مجموعة صور يمكن أن تتحكم بالمسار اللبناني. الصورة الأولى سقوط الورقة الفرنسية في مجلس الأمن، بعد التسويق لنجاحها وتبنيها. الصورة الثانية، للمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين من الروشة إلى بعلبك إلى الجنوب. الصورة الثالثة لوزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في بيروت، بعد صورته في دمشق والرياض. ففي دمشق مقارعة للأميركيين بتثبيت الحضور ورفض قطع الطريق على الحدود السعودية العراقية. أما في الرياض، فالرسالة تهدوية تهدف إلى استكمال البحث في التقارب السعودي الإيراني وتطبيق الاتفاق بين البلدين.
هنا يجدر السؤال عن مكان لبنان بين المعادلتين، أهو للتصعيد أم للتهدئة؟ المؤشرات تفيد بأن ثمة رغبة إيرانية بالحفاظ على التهدئة وعدم خوض أي مواجهة مع الأميركيين أو السعوديين على الساحة اللبنانية حتى الآن، ولكن مع الجهوزية والاستنفار لأي تصعيد ان اقتضت الحاجة.
الشريك الأميركي
حركة هوكشتاين بين الروشة وبعلبك والجنوب، يراد منها القول إن الأميركي شريك في هذه البلاد، بحضوره ووجوده، سياسياً وسياحياً أيضاً. وكأن الرسالة تقول إن واشنطن شريكة أساسية في لبنان، ولا يمكن لحزب الله تجاهل ذلك، على الرغم من كل المواقف والاستعراضات والاعتراضات. فالأميركي قادر على التحرك بسهولة.
وفي حال ربط الصورة مع المضمون وبعض الوقائع المرتبطة بمسارات خارجية للبحث عن حلّ للأزمة اللبنانية، فهي تشير إلى مطالبة حزب الله بالتواضع في مطالبه والذهاب إلى تسوية تنتج رئيساً للجمهورية.
ما يُنقل عن هوكشتاين، تشديده أيضاً على إنجاز الانتخابات الرئاسية، على قاعدة أن استفادة لبنان من ثرواته النفطية، وإقرار الصندوق السيادي، وغيرها من الأمور تحتاج إلى تشريعات ومراسيم. وهذه بحدّ ذاتها تفرض وجود رئيس للجمهورية يوقع على هذه المراسيم. إنطلاقاً من هنا، ثمة من يشير إلى أن هوكشتاين حمل ضغطاً بشكل غير مباشر بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية، كي لا يتضرر لبنان أكثر.
ثمن مالي؟!
ولكن في المقابل، ثمة سؤال أساسي يُطرح، طالما أن العنصر الثابت هو الحرص الأميركي على ضرورة تثبيت الاستقرار في الجنوب، والانتهاء من ملف الترسيم البرّي بعد البحري، ومعالجة النقاط العالقة. وهذه تمثّل مطالب إسرائيلية وأميركية (!). فما هو الثمن الذي سيتقاضاه لبنان في المقابل؟ هل يكون الاكتفاء بتسهيل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا بعد تسهيل الإجراءات مع البنك الدولي؟ ذلك بحسب اللبناني ليس كافياً. فيما هناك من يقترح أفكاراً متعددة من بينها توفير دعم مالي أميركي مباشر للبنان عبر تشكيل لوبيات تنشط في واشنطن ومع الكونغرس، للحصول على بضعة ملايين من الدولارت بشكل دوري!
في المقابل، هناك من يشير إلى أن الثمن اللبناني لا بد أن يكون سياسياً أو رئاسياً، مع ما يحمله ذلك من تسهيلات خارجية تساهم في ترتيب الأوضاع الاقتصادية والمالية.
بالعودة إلى صورة هوكشتاين، وزيارة عبد اللهيان، فإن ذلك سيقود إلى نوع من التقاطع بين الجانبين على الساحة اللبنانية. وبالتالي، أي أفق لأي تسوية لا بد له أن ينتج عن هذا التقاطع، بشرط شموله دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية وقطر المعنيتين بالملف.
لا غالب ولا مغلوب؟!
لا يمكن إغفال الملف الرئاسي عن كل ما يجري، من تزامن الزيارات أو ترابطها، وصولاً إلى ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ودعوته إلى حوار لسبعة أيام في أيلول، تليه جلسات متتالية لانتخاب الرئيس.
الرئاسة حضرت بين برّي وهوكشتاين. إذ طلب رئيس المجلس مساعدة واشنطن في إقناع حلفائها بالمشاركة في الحوار، رداً على دعوة هوكشتاين لإنجاز الاستحقاق في موعده. لا بد لخطوة برّي أن تكون مبنية على سياق كل هذه التقاطعات، خصوصاً في ضوء كلام وزير خارجية إيران الإيجابي عن السعودية، والتواصل معها وتقديم المساعدة، علماً أن الرياض تشترط إعادة تشكيل السلطة على أساس إصلاحي ومتوازن.
فهل تفرض هذه التطورات تسوية لا تزال ملامحها غير واضحة، وتنتظر أيلول وما بعد زيارة لودريان؟
في سياق البحث عن الأثمان أيضاً، هل سيكون تسهيل ترسيم الحدود البرية مقابل الهوية السياسية للرئيس؟ أم أن التقاطع الإيراني الأميركي السعودي القطري، سيفضي إلى تسوية متوازنة وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب؟