يظهر بوضوح تام أن المعركة السياسية على أكثر من خلفية بين «التيار الوطني الحر» ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مستمرة، لا بل أن ما حصل في الساعات الماضية من حملات من نواب تكتل «لبنان القوي» على ميقاتي، إنما دليل على توجّهات رئيس «التيار» النائب جبران باسيل باستهداف ميقاتي، علّ ذلك يعطيه بعض الشعبوية ويحرِّض المسيحيين باتجاه رئيس حكومة تصريف الأعمال، بما معناه أن الأخير يتعدّى ويتطاول على صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي والماروني، وذلك، جاء بعد معلومات أن باسيل، وخلال وجوده في الدوحة لمشاهدة مباريات كأس العالم، حاول أن يلتقي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خلال اتصالات قام بها مع المقرّبين من سيد الإيليزيه، وذلك في الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس ماكرون إلى قطر في غضون الأسبوع المنصرم، لحضور المباريات التي كان يخوضها الفريق الفرنسي، ولكن لم يتمكن باسيل من لقائه، وهذا ما زاد الطين بلّة، على اعتبار أن ميقاتي، ووفق المعلومات الموثوق بها، يتلقى الدعم السياسي الأبرز من الإيليزيه، وحيث يخصّه ماكرون بأكثر من لفتة، لا بل أنه استاء من الحملات التي تنااولت رئيس حكومة تصريف الأعمال بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، والتي أحدثت صخباً سياسياً ومزيداً من الانقسامات، ما استوجب زيارة الرئيس ميقاتي إلى بكركي، ولقاءه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي تمنى عليه أن يتشاور مع جميع الوزراء قبل عقد أي جلسة تكون ضمن الآليات المتبعة دستورياً، أي لا تتخطى صلاحيات رئيس الحكومة، وهذا ما حصل بعد هذه الزيارة مباشرة، إذ أجرى ميقاتي سلسلة لقاءات منفردة وثلاثية ورباعية أي أشبه بالمجالس الوزراية المصغّرة، ولم يستثنِ من لقاءاته أحداً، واتّسمت اجتماعاته بالوزراء المحسوبين على «التيار الوطني الحر» بالصراحة المتناهية.
وفي هذا الإطار، تابعت المعلومات، أنه، وبعد هذه اللقاءات التشاورية التي قام بها ميقاتي، وقبيل الأعياد، سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، إنما ليس هناك من جدول أعمال أو بنود فضفاضة كالتي أحدثت بلبلة واسعة حينئذ عندما كانت موجودة على جدول أعمال مجلس الوزراء، ما اضطرّه إلى سحبها وحصر النقاش بأدوية السرطان وتخصيص المبالغ المطلوبة لوزارة الصحة، والآن تضيف المعلومات، أن ثمة مسائل اقتصادية واجتماعية وحياتية وتربوية، تعنى جميعها بشؤون الناس وهي ضرورة ملحّة لكل الوزارات، ولا يمكن إغفالها وتحتاج إلى جلسة وزارية، وجميع الوزراء في الأجواء بعدما استمعوا إلى شرح وافٍ من رئيس الحكومة حول هذه المسألة.
وعليه، وهنا بيت القصيد، فإن ميقاتي، رفض اعتماد المراسيم الجوّالة، وهذا ما طالب به نواب ووزراء «التيار الوطني الحر»، ما اعتبره «حرتقة» واضحة على الجلسة التي دعا إليها دون أن يحدِّد موعدها من أجل إجراء المزيد من المشاورات، لذلك، السؤال ما دام البطريرك بشارة الراعي، والحريص على صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، دعا ميقاتي إلى التشاور مع الوزراء قبل الدعوة إلى أي جلسة، من هنا السؤال، هل ستعود المعارك السياسية إلى الواجهة على أكثر من خلفية تتخطى موضوع الصلاحيات وأساسها الإستحقاق الرئاسي، في إطار تصفية الحسابات وخلق معارك على قاعدة «نحن من يُرشِّح ويختار الرئيس الجديد»، كما سبق وقال رئيس «التيار البرتقالي»، بما معناه «لا رئيس دون أن نكون قد وافقنا عليه».
لذا، ثمة ترقّب للساعات المقبلة، فهل ستعود الأمور إلى حملات واستهدافات وشحن سياسي وطائفي؟ أم هناك من سيدخل على الخط؟ وربما البطريرك الراعي لوضع الأمور في نصابها، محدّدين سقف جلسة مجلس الوزراء، لتخطي أي خضّة سياسية سيكون لها مفاعيلها السلبية في هذه المرحلة بالذات.