ثمة خط ما فوق الانتخابات النيابية التي ينتظرها لبنان، وهو المسار الانحداري المستمر للبلاد. فالاستحقاق لا يظهر طريقًا للحلول أو التسويات ولا للمعالجات التي يحتاجها لبنان في أزماته الراهنة. والمعركة الانتخابية ترتكز على عناوين وشعارات لا جديد فيها. ما يعني عدم توفر أي مقومات مبشرة لحل الأزمات. ولا ظهور لأطراف تستعجل تغيير الوقائع اللبنانية.
فلبنان متروك إذًا للمزيد من الانهيار، في الكهرباء والمرفأ والقطاعات الأخرى المتعلقة بالمحروقات والاتصالات. والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي متوقفة. والعرقلة تشمل البطاقة التموينية وغيرها. والبلد غارق في أزماته للتأسيس إلى انهيار أكبر، في انتظار إعادة إنتاج تركيبة سياسية غير واضحة المعالم حتى الآن.
اتفاق هجين؟
هناك مسار مفتوح ومستمر بين الإيرانيين والأميركيين. وتشير بعض المعلومات إلى طبخ صفقة تغطيها مناوشات وآليات التصعيد المشهودة، كما حصل مؤخراً في أربيل بسياق غير مفهوم لآلية الضربة. فالأميركيون يريدون النفط الإيراني، في ظل عدم استجابة دول الخليج للمطالب الأميركية. والإيرانيون في المقابل متحمسون ومستعجلون لإبرام الاتفاق، ولكنهم غير قادرين على الخروج عن إرادة الروس، فيما تستشعر طهران اختناقًا بسبب الموقف الروسي، مع عدم قدرتها على التعبير صراحة عن موقفها.
ولا بد من معرفة الموقف الصيني، الذي لا يبدو متحمسًا إلى جانب روسيا. فالصين وإيران وإسرائيل تحاول أن تلعب دورًا بين الطرفين. وعدم الانغماس الإيراني في دعم الموقف الروسي والتنصل من أي مترتبات لهذا الصراع ومندرجاته، يهدفان إلى عدم خسارة مقومات الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأميركية. هذا كله يقود إلى اتفاق مهما تأخر، خصوصًا أن طهران تراهن على فكرة التنصل من العقوبات على قطاع النفط، وقد تسعى إلى تحصيل الإعفاءات عن قطاع الطاقة لتتمكن من تصدير النفط والغاز، حتى قبل إبرام الاتفاق النووي.
فالمساعي بين الطرفين مكثفة للوصول إلى تفاهم، ولو لم تطلق عليه تسمية اتفاق فيينا مثلًا. وما تراهن عليه إيران هو الخلاف الخليجي-الأميركي المتصاعد، في ظل الردود الخليجية على الممارسات السياسية للرئيس الأميركي جو بايدن. وهذا قد يعطي زخمًا للجهود التسووية بين واشنطن وطهران، الحريصتين على التهدئة، بمعزل عن الضربة الأخيرة التي وجهها الإيرانيون في أربيل: استهدافهم موقعًا لقيطًا. فلا الإسرائيليون اعترفوا بأنه لهم، ولا الأميركيون اعتبرو الضربة مؤثرة أو مؤذية لهم.
الاهتراء اللبناني مستمر
تنعكس هذه المعطيات على الواقع اللبناني، الذي لا يريد أحد افتعال المزيد من المشاكل فيه. صحيح أن هناك غلبة واضحة لصالح إيران، لكن المعضلة اللبنانية متروكة وهامشية دوليًا. واللامبالاة بالانتخابات النيابية ونتائجها خليجيًا واضحة حتى الآن. وهناك انطباع باهت يغمر الاستحقاق الانتخابي باعتباره روتينيًا وليس محطة مفصلية، ولن يؤدي إلى أي تغيير، لا في الموازين السياسية الداخلية ولا في ملحقاتها الخارجية.
لذا، يستمر مسار الاهتراء الداخلي طويلًا. وهنا لا بد من مراقبة احتمال تطور ما على مستوى ترسيم الحدود في المرحلة اللاحقة. وهذا يظل مرهونًا بالاتفاق الإيراني- الأميركي.
وهنا لا يعود قائمًا الحديث عن اتفاق نووي دولي. بل عن اتفاق بين طرفين، وقد يستتبع بحثًا في ملفات عدة، منها إيجاد تسوية على الساحة اللبنانية.