجماعة عند شرحهم لقول النبي: «الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً.» أن الأشهر التي تولى فيها الحسن بن علي بعد موت أبيه كانت داخلة في خلافة النبوة والخلافة الراشدة ومكملة لها، وبتنازل الحسن انتهت مدة الخلافة الراشدة وبدأت فترة الملك العضوض.

قد قال كل من: أبو بكر بن العربي: «فَنَفَذَ الْوَعْدُ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، وَبِقَوْلِهِ: «الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَعُودُ مُلْكًا»، فَكَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٌّ، وَلِلْحَسَنِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ يَوْمًا، فَسُبْحَانَ الْمُحِيطِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ.».

القاضي عياض: «لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْهُرُ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ… والْمُرَادَ فِي حَدِيثِ الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا.».

ابن كثير: «وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي دَلَائِلِ النبوة من طريق سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» وَإِنَّمَا كَمَلَتِ الثَّلَاثُونَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بن علي.».

ابن أبي العز شارح العقيدة الطحاوية: «وَكَانَتْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَخِلَافَةُ عُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَخِلَافَةُ عَلَيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَخِلَافَةُ الْحَسَنِ ابْنِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.».

المناوي: يقول بعد ذكره لقول النبي: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.» قال: «وكان ذلك فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى ﷺ أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكًا عضوضًا.».

منزلة أهل البيت عمومًا: يعتقد أهل السنة أن أهل البيت تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقوقهم، وأن المسلمين مأمورون بالصلاة عليهم مع الصلاة على النبي، وأنّ لهم حقًا في أداء الخمس من المغنم والفيء، فعن عائشة بنت أبي بكر قالت: «خرج النبي ﷺ غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم دخلت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليُّ فأدخله، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾».

نظرة الشيعة الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر: تؤمن أغلب طوائف الشيعة أن الحسن هو الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر بعد الإمام الأول علي بن أبي طالب، وأن علي بن أبي طالب أوصى له قبل موته بالإمامة من بعده: جاء في كتاب الكافي: «عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله، ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال، وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله».

يقول الشريف المرتضى: «وأخبار وصية أمير المؤمنين إلى ابنه الحسن، واستخلافه له، ظاهرة مشهورة بين الشيعة».

يقول حسين النوري الطبرسي: «نستدلّ بتواتر الشيعة ونقلها خلفاً عن سلف: أنّ أمير المؤمنين عليًا نصّ على ابنه الحسن بحضرة شيعته، واستخلفه عليهم بصريح القول».

من المعصومين: يعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الحسن وجميع الأئمة الاثنا عشر بالإضافة إلى النبي وفاطمة الزهراء، معصومون عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وأنه لا يمكن صدور المعصية منهم حتى على نحو الغفلة أو السهو أو النسيان، وجاء في الكافي: «قال جعفر الصادق: نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا».

من أصحاب الكساء: يعتقد المسلمون كما ورد في صحيح مسلم ومسند أحمد أن النبي جمع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين معه تحت كساء واحد بعد نزول ما يُسمَّى بآية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.


 

Exit mobile version