يبدو أنّ ما قاله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد أخيراً عن أنّ «الإسرائيلي لن يتمكّن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم نُنقّب نحن عنه ونستثمره كما نريد»، لا يدخل في إطار ما تقوم به شركة «إنرجين» اليونانية في الجانب «الإسرائيلي» حالياً ، لا سيما في الجزء الجنوبي من «حقل كاريش» الذي يخرج عن الخط 29، والذي سبق وأن عمل به في فترة سابقة من دون أن يعمل لبنان على تعديل المرسوم 6433 لتثبيت حقّه في هذا الخط، ووصل اليوم الى مرحلة شفط الغاز منه. وكان الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين قد حدّد خلال زيارته الأخيرة الى لبنان، وبعد محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، بأنّ منطقة النزاع تقع بين الخطين 1 و 23 المسجّلين لدى الأمم المتحدة، في حين قام الوفد اللبناني العسكري المُفاوض على طاولة الناقورة، بنقل المنطقة المتنازع عليها من هذه الأخيرة الى تلك التي تقع بين الخطّين 23 و 29 ، وأظهر قوّة لبنان بحقّه استناداً الى قانون البحار والخرائط والإتفاقيات القانونية.
ولأنّ لبنان الرسمي لم يعترض على ما قاله هوكشتاين عندما حدّد المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 1 و 23 ، أي على ما كانت عليه أيّام السفير فريديريك هوف وما بعده، وقبل انطلاق المفاوضات غير المباشرة في تشرين من العام الماضي على طاولة الناقورة، يرى العدو الإسرائيلي أنّ عمله الحالي لا يدخل ضمن هذه المنطقة، ولهذا فهو يعمل من دون أي خشية. وفيما قام مجلس الوزراء أخيراً بتشكيل لجنة سياسية تقنية قانونية وفنيّة لدراسة عرض هوكشتاين الأخير، لم ينجح لبنان في إظهار قوّته في وحدة موقفه الداخلي، إذ رفض الثنائي الشيعي المشاركة فيها، الأمر الذي سيجعل ردّه على طرح الوسيط الأميركي غير إيجابي وغير نهائي.
أوساط ديبلوماسية عليمة تجد بأنّ هوكشتاين الذي حاول إظهار حسن نواياه تجاه لبنان، وأعلن بأنّه لا يأتي لينحاز مع طرف ضدّ آخر، بل للعب دور الوسيط للتوصّل الى اتفاق نهائي وسريع يجعل كلّ من الجانبين يستفيد من ثروته النفطية في ظلّ الأزمة العالمية وارتفاع سعر النفط والغاز، تصرّف عكس ذلك. فقد ألغى طاولة المفاوضات في الناقورة، كون الوفد اللبناني بدا أقوى من الوفد «الإسرائيلي» عليها، نظراً لامتلاكه الوثائق والخرائط والحجج القانونية بأنّ الخط 29 هو خط حدوده البحرية التي يُمكن التفاوض حوله، وليس الخط 23، وحوّل المفاوضات غير المباشرة بالتالي، الى جولاته المكوكيّة، والى طرح العروض الأميركية و «الإسرائيلية» على لبنان، وانتظار ردّه عليها.ad
وكان آخرها العرض الذي حملته السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتشكّلت على أساسه لجنة سياسية وتقنية وقانونية للردّ على طرح هوكشتاين الذي يتحدّث عن «خط متعرّج» قريب من الخط 23 لتحييد حقلي «قانا» و «كاريش» عن منطقة النزاع، على أن يبقى الجزء الجنوبي من «حقل قانا» موضع نقاش لتقاسم موارده. ولكن بعد حديث النائب رعد عن رفض التقاسم مع العدو الإسرائيلي، كونه يُعتبر نوعاً من أنواع التطبيع المرفوض معه، اقترح هوكشتاين على لبنان الذي يتمسّك بـ «حقل قانا» كاملاً، والذي يخرج عن الخط 23 الحالي الذي يعتبره الأميركي و «الإسرائيلي» الخط النهائي للمنطقة المتنازع عليهأ، أو عن الخط «المتعرّج» المفترض والذي لن يشمله بالكامل، كون «قانا» أكبر بكثير من «كاريش»، اقترح أن يحصل لبنان على هذا القسم الجنوبي من «قانا»، مقابل حصول «إسرائيل» على جزء من البلوك 8، كونها تعتبره جزءاً من البلوك 72 (العائد للمنطقة البحرية الفلسطينية المحتلّة) وهو من حقّها وقد تنازلت عنه للبنان.
ولكن مع عدم وضوح الرؤية داخلياً، على ما ذكرت الأوساط نفسها، وعدم توحيد الموقف اللبناني، في ظلّ «الفيتو» الذي وضعه «الثنائي الشيعي» في وجه هوكشتاين ووساطته وعروضه، كونه يعتمد «الإحتيال» نفسه الذي يلجأ اليه «الإسرائيلي» خلال التفاوض غير المباشر، لتحقيق المزيد من المكاسب التي لا تحقّ له أساساً على حساب حقوق لبنان، تخشى الاوساط ألّا يكون الردّ الذي سيتبلّغه هوكشتاين حاسماً لجهة التمسّك بحقوق لبنان وعدم التفريط بها. علماً بأنّ أي قرار أو إتفاق نهائي بين لبنان و «الإسرائيلي» لن يكون آحادياً، أو يتوقّف على شخص أو شخصين بل سيمرّ في مجلسي الوزراء والنوّاب لغربلته واتخاذ الموقف المناسب بشأنه.
من هنا، فإنّ حصر المسألة بيد واحدة، سياسية أو عسكرية، لن يخدم لبنان، على ما عقّبت الاوساط، سيما وأنّ مسألة الترسيم طويلة ومعقّدة، يُخبّىء فيها الأميركي و «الإسرائيلي» أموراً قد تُباغت الجانب اللبناني وتجعله يرتكب أخطاء إضافية كتلك التي ارتكبها في السابق، وأدّت الى التنازع على منطقة هي أساساً بالكامل من حقّ لبنان الطبيعي.ad
وتساءلت الأوساط عينها: لماذا يُصرّ «الإسرائيلي» على الحصول على جزء من البلوك 8، بعد أن كان يتمسّك في السابق بالبلوك 9، ويُعلن أنّه «ملكٌ له»؟ وما هي الأوراق الرابحة التي يُخفيها وراء الأكمّة؟ هل ثمّة حقل نفطي مُكتشف من قبله وواعد في البلوك 8 لم يقم بالإعلان عنه حتى الآن، في انتظار موافقة لبنان على التخلّي عن هذا الجزء الذي يريده، مقابل ترك كامل «حقل قانا» له والذي يُفترض أن يحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعيين؟! فهل سيقع لبنان في الأفخاخ التي تُنصب له من قبل الأميركي و «الإسرائيلي» اللذين يريدان التوصّل الى اتفاق سريع لترسيم الحدود البحرية من دون العودة الى طاولة المفاوضات في محاولة لتجاهل الخرائط والخطوط والقوانين والوثائق عن قصد، وتحقيق مصالحهما في المنطقة؟!