تقول القوات اللبنانية إن حزب الله هو من يعمل على عزل نفسه وعزل الشيعة معه بسبب خياراته. ويدعم القوات نواب من قوى وشخصيات مسيحية من فريق 14 آذار. كما يتهم وليد جنبلاط حزب الله بأنه المسؤول عما آلت إليه أموره مع بقية الطوائف. وهاجس هؤلاء جميعاً أن يقال، بعد فرز الأصوات، إن مرشحهما جهاد أزعور لم يلقَ معارضة إلا من النواب الشيعة.
ولمزيد من التشويق، تعتبر القوات أن انضمام التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل إلى التحالف الداعم لأزعور، لا ينبغي أن يقف عند التقاطع الانتخابي، بل المطلوب العمل بقوة على تكريس مناخ يقول إن التيار عاد إلى موقعه المسيحي. وعندما يستخدم خرّيجو المدرسة الكتائبية هذه المفردة، فهم يقصدون أن المزاج العام المسيحي معادٍ لحزب الله وللشيعة عموماً، وهم طبعاً يقولون ذلك من زاوية سياسية بمعزل عن حقيقة ما يفكرون به في دواخلهم. ويرغب هؤلاء، أخيراً، بأن تقف الغالبية النيابية المسيحية إلى جانب أزعور، وتسقط الغطاء المسيحي عن المرشح المنافس سليمان فرنجية، فلا يبقى من مسيحيته، سوى الصليب الذي على صدره.
من جهة جنبلاط، تبدو الصورة مختلفة قليلاً. الأخير لا يستهضم كثيراً القوى المسيحية المتحالفة معه في الملف الرئاسي. بل لا يزال يرى فيهم «الجنس العاطل»، لكنه مهتم بأن يكون الصوت النيابي الدرزي كله ضد سليمان فرنجية. لذلك اجتهد ونجح في إقناع مارك ضو بالانضمام إلى التحالف الداعم لأزعور، ويعمل بطرق مختلفة على إقناع النائب فراس حمدان بالانضمام إليه، أو أقله أن يكون ضد مرشح حزب الله، وهدفه الفعلي أن تكون النتيجة أن كل النواب الدروز ضد الخيار الذي يدعمه حزب الله. وبالطبع، في حالتنا الراهنة، لا يقيم جنبلاط وزناً لكل القوى الدرزية المختلفة معه على قضايا عدة، من بينها الموقف من المقاومة وسوريا.
فكرة التجميع الطائفي ضد مرشح المقاومة، دفعت بالأطراف المنضوية في التحالف الداعم لأزعور إلى العمل على جذب غالبية سنية إلى التحالف نفسه. ويتصرّف هؤلاء على أن الرجل قريب أساساً من الخط الحريري، وتربطه علاقات بفريق الحريري، ما يجعله أكثر قبولاً لدى السنة. لكنّ المحصّلة الإحصائية، حتى اللحظة، تشير إلى أن النواب السنة الملتزمين بالتصويت له أربعة، بينهم ثلاثة من المنقلبين على تيار الحريري هم وضاح الصادق وأشرف ريفي وبلال الحشيمي. والرابع هو مرشح دائم لرئاسة الحكومة اسمه فؤاد مخزومي. وإذا ما جرى اعتماد القاعدة نفسها التي قاربت فيها القوات «الفحص الجيني» للنواب المسيحيين الداعمين لفرنجية، تكون النتيجة واضحة بأن هؤلاء الأربعة لا يمكن أن يمثلوا المزاج السني العام، وهم أقرب إلى فؤاد السنيورة الذي رفضت بيروت إلباسه عباءة رفيق الحريري.
أما بقية النواب السنة، فبينهم من هو معارض دائم للحريرية منذ وصول الحريري الأب إلى الحكم، وبينهم من هو موالٍ للحريري الابن ومتضامن معه في وجه العقوبات السعودية، ومن لديه إرثه السياسي الخاص منذ عقود طويلة. وكل هؤلاء لا يريدون التصويت لمصلحة أزعور، وسينقسمون بين أقلية تدعم فرنجية، وأغلبية تعتمد الورقة البيضاء أو تدعم الخيار الثالث.
جنبلاط تعهّد بأن يصوّت جميع النواب الدروز معه، وجعجع مهتم بغالبية مسيحية لا بخلفية موقف باسيل، وهاجس الطرفين اتهام الشيعة بأنهم عزلوا أنفسهم
عملياً، يبدو المشهد الطائفي معقّداً عند من أرادوه وسيلة للنيل من فرنجية، إذ إن موقف باسيل من ترشيح فرنجية ينطلق من حسابات خاصة لا علاقة لها بكونه مدعوماً من قبل حزب الله، بل أظهرت اتصالات اليومين الماضيين بين باسيل وشخصيات على صلة بحزب الله أنه لا يريد الخلاف مع الحزب خارج الملف الرئاسي، ويريد إعادة صياغة التفاهم والإبقاء على العلاقة مع الحزب، ومستعدّ حتى للتسوية الرئاسية إذا وافق الحزب على سحب دعمه لفرنجية.
ما يجري عملياً يقود إلى نتيجة واحدة، هي أن الداعمين لأزعور فئتان، واحدة تريد جرّ حزب الله ومعه حركة أمل إلى تسوية بعيداً عن فرنجية، وثانية تريد الذهاب بعيداً في التحشيد الطائفي لأهداف لا تخص الرئاسة لا من قريب ولا من بعيد. وهو ما يعيد النقاش إلى الأصل، حيث لم يعرف اللبنانيون الأسباب الفعلية التي تكمن خلف مواقف الفريق الداعم لأزعور.
المفارقة هنا، أن الفريق الداعم لفرنجية يقول صراحة إن موقفه مرتبط بشراكة مع الرجل بما خصّ الموقف من العدو والمقاومة، وبما خصّ العلاقة مع سوريا وبقية العرب، ومعالجة ملف النازحين السوريين، والحفاظ على اتفاق الطائف. أما في الجهة المقابلة، فلا أحد يشرح لنا لماذا تنقّلت الترشيحات من ميشال معوض إلى زياد بارود فقائد الجيش ثم صلاح حنين… إلى لائحة مطوّلة حُفظت في أدراج بكركي، قبل أن يصلوا إلى جهاد أزعور، ولم يشرح أحد من هذه القوى طبيعة القواسم المشتركة بين كل هؤلاء المرشحين، ليوضعوا جميعاً في سلة واحدة، يُسحب منها اسم لكل دورة؟
ما يجب معرفته في هذه اللحظات الحرجة أنه فيما يُتهم الفريق الداعم لفرنجية بغياب المشروع، فإن الفريق الآخر، لا عنوان له غير مواجهة حزب الله. وحتى جهاد أزعور نفسه، الذي صمت طويلاً، لم ينطق إلا بما هو كلام عام، يمكن أن يرد في أي خطاب لأي سياسي في لبنان، وليست فيه إشارة تدل على تمايزه عن بقية المرشحين، ولم يجهد حتى لوضع عناوين تدل على ما يجعله مختلفاً عن غيره. وحتى قوله بأنّه ليس مرشح مواجهة كلام عام، يمكن لأي كان أن يقوله، ولكن هل ينظر إليه الآخرون على أنه ليس مرشح تحدّ؟ ألم يسأل أزعور نفسه لماذا لا يأتي كل داعميه على ذكر ما يتوقّعونه منه، ويقفون فقط عند عبارة واحدة تختصر المشهد كله، وهي أن الهدف من دعمه ليس أكثر من إسقاط فرنجية؟