أحداث رئيسية وقعت في رمضان ( معركة بلاط الشهداء: الحلقة التاسعة)

Share to:

نضال العضايلة

“بما أننا الآن في شهر رمضان المبارك وهو شهر الفتوحات والأحداث الجسام في تاريخنا العظيم، رأيت أن أكتب بعض الحلقات، وهي حلقات تتعلق بأهم الأحداث التي وقعت في هذا الشهر الكريم مع الدخول في تفاصيل أو جزئيات الحدث”.

دارت معركة بلاط الشهداء في رمضان 114 هـ/أكتوبر 732م، في مكان يقع بين مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين، وكانت بين قوات مسلمين تحت لواء الدولة الأموية، بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي من جهة، وقوات الفرنجة والبورغنديين بقيادة شارل مارتل من جهة أخرى، وانتهت بانتصار قوات الفرنجة وانسحاب جيش المسلمين بعد مقتل قائده عبد الرحمن الغافقي.

وأطلقت المصادر العربية على المعركة اسم معركة بلاط الشهداء، تخليداً لذكرى قتلى المسلمين، ويُستَشَفُّ ذلك من رواية ابن حيان القرطبي. ونقلوا عن ابن حيان أن الأذان لبث عصوراً طويلة يسمع في موقع المعركة.

أعتبر مؤرخو الفرنجة في القرن التاسع، نتيجة المعركة حكم إلهي لصالح الفرنجة، كما اكتسب شارل مارتل من حينها لقبه “Martellus” الذي يعني المطرقة.

تفاصيل المعركة من حيث الموقع وأعداد القوات المشاركة من الطرفين لا يمكن تحديدها على وجه الدقة، إلا أنه من المؤكد، أن قوات الفرنجة انتصرت في المعركة دون أن يكون لديهم سلاح فرسان.

أشاد المؤرخون المسيحيون المتأخرون في فترة ما قبل القرن العشرين بشارل مارتل وعدّوه بطل المسيحية، واصفين المعركة بنقطة التحول الحاسمة في الكفاح ضد الإسلام، مما حفظ المسيحية كديانة لأوروبا.

ووفقًا للمؤرخ العسكري الحديث فيكتور ديفيس هانسون، فإن معظم مؤرخي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، رأوا أن المعركة أوقفت المد الإسلامي في أوروبا، لذا عدّها رانكه علامة فارقة في واحدة من أهم الحقب في تاريخ العالم.

وعلى النقيض، انقسم المؤرخون الحديثون الآخرون حول أهمية المعركة، واختلفوا حول ما إذا كان الانتصار معقولاً ليكون سببًا لإنقاذ المسيحية وإيقاف الفتح الإسلامي لأوروبا. إلا أن المعركة أسهمت في تأسيس الإمبراطورية الكارولنجية وهيمنة الفرنجة على أوروبا في القرن التالي. ويتفق معظم المؤرخين على أن نشأة القوة الفرنجية في أوروبا الغربية حددت مصير القارة، وأن هذه المعركة أكدت سلطتها.

أطلقت المصادر العربية على المعركة اسم معركة بلاط الشهداء، تخليداً لذكرى قتلى المسلمين، ويُستَشَفُّ ذلك من رواية ابن حيان القرطبي، ونقلوا عن ابن حيان أن الأذان لبث عصوراً طويلة يسمع في موقع المعركة، بينما أطلق المؤرخون الغربيون عليها اسم معركة تور (بالإنجليزية: Battle of Tours)‏ نسبة إلى مدينة تور، كما أطلقوا عليها اسم «معركة بواتييه» (بالفرنسية: Poitiers)‏، وهي غير معركة بواتييه التي جرت بين بريطانيا وفرنسا خلال حرب المئة عام.

أما موقع المعركة فيطلقون عليه اسم موساي لاباتيّ (بالفرنسية: Moussais-la-Bataille)‏، فيما حدد باحثون كالحجي وعبد الفتاح مقلد الغنيمي موقعها في قرية تقع ضمن أرض المعركة تدعى «خندق الملك» (بالفرنسية: Fossi le Roi)‏، حيث اكتشفت هناك حديثاً سيوف عربية، وموقع المعركة سهل ممتد بين مدينتي تور وبواتييه، محدد من الشرق بمجرى نهر فيين الذي يرفد نهر اللوار.

لا تتفق المصادر على تاريخ بدء وانتهاء المعركة وكم كانت مدتها، استمرت المناوشات بين الفريقين لأيام، إلى أن لجأ المسلمون للهجوم في اليوم الأخير بفرسانهم على جيش شارل، الذي تحمله مشاة جيش الفرنجة، وبدا كما لو أن المسلمون اقتربوا من النصر.

إلا أن شارل أرسل فرقًا يعتقد أنها كانت بقيادة أودو هاجمت معسكر المسلمين من الخلف، مما دفع المسلمين لمحاولة إنقاذ معسكرهم.

حاول الغافقي ومن بقي من جنوده معه الثبات في القتال والسيطرة على الموقف بعد أن اضطربت صفوف المسلمين، وظل يقاتل حتى قتل، ثم نجح بقية جيش المسلمين في الدفاع عن معسكرهم حتى نهاية اليوم، وفي الليل، اجتمع قادة الجيش ورأوا أن ينسحبوا ليلاً بعد أن فقدوا قائدهم عبد الرحمن الغافقي.

في اليوم التالي، عندما وجد الفرنجة أن القتال لم يتجدد تخوفوا من أن يكون ذلك كمينًا، إلى أن استطلعت قواتهم مخيمات المسلمين التي تركوها وراءهم ووجدوها فارغة.

لم تتوقف غزوات المسلمين في بلاد الغال رغم الهزيمة في المعركة، بل استمرت بعدها مباشرة، فأرسل الوالي الجديد عبد الملك بن قطن الفهري حملة يقودها يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي تحالف مع مورونتوس كونت بروفنس، غزت بلاد الغال واجتاحت آرل، ثم مدينة سانت ريمي وأفينيون، ثم تابع الوالي عقبة بن الحجاج السلولي تلك الغزوات فسيطر على بورغونية، حتى بلغت حملته بيدمونت بشمال إيطاليا.

انشغل ولاة الأندلس بمشاكلهم الداخلية وتكالبهم على السلطة، ففقدوا المناطق التي سيطروا عليها في بلاد الغال، الواحدة تلو الأخرى حتى لم يبق بأيديهم في عهد يوسف بن عبد الرحمن الفهري والي الأندلس الأخير سوى أربونة فقط، والتي سقطت نهائياً عام 759م، عندما أمر عبد الرحمن الداخل بإجلاء المسلمين من المدينة.

من ناحية أخرى، أنشأ شارلمان حفيد شارل مارتل بعد ذلك الثغر الإسباني في البرانس لتكون بمثابة منطقة عازلة عن مناطق المسلمين خلف البرانس.
ذكرت المصادر الإسلامية الأولية المعركة باقتضاب، فقد أشار إليها ابن عذاري قائلاً: «ثم ولي الأندلس عبد الرحمن هذا (يعني الغافقي) ثانية، وكان جلوسه لها في صفر سنة 112 هـ، فأقام والياً سنتين وسبعة أشهر وقيل وثمانية أشهر، وأستشهد في أرض العدو في رمضان سنة 114 هـ».

وقد نقل عن ابن حيان القرطبي في موضع آخر قوله: «ثم ولي الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، فغزا الروم، واستشهد مع جماعة من عسكره سنة 115 هـ، بموضع يعرف ببلاط الشهداء»، كما أشار إليها المقري في قوله: «ثم قدم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي من قبل عبيد الله بن الحبحاب صاحب إفريقيا، فدخلها سنة ثلاث عشرة، وغزا الإفرنجة، وكانت له فيهم وقائع، وأُصيب عسكره في رمضان سنة أربع عشرة في موضع يعرف ببلاط الشهداء، وبه عرفت الغزوة»، كذا، قال عنها ابن عبد الحكم: «ولي عبد الرحمن بن عبد الله العكي على الأندلس، وكان رجلاً صالحًا، فغزا عبد الرحمن إفرنجة، وهم أقاصي عدو الأندلس، فغنم غنائم كثيرة، وظفر بهم، ثم خرج إليهم غازياً، فاستشهد وعامة أصحابه، وكان قتله فيما حدثنا يحيى بن الليث في سنة خمس عشرة ومائة»، ووافقه في ذلك ابن الأثير، ولم يرد ذكرها في تواريخ الواقدي والبلاذري والطبري وهم من أقدم رواة الفتوح، شيئاً عن الموقعة.

انقسمت الآراء التاريخية حول المعركة إلى ثلاث وجهات نظر، ففي الوقت الذي رأى فيه المؤرخون الغربيون كجيبون وجيله من المؤرخين الذين اعتمدوا على تأريخ عام 754 وتأريخ فريدغر، بأن شارل مارتل أنقذ المسيحية، وأن المعركة بلا شك كانت حاسمة في تاريخ العالم، إلا أن المؤرخين المعاصرين قد انقسموا حول ذلك، إلى معسكرين، الأول يتفق مع جيبون، والآخر يقول بأن المعركة بُولغ فيها بشدة وتم تصويرها وكأنها نهاية عصر الفتح الإسلامي، بل وحتى المعسكر الأول الذي رأى أهمية المعركة التاريخية الكبيرة، اتخذ عدد منهم نهجاً أكثر اعتدالاً ودقة في وصف أهمية المعركة، بدلاً من الوصف الدراماتيكي الذي اتخذه جيبون.

أبرز هؤلاء هو ويليام واتسون، الذي آمن بأهمية المعركة تاريخياً، لكنه حللها عسكرياً وثقافياً وسياسياً، بدلاً من أن ينظر إليها من منظور الصراع الكلاسيكي بين المسلمين والمسيحيين.

أما الآن، فقد انقسم المؤرخون الغربيون المعاصرون بشكل واضح على أهمية المعركة، وأين ينبغي أن تُصنف في التاريخ العسكري.

حاول المؤرخون المعاصرون تقدير أعداد الجيشين، اعتماداً على تقدير ما العدد الذي تستوعبه أرض المعركة، وما العدد الذي يمكن لشارل مارتل أن يجمعه من مملكته ويضيف إليه خلال حملته، ومع تقدير أعداد قوات المسلمين، وما لحق بها من أعداد قبل تور، لتفوق بكثير أعداد الفرنجة، وبالاستناد إلى مصادر إسلامية غير معاصرة للمعركة.

قدّر كريسي قوات المسلمين بحوالي 80,000 مقاتل أو أكثر، وفي عام 1999، قدّر المؤرخ بول ديفيس قوات المسلمين بحوالي 80,000 والفرنجة في حوالي 30,000، وأشار بأن المؤرخين الحديثين قدروا قوات الجيش الأموي في تور ما بين 20,000 إلى 80,000 مقاتل.

وقد رفض المؤرخ إدوارد شونفيلد التقديرات القديمة بأن أعداد الأمويين بين 60,000 إلى 400,000 والفرنجة 75,000، قائلاً: «إن تقدير عدد الأمويين بأكثر من خمسين ألف جندي (وبأن الفرنجة كانوا أكثر) مستحيل لوجستيًا، وأيد ذلك، المؤرخ فيكتور ديفيس هانسون الذي اعتقد بأن الجيشين كانا تقريبًا بنفس الحجم حوالي 30,000 رجل.

قد يكون المؤرخون الحديثون أكثر دقة من مصادر القرون الوسطى، حيث استندوا على تقديرات القدرات اللوجستية في المناطق الريفية المجاورة التي تكفي هذه الأعداد من الرجال والحيوانات.

اتفق ديفيس وهانسون على كون وجوب اعتماد الجيشين على الريف المجاور، حيث لم يكن لديهما أنظمة كافية لتوفير الإمدادات اللازمة للحملتين.
وقد قدّرت مصادر أخرى كغور الذي قدّر الجيش الفرنجي بين 15,000 إلى 20,000، بينما قدّره آخرون ما بين 30,000 إلى 80,000، وعلى الرغم من اختلاف تقدير قوات المسلمين بتفاوت كبير، إلا أن غور قدره ما بين 20,000 الى 25,000، فيما زادته تقديرات أخرى إلى نحو 80,000 رجل.

Exit mobile version