عودٌ على بدء، ازمة الأساتذة المتعاقدين والمستعان بهم تتفاعل. بداية الاسبوع كانت حافلة بالمطالب والانذارات. والاضراب المفتوح قد يمتد الى ما شاء الله، بسبب الاجحاف الذي يلحق بالقطاع التعليمي، والذي استهدف لقمة عيشهم ورواتبهم التي لم يتقاضوها منذ 4 أشهر. فهل سيكون القطاع التربوي امام فصل جديد يستهدف مصير جيل بأكمله، ويهدد العام الدراسي وقطاع التعليم برمته؟
بعد ان بدأت السنة الدراسية متعثرة وبمجموعة وعود، أتت 5 الدولارات التي صرح عنها وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي لتنسف كل الصبر والجلد للهيئة التعليمية، لما فيها من انتقاص للمعلم الذي لطالما كان يكرّم بهذه الكلمات «قم للمعلم وفه التبجيلا»، ليضحي «قم للمعلم واجعل منه هزيلا».
فالأساتذة حقوقهم مهدورة، وجهودهم تذهب ادراج الرياح ، والقدرة على التحمّل باتت في خبر كان، وصبرهم هذه المرّة فعلا قد نفد! وقبيل العودة الى مقاعد الدراسة من بعد عطلة أعياد كانت الأطول من بين كل السنوات السابقة، أطلق «المتعاقدون» إشعارات تحذيرية الى المعنيين غير المعنيين بشيء، انه في حال لم تتحقق مطالبهم المحقة والجوهرية، فسيكونون امام فصل جديد عواقبه لن تكون سليمة على القطاع التعليمي. بالإشارة الى ان الارباك واضح ما بين الهيئات التعليمية والروابط والوزارة المعنية.
بالموازاة، وفي خضم حرارة الاضراب المفتوح الذي بدأ الأساتذة المتعاقدين بتنفيذه، قام وفد من مدارس المتن الأعلى بزيارة وزير التربية، مؤكدين التزامهم التعليم وتنفيذ ساعات التعاقد في الاضراب، لا بل اكثر من ذلك استنكروا الهجوم المنظّم على الوزير من بعض الذين اعتبروهم لا يمثلون المتعاقدين، مطالبين بصرف بدل ساعات التعاقد المنفذة منذ بداية العام الدراسي، متبعين قاعدة المطالبة غير المباشرة بالمبادئ التي مشى بها الأساتذة المتعاقدون، الذين دعوا الى الاضراب الشامل في كل لبنان. فهل كان هذا الوفد يمارس التبجيل ام التدجيل؟
عدنا الى التعليم بناء على وعود
رئيسة لجنة المتعاقدين في التعليم الثانوي منتهى فواز قالت لـ «الديار»: «عدنا الي التعليم بناء على وعود أطلقها وزير التربية واللجنة التربوية، وعلى أساس قانون مجلس النواب في ما يخص رفع اجرة الساعة للأستاذ، لتصبح في مرحلة الثانوي 180 ألفا والتكميلي 100 ألف».
وتتابع « انطلق العام الدراسي على اعتبار انه سيكون لنا العقد الكامل عن العام المنصرم، وتتابعه لجنة التربية ويُقرّ في اول جلسة تشريعية الى جانب بدل النقل». وتضيف : «لنا مرسوم بدل نقل عن العام الماضي الذي اضربنا بسببه لأشهر حتى حصلنا على المرسوم، وحتى اللحظة لم نتقاضاها، على أساس ان العام الدراسي لن يبدأ الا بعد ان نحصل عل مستحقاتنا وهذا ما لم يحدث البتة».
وتقول فواز « دخلنا الى العام الجديد لنتفاجأ من بعد الموازنة ان مرسوم بدل النقل ليس مرسوما، بل قرار ويتضمن شوائب قانونية ويحتاج الى إعادة تعديل». وتتعجّب بالقول، « في غياب مجلس الوزراء منذ شباط الفائت وحتى تشرين الثاني، ألم يفقهوا ان هذا قرار وليس مرسوماً! كما لم يتنبّهوا الى الأخطاء القانونية». وتتساءل اين ذهبت الـ 150 مليار ليرة التي خصصت لهم بدل نقل «؟
الوعود نكثت !
اما عضو لجنة المتعاقدين في التعليم الثانوي في البقاع الأوسط ماهر نسبين فيقول لـ «الديار»: «عُدنا إلى التعليم بناءً على وعود جديّة من معالي وزير التربية بأنّه سوف يدفع حوافز مالية شهرياً 130$، الى جانب تقديم مساعدة اجتماعية قدرها 180$ على غرار العام الماضي، بالإضافة الى دفع بدل النقل ومتأخرات الحوافز المالية عن العام المنصرم، ودفع مستحقات الزملاء المستعان بهم، والمواد الإجرائية».
يتابع نسبين: «جاء هذا الكلام بعد اجتماع عقد في 28 أيلول 2022، واليوم بعد مضي حوالى اربعة أشهر لم يتم دفع أي من المستحقات أعلاه، لا بل على العكس جاء موقف الدول المانحة سلبياً تجاه دعم الاساتذة بالحوافز المالية (130$) ما زاد الطين بلّة»، ويشير الى «ان بدل النقل يحتاج الى مرسوم من مجلس الوزراء الذي يستحيل أن يمرّ لا بمرسوم جوال ولا بانعقاد جلسة لمجلس الوزراء، عدا المطالبة الدائمة بالعقد الكامل عن عامين متتاليين، ويحتاج أيضا إلى توافق من مختلف الكتل النيابية عبر جلسة تشريعية، وهذا الامر مستبعد حالياً».
مديرو المدارس يتلكؤون
ويشرّح نسبين الواقع بالقول: «أما بالنسبة لمستحقات الفصل الأول (تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون الأول) فلم يتم جمع الجداول من مختلف المناطق التربوية في التعليم الاساسي، وهذا يعود الى تلكؤ مديري المدارس، ولم نرَ أي محاسبة من جانب الوزارة. أما بالنسبة لجداول الأساتذة المتعاقدين في التعليم الثانوي فلا تزال قابعة في أدراج وجوارير وزارة التربية».
ويتابع «علماً أننا بعد المؤتمر الصحافي لوزير التربية الذي عُقد يوم الخميس في 5/1/2023، وكان قد أعلن فيه عن نيته بدفع فريش (5$) كبدل إنتاجية للهيئة التعليمية عن كل يوم تعليمي»، ويقول «ان هذا المبلغ لا يلبي تطلعات الاساتذة المتعاقدين، وقد طلبنا خلال اللقاء سلفة بدل إنتاجية سريعة «فريش»، والتسريع في دفع المستحقات المالية للفصل الاول والمتأخرات عن العام المنصرم، والحفاظ على ساعاتنا التعاقدية لجهة الاضرابات والأعطال القسرية التي لا ذنب لنا فيها، وبكل شفافية لم نلق تجاوبا جدياً».
اما عن المطالب فأوجزها نسبين بالاتي: «ان مطالب الأساتذة المتعاقدين تتلخص بحق المتعاقد في أن ينفذ ساعاته، ولا يُحرم منها أيام اضرابات روابط التعليم ليحفظ حق غيره، الى جانب حقوق التلاميذ في أن يحصلوا على الأهداف المحددة ضمن منهجهم بشكل كامل. ويتابع: من العدل أن يتقاضى المتعاقد كامل عقده (٣٢ اسبوعا)، وحقه في أن يحصل على بدل نقل عن كل يوم حضور، كما ان حق المستعان بهم ان يأخذوا مستحقاتهم عن العام المنصرم وإبرام عقودهم ليضمنوا استقرارهم الوظيفي، وهناك نقطة أساسية وهي ان يتقاضى المتعاقد راتبه شهريًّا وبشكل منتظم».
ويشير الى «المساعدة الاجتماعية والحوافز، وهي الأهم لاستمراريتنا وتمكننا من القيام برسالتنا التربوية، لتبقى المدرسة الوطنية في الطليعة رغم أنف الحاقدين». ويشدد نسبين «على ضرورة الاستعجال في إرسال المساعدة المادية بأسرع وقت عبر الـ OMT»، لكي نستطيع الذهاب الى ثانوياتنا.
معاناة البقاع والشمال
والمناطق النائية أضعاف
بطبيعة الحال، الى جانب كل ما تقدم من الاجحاف بحق الأساتذة، تبقى المعاناة الشديدة على الطلاب الذين يقطنون في المناطق الجبلية، حيث البرد قارص، والريح لاسع، والمحروقات تباع سوقاً سوداء، كما ان المدارس تفتقد التمويل في صناديقها. أضف الى كونها غير مستعدة ومجهزة بالحد الأدنى لا في البناء ولا العتاد. وتبقى المشكلة الأساس هي التمويل. فإكمال العام الدراسي يحتاج الى الحد الأدنى من مقومات الحياة للمضي بعام مجهول المستقبل، والذي علمه يبقى بيد الله وحده.