ينتظر لبنان التوصّل الى اتفاق حول هدنة طويلة الأمد، لإتمام صفقة التبادل وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزّة، لكي ينعكس الأمر على الجبهة الجنوبية اللبنانية، سيما أنّها مرتبطة بحرب غزّة. غير أنّ ما قاله وزير الدفاع في حكومة العدو يوآف غالانت منذ أيّام أنّ “إسرائيل لن توقف إطلاق النار في الشمال ضد حزب الله، حتى لو توقف إطلاق النار في قطاع غزة”، وأنّه “ما دام لم نصل إلى وضع يمكن أن يعيش فيه سكان الشمال بأمان، فلن نتوقف”.
وقد ردّ حزب الله على هذا الكلام بالتأكيد على أنّ “المقاومة هي من يضع الشروط في لبنان وغزة، والعدو ليس في موقع من يضع الشروط”، مشدّداً على أنّ “شروط لبنان المقاوم والقوي هي التي ستفرض في نهاية الحرب”. الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة حول إمكانية استمرار اشتعال الجبهة الجنوبية التي هي منذ 8 تشرين الأول الفائت، جبهة مساندة للمقاومة الفلسطينية. فهل يمكن أن يتواصل القتال جنوباً بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، في حال توقّفت الحرب في غزّة، ومن يُقرّر ذلك؟!
أوساط ديبلوماسية متابعة تحدّثت عن أنّ “الإسرائيلي” لن يوافق على إنهاء الحرب في غزّة، لأسباب تتعلّق باستمرار رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في منصبه وعدم زجّه في السجن فور إنهائها. أمّا في حال سقوط حكومته الحالية، ونجاح المساعي الدولية في التوصّل الى هدنة طويلة الأمد في غزّة، فإنّ لبنان يأمل بالدخول في فترة تهدئة جنوباً، على غرار ما حصل خلال الهدنة الأولى التي استمرّت اسبوعاً. إلّا أن ما أعلنه وزير دفاع حكومة العدو عن أنّ بلاده لن توقف الحرب في جبهة الشمال وإن توقّفت في غزّة، فلا يتعدّى كونه كلاماً تصعيدياً يهدف الى طمأنة مستوطنيه، ورفع المعنويات ليس أكثر.
ولكن في حال استمرت الأعمال القتالية فعلاً من قبل العدو الإسرائيلي، وواصل اعتداءاته بعد وقف الحرب في غزّة ، وخروقاته للسيادة اللبنانية وللقرار 1701 التي تعدّت الـ 30 ألف خرق منذ صدوره في 12 آب من العام 2006، ، فإنّ المقاومة ستكون جاهزة للردّ وللدفاع عن لبنان، على ما أضافت الاوساط ، على غرار ما فعلت طوال السنوات الماضية. وقد أكّد حزب الله مراراً على لسان قيادييه، أنّ “الإسرائيلي” لم يعد في موقع وضع الشروط، وأنّ لبنان المُقاوم هو الذي يفرض عليه الشروط.
أمّا مطالبة الموفدين الأميركيين والأوروبيين من الحكومة اللبنانية بأن تتولّى بنفسها تأمين أمن الحدود الجنوبية، على ما أوضحت الأوساط نفسها، ما يعني نشر عدد أكبر من عناصر الجيش اللبناني في منطقة الليطاني، فهو أمر غير ممكن. وهذا الموقف نقله المسؤولون اللبنانيون للموفدين خلال المحادثات الأخيرة.
ومن المعلوم، أنّه رغم قيام دول الخارج بتسليح الجيش اللبناني، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وسواها، على ما ذكّرت الاوساط، الّا أنّ أيا من هذه الدول لم تُقدّم للمؤسّسة العسكرية معدّات عسكرية ضخمة مثل الصواريخ البعيدة المدى أو سواها، إنّما اقتصرت تقدماتها على بعض الأسلحة الخفيفة والذخائر. ومثل هذه الاسلحة لا يمكن أن يشكّل قوة ردع ضدّ العدو الإسرائيلي، الذي يملك قدرة عسكرية هائلة، فضلاً عن المساعدات الأميركية التي وصلته أخيراً لشنّ حربه على حماس في غزّة. وهذا الأمر كان مقصوداً بالطبع، والهدف منه عدم تمكّن لبنان من فتح أي حرب مع “إسرائيل”، كونه يجعل موازين القوى غير متكافئة.
غير أنّ القدرة العسكرية لحزب الله، على ما تابعت الأوساط، فيمكنها أن تُشكّل راداعاً للعدو الإسرائيلي، وتجعله يفكّر ألف مرّة قبل الإقدام على توسيع الحرب معه في لبنان، أو حتى على إبقاء جبهة الجنوب مفتوحة، وإن توقّفت الحرب في غزّة. فـ “الإسرائيلي” غير قادر على القضاء على حماس في غزّة، وقد حاول التخلّص من حزب الله وسلاحه في تمّوز- آب 2006، لكنّه فشل في ذلك. لهذا فمن غير المنطقي أن يحاول “الإسرائيلي” مرّة ثانية ما فشل به منذ 18 عاماً.
من هنا، فإنّ المطلوب من الموفدين الدوليين، على ما عقّبت الاوساط، الضغط على “إسرائيل” لوقف إطلاق النار الشامل في غزّة، كونه يُسهم في وقفه عند كلّ الجبهات المسانِدة ومنها جبهة الجنوب، وإعادة الأمور الى طبيعتها والى ما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول المنصرم. في حين أنّ استمرار التهديدات “الإسرائيلية” في توسيع الحرب فلن يؤدّي الى أي نتيجة، بل قد يؤدّي الى حرب تشمل كلّ دول المنطقة، وتمتدّ منها الى الدول الأوروبية. كما أنّه على “الإسرائيلي” أن يُدرك أنّ أي توسيع لعدوانه على لبنان سيلقى الرد المناسب من قبل حزب الله، الذي أعلن أنّه سيلحق أضراراً كبيرة في كيان الاحتلال تفوق بأضعاف ما تكبده في حرب غزة. ومن شأن التهدئة أن تقود لبنان و”إسرائيل” الى التفاوض غير المباشر على الحلّ السياسي والديبلوماسي الذي يقضي بتطبيق القرار 1701، والانتهاء من “إظهار” الحدود البريّة الجنوبية، وبانسحاب القوّات “الإسرائيلية” الى الحدود المرسّمة، ووقف خروقاتها البريّة والبحرية والجويّة للسيادة اللبنانية، وإعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا للدولة اللبنانية.