أبرز مناهج زيادة التفاؤل وتقليل التوتر … بين فيزولوجيّة الأدرينالين والأبينيفرين

Share to:

الديار – ندى عبد الرزاق

التفاؤل نعمة ربانية تنقل الانسان من حال الى حال، وترفعه من الحضيض الى أعالي السماء عبر التفكير الإيجابي المرن، وتوجهه الى الجانب الأفضل للأحداث والوقائع، لتحقيق أفضل النتائج التي تجعل المرء منشرحا. والاستبشار خيرا يعني وجود الامل دائما. والمتفائلون عموما يظنون ان الناس والاحداث جيدة أصلا، ويعتقدون بأن ثمة شيئا جميل سيحدث مهما كان الامر عسيرا او معقّداً.

القلق يقتل الاحلام

على مقلب احصائي، فقد قدر ان 275 مليون شخص يعانون من اضطرابات القلق. أي حوالي 4% من سكان العالم الإجمالي، وهذا الانتشار يتراوح بنسبة 2.5% و6.5% من السكان لكل بلد.

في الموازاة، فان حوالي 62% من الذين يعانون القلق هم اناث، 170 مليونا مقابل 105 ملايين من الذكور. وفي هذا الإطار، يشخّص الخبراء ان الافراد الذين لديهم نزعة سلبية يميلون للمعلومات التشاؤمية أكثر من الإيجابية.

هذه النزعة عند هذه الفئة، تحمل فرص زيادة مشاعر التشوّش وعدم الارتياح، وصولا الى النظرة السوداوية. كما ان القلق يبقى مرتبطا بالفرد نفسه، وهو ما يحدث نتيجة المبالغة في تقدير احتمال حدوث شيء سيىء، وبالتالي استصغار القدرات على تخطي هذه الأمور او كيفية التعامل معها. والحقيقة ان هذا الاحساس شعور فطري ينصاع له البشر، وهو ما يسمى بتحيّز السلبية البشرية، ما يعني انجراف هذه الشريحة بإعطاء الاهتمام للمعلومات السلبية على حساب تلك المنطقية والايجابية.

فيزولوجية الادرينالين

ان هرمون الادرينالين يتم انتاجه في الغدة الكظرية، إضافة الى كونه ناقلا عصبيا، ما يعني ان الدماغ قادر على معالجته، ويعمل على زيادة نبض القلب كما يؤدي الى تحضير الجسم للشروع بأعمال ينتج عنها الوسواس والتعب والانفعال مثل: العراك، الهرب، التشاؤم والتوتر.

ان العلاقة ما بين الادرينالين والخوف، والادرينالين والسكر عندما ينتج الجسم الكثير من هذا الهرمون يتجه لاكتشاف تهديد. بالإشارة الى ان الخوف والهاجس قد يكون مبالغ فيهما، الا ان الشيء الجيد في هذه النقطة هو «ترويض النفس» على ممارسة التفاؤل وهذا يساعد في تقليل الاضطراب او عدم الافراط فيه.

فالتفاؤل هو خليط ما بين الإيجابية والامل، والتصرف القائم على الهدف والثقة، وهذا السلوك لا يتطلب من الاشخاص ان يكونوا علماء نفس لتجاوزه او التفكير المنمّق، وانما ايجاد آلية شرح الاحداث ، وعلى وجه الخصوص الأشياء التي لا تسير بأريحية، وما يتوقعه المرء ان يحدث في الغد.

كيف تكون نظرتنا الى كوب نصفه ممتلئاً؟

تقول الاختصاصية بعلم النفس كارلا اوانيس راشد، «المثال الذي قد يأتي على ادمغتنا هو ان الكوب نصفه ممتلئ، اما ان ننظر الى القسم الممتلئ او الفارغ وكيف سنراه»؟ والنموذج الأقرب للواقع الذي نعيشه، إذا اخذنا شخصين من نفس الجنس، الجنسية، العمر والخلفية قد مرّوا بنفس التجربة «كالطلاق»، وبعد ان عاشوا نفس المشاعر السلبية كردة فعل طبيعية لأي موقف حزين يعاني من صدمة وتغييرات في حياته. تتابع: الحزن هو رد فعل طبيعي، ولكن واحد من هذين الشخصين قرر ان يتابع حياته، وان يضع هدفا يركز عليه من خلال حدث جديد، او مهنة او علم مثمر يحفزه ويعطيه طاقة إيجابية، والآخر قرر ان يبقى اسيرا للمشاعر السلبية التي ستكون كناية عن غيمة سوداء تغطي الأشياء الجميلة في حياته».

وتشير راشد الى « ان هذا المثال يوضح ان شخصين من نفس المعاناة، أحدهم قرر التغلب على القلق، والآخر استسلم للمشاعر السلبية».

التفاؤل السام او TOXIC POSITIVITY

لماذا قد يصبح التفاؤل امرا سلبياً؟ تجيب راشد ان « الجانب الأسود للتفاؤل او ما يعرف TOXIC POSITIVITY مصطلح مبالغ فيه لشعور معين، فلطالما يتحول الى تفاؤل سام إذا انغمس المرء فيه. فلنفترض انه مهما كان الامر شديدا سوف يحقق ما يصبو اليه. وقد يكون التفاؤل المفرط عقبة أساسية امام تحقيق الأهداف. فإذا كان الفرد متابعا للمؤثرين على مواقع الاتصال، الذين يركزون دائما على الجانب الوردي من حياتهم، ويغطون الجانب الآخر من المعاناة التي مروا بها، والتي هي مساوية لحالة طبيعية لأي مرء كـ «الطلاق»، فما يجب ان يعرفه الشخص ان المؤثرين يجعلون حياتهم خالية من الشوائب والتشاؤم والقلق، الا ان الحقيقة عكس ذلك، فالحياة مليئة بالمطبات والخضّات، وعلى الانسان العاقل ان يعي هذا جيدا، ويحق لنا ان نعيش مشاعر الحزن والتوتر، ولكن علينا ان لا نتقوقع داخلها كأسرى».

وتلفت راشد الى انه « اثبت علميا ان التفاؤل امتداد للصحة الجسدية والنفسية، ومن لديهم تفاؤل عالٍ يتمتعون بصحة سليمة أكثر. وقد بينت الدراسات انه عندما يعتمد المرء طريقة تفكير تستند على الإيجابية ، تتفتح له فرصا جيدة على نقيض الأشخاص الذين ينطلقون من السلبية، فنراهم يعانون من القلق والتوتر ، وغالبا يرون ان جميع الأبواب موصدة امامهم، وهذا يدل على ان التفكير يؤثر على المحيط وما ينتظره الفرد من سلبية او إيجابية».

وتتابع «الموقف مهما كان جلفا يمكن تذليله، ويمكن الشعور بالامتنان والرضى من أسمى الأمور، وهما بمثابة «عكاز» للمرء يروّض فيه نفسه وبشكل يومي. ان الحياة جيدة ويمكن تخطي أي واقع سلبي مهما عظم حجمه، فالأبسط هو الاستسلام للتشاؤم، والدراسات أظهرت ان التمرن على تقدير الجوانب الإيجابية له مردود جيد.

6 طرق للسيطرة على القلق

1- الكتابة: التفريغ يعتبر مهارة وخطوة لترميم النفس البشرية والتصالح مع الذات وتقبل الواقع، بعيدا عن فلسفات لن تؤدي الا لمزيد من التشاؤم، بحيث يمكن للمرء ان يكتب شيئا جيدا واحدا يشعر بالرضى لوجوده في حياته، وقد يكون خاصا او مهنيا او للمكان الذي يقطن فيه. المهم ان يذكّر المرء نفسه بما لديه، بدلا من النحيب على ما ليس له، وحتى أولئك الذين مروا بظروف صعبة واحداث اليمة غيرت نظرتهم للحياة، عليهم التصويب على الأشياء التي لا يزالون قادرين على القيام بها. ويقول الخبراء انه كلما قضى الشخص وقتا أطول في الشعور بالامتنان، سيقل الوقت الذي يقضيه بالتفكير السلبي.

2- تغيير التفكير والدماغ: لحكمة ربانية، خلق الله الدماغ بشكل مرن ولديه استعداد للتغيير وبناء روابط جديدة، الا ان الامر ليس بهذه السهولة، كما وانه يحتاج وقتا وتكرارا وتجارب ومحاولات لتبديل الأفكار السلبية بالإيجابية، وذلك يبدأ من خلال ممارسة تطبيق الأفكار الجديدة وادخالها على أنظمة حياة المرء وسلوكه لتصبح أسلوبا ومنهجا وخارطة طريق. ولقد وجد ان الجزء من الدماغ المسمى القشرة الامامية المدارية (OFC) مهم لتكامل المعلومات من المراكز الفكرية والعقلانية والعاطفية، من خلال مجموعة اسئلة سيحدد الشخص ما كان يدور في ذهنه من احداث سيئة، ومن ثم يحدد أفكاره التي يوظفها في تنبؤ المستقبل.

3- تقسيم المخاوف: ان اللجوء الى تفصيل وتجزئة المخاوف، يعدّ بالأمر الجيد، فالأشخاص الذين يميلون الى ما يسمى «اضطراب القلق العام»، وهو التفكير الكارثي ويتضمن توقع الفشل او الخسارة، هؤلاء لديهم صعوبة في الاسترخاء الى جانب ازمة ثقة، ومن هنا فان احتمالية حدوث أي امر قد يبلور الأمور ويضعها في مكانها الادراكي الصحيح، فيصبح متمكنا على مواجهة الانزعاج وتصغيره والتقليل من أهميته.

4- تطويق النفس بالإيجابيين: «يقال غيّر عاداتك تتغير حياتك»، من الجيد ان يختار المرء المحيط والاصدقاء المتفائلين، وقضاء معظم الوقت بصحبتهم، ودمج الإيجابية بأنماط التفكير الخاصة، وقد يكون ذلك من خلال التعرف على قصص الناس والاستماع إليهم ومعرفة التغييرات التي جعلتهم ملهمين ومؤثرين وارتقت بهم الى الأفضل، هذا حتماً سيغير من نظرة الفرد مهما كان متشائما.

5- التركيز على الحاضر: «انطلاقا من ان العواطف هي نتاج للحاضر»، فان التوقف عن التفكير بالماضي وتأنيب النفس، عاملا مهما لتخطي عتبة الوسواس، وقد يكون التركيز على هدف بالتصويب على الحاضر لمنع الأفكار السوداوية التي من الممكن ان تتسرّب الى الذهن.

6- الخروج من المنزل: وقد يكون بممارسة تمارين رياضية او التنزه وتوظيف الحواس في التمتع بالمناظر الخلابة، والتنفس بعمق من خلال الاتصال بالطبيعة، ما قد يولد ثورة إيجابية على الواقع المظلم الذي يتقوقع المرء في دائرته، وقد يرى الأمور بمنظار الامل والتفاؤل والايجابية وحسن الظن بالمستقبل، ليمضي بحياته بسلام داخلي وشعور ممتن لما هو عليه، وان يعي ان التجارب مفتاح للعظمة والسمو بالروح نحو الأفضل.

Exit mobile version